قد ينتهي حفل في نادٍ ليلي في لبنان، إلى حرب بين عائلتين، يسقط فيها ضحايا. يبدأ الأمر بإطلاق النار فرحاً بالمغنّي الذي يُلقي التحيات "عن جنب وطرف" لمن يدفع له، لكنّه قد يتطوّر إلى معركة عشائرية تُمسي حديث الناس هناك. كيف يبدأ الحفل؟ وكيف ينتهي بهذه الطريقة؟
تصل عدة سيارات كبيرة الحجم. ينزل من إحداها المغني، بينما يحيط به رجال ذوو أجساد ضحمة. يلف اللون الأسود كل شيء. السيارات والرجال والمغني. يعطي هذا اللون طابعاً مهيباً، يعزّزه العبوس والجدية الطاغية على تصرفات المجموعة. لا يكسر المشهد سوى صوت الموسيقى الخفيف المتسرّب من بعيد، واضطرار المغني إلى الابتسام عند كل سيلفي يلتقطها معه أحد المعجبين.
عندما يصل الجمع المهيب إلى النادي الليلي، يعلو التصفيق والصفير، ما يُشعِر المغني بغبطة خفيفة، تقوّي من عزيمته قبل المعركة الوشيكة. يتمركز كل موسيقي في موقعه. عازف الأورغ في الخلف لحماية ظهره، بينما يقف عازف الطبل في الأمام كخط دفاع أوّل مدجج بسلاح من النوع الثقيل، يؤمّن قدراً من التحكم بإيقاع الجمهور أمامه. لا يختلف الأخير عن رجال أمن النادي الليلي، حيث يمتلك جسماً ضخماً ويرتدي الأسود غالباً، الذي يعطي طابعاً قاسياً لشخصيته.
في مقابل المغني، يتكاتف الجمهور في حلقات دبكة تظهر التآزر بينهم. كل ضربة طبل يوازيها خبطة قدم منهم وحركة جسد متناغمة. بين الجمهور، يوجد مقاتلون أشدّاء أيضاً، يرفضون الالتزام بحركة الباقين، فتجدهم يقفزون بشكل أكثر حرية وبطريقة تظهر قدرات قتالية، تبدو أقرب إلى الرقص من الدبكة، لكن مع الحرص على عدم ترك الإيقاع الذي يعتبر الثابت الوحيد والرابط مع جماعتهم الذي يحظر الإفلات منه.
منذ بداية الحفل، يرسل المغني التحيات للموجودين يميناً وشمالاً. يبدأ بالعريس - المحارب الذي أتى بكامل عتاده ومع أشرس مقاتلي عشيرته لاختطاف العروس - ثم ينتقل بعده إلى أصحاب المراتب العالية من الموجودين. يصادف أحياناً وجود طاولة رجال أمن أو وجهاء من المنطقة التي يغني فيها، فتنال نصيبها من التحيات، وفي أحيان أخرى يكون هناك طاولة للمطلوبين أو تجار المخدرات الذين يأخذون نصيبهم أيضاً.
بعدها، يبدأ المغني بتأدية التحيات حسب الطلب، فيتكلم بلسان الشخص الذي دفع له ليغني، فينسج أبيات العتابا والميجانة لإرضاء معازيمه الكثيرين. هذه الأبيات تخبرنا من جهة عن الظلم الذي عاشه المغني وعتبه على فراق الحبيب وخيانة البشر وحتى الأصدقاء، وتمنيه الموت، وأن يُلف بالكفن. ومن جهة أخرى، يؤكد لنا أن هناك أشخاصاً أصيلين، رغم كل شيء، يستحقون إرسال التحية لهم وعيش الحياة بسبب وجودهم. لا تجد هذه الأبيات مانعاً من استحضار الأنبياء والقديسين أو مظلوميات أهل البيت، وانتصارات حزب الله، حتى لو كان الحفل في نادٍ ليلي.
في بعض الأوقات، يرفع الموال أو بيت العتابة من حماسة الشخص المقصود به، فيطلق النار فخراً واعتزازاً في الهواء، مضاعفاً بذلك معانيه، كأن صوت إطلاق النار آلة موسيقية إضافية تزيد من وقع الكلام على الحاضرين. أحياناً لا يكتفي البعض بأصوات الرشاشات، فيستعملون آلات موسيقية مثل الآر بي جي التي يقصفونها إلى أمكنة مجهولة. كثيرون راحوا ضحايا مواويل أداها مغنون متواضعون لم يسمع بهم أحد.
لكن للمغنين أيضاً معاركهم الخاصة، غير المرتبطة بالجمهور. كثيراً ما تسمعهم يقولون إنهم "محارَبُون"، وإن هناك من يريد التخلص منهم. هذه المعارك تدور بشكل خاص مع مغنين آخرين ينافسونهم على مجالات مشتركة، يمكن أن تكون أندية ليلية أو مطاعم، أو حتى مناطق وقرى معينة.
أحياناً، يشترك في هذه الحروب جماعات من المغنين وتمتد بعضها لأسابيع وأشهر. سمعنا هذا العام عن حرب مواويل ورديات خاضها ديوك ملاهي بيروت الليلية، وقد استعملت فيها أسلحة ثقيلة. يتسرب أحياناً مقاطع فيديو تفضح أجزاء من تلك المعارك، مثل مقطع أثار حفيظة الإعلام، منذ أيام، يظهر فيه أحد المغنين المعروفين وهو يقول ردية تخبر الجمهور أن حذاءه يساوي معاش أحد الأشخاص لتسعة أشهر.
طبعاً، في هذه الحروب، على كل فنان أن يحمي نفسه من خلال تقوية علاقاته مع رجال الأمن والسلطة. فكما يؤدي فنان البوب الأعلى مرتبة حفلات مجانية في مهرجانات تنظمها زوجات السياسيين، يؤدي الفنان الشعبي حفلات في مناسبات تخص رجال أمن ذوي مراتب مرتفعة، يمتدحهم خلالها بأجمل أبيات العتابة، ويحرص على دعوتهم إلى حفلاته وإرضائهم بأي طريقة، حتى لو كانت رشوة مباشرة.
اقــرأ أيضاً
أما بعض المغنين الناشطين في البقاع، فيحرصون من ناحية أخرى على تقوية علاقاتهم بتجار المخدرات ورجال العصابات الذين يهابهم السكان، وهناك تسجيلات كثيرة لـ نعيم الشيخ، أحد أكثر المغنين الشعبيين شهرة في البقاع؛ يمتدح فيها أشخاصاً مثل نوح زعيتر (تاجر مخدرات)، وفي عزاء عباس طليس (رئيس عصابة سرقة ومخدرات). المضحك أن بعضهم يبدؤون مع الوقت بنسخ سلوكيات معينة، مثل المبالغة في إظهار القوة والبلطجة، مقابل المبالغة بفعل الخير تجاه أبناء بلداتهم أو عشائرهم (وديع الشيخ يعتبر نموذجا بارزاً)، ما يعتبر سلوكا نمطياً عند تجار المخدرات بشكل خاص في منطقة بعلبك الهرمل.
تصل عدة سيارات كبيرة الحجم. ينزل من إحداها المغني، بينما يحيط به رجال ذوو أجساد ضحمة. يلف اللون الأسود كل شيء. السيارات والرجال والمغني. يعطي هذا اللون طابعاً مهيباً، يعزّزه العبوس والجدية الطاغية على تصرفات المجموعة. لا يكسر المشهد سوى صوت الموسيقى الخفيف المتسرّب من بعيد، واضطرار المغني إلى الابتسام عند كل سيلفي يلتقطها معه أحد المعجبين.
عندما يصل الجمع المهيب إلى النادي الليلي، يعلو التصفيق والصفير، ما يُشعِر المغني بغبطة خفيفة، تقوّي من عزيمته قبل المعركة الوشيكة. يتمركز كل موسيقي في موقعه. عازف الأورغ في الخلف لحماية ظهره، بينما يقف عازف الطبل في الأمام كخط دفاع أوّل مدجج بسلاح من النوع الثقيل، يؤمّن قدراً من التحكم بإيقاع الجمهور أمامه. لا يختلف الأخير عن رجال أمن النادي الليلي، حيث يمتلك جسماً ضخماً ويرتدي الأسود غالباً، الذي يعطي طابعاً قاسياً لشخصيته.
في مقابل المغني، يتكاتف الجمهور في حلقات دبكة تظهر التآزر بينهم. كل ضربة طبل يوازيها خبطة قدم منهم وحركة جسد متناغمة. بين الجمهور، يوجد مقاتلون أشدّاء أيضاً، يرفضون الالتزام بحركة الباقين، فتجدهم يقفزون بشكل أكثر حرية وبطريقة تظهر قدرات قتالية، تبدو أقرب إلى الرقص من الدبكة، لكن مع الحرص على عدم ترك الإيقاع الذي يعتبر الثابت الوحيد والرابط مع جماعتهم الذي يحظر الإفلات منه.
منذ بداية الحفل، يرسل المغني التحيات للموجودين يميناً وشمالاً. يبدأ بالعريس - المحارب الذي أتى بكامل عتاده ومع أشرس مقاتلي عشيرته لاختطاف العروس - ثم ينتقل بعده إلى أصحاب المراتب العالية من الموجودين. يصادف أحياناً وجود طاولة رجال أمن أو وجهاء من المنطقة التي يغني فيها، فتنال نصيبها من التحيات، وفي أحيان أخرى يكون هناك طاولة للمطلوبين أو تجار المخدرات الذين يأخذون نصيبهم أيضاً.
بعدها، يبدأ المغني بتأدية التحيات حسب الطلب، فيتكلم بلسان الشخص الذي دفع له ليغني، فينسج أبيات العتابا والميجانة لإرضاء معازيمه الكثيرين. هذه الأبيات تخبرنا من جهة عن الظلم الذي عاشه المغني وعتبه على فراق الحبيب وخيانة البشر وحتى الأصدقاء، وتمنيه الموت، وأن يُلف بالكفن. ومن جهة أخرى، يؤكد لنا أن هناك أشخاصاً أصيلين، رغم كل شيء، يستحقون إرسال التحية لهم وعيش الحياة بسبب وجودهم. لا تجد هذه الأبيات مانعاً من استحضار الأنبياء والقديسين أو مظلوميات أهل البيت، وانتصارات حزب الله، حتى لو كان الحفل في نادٍ ليلي.
في بعض الأوقات، يرفع الموال أو بيت العتابة من حماسة الشخص المقصود به، فيطلق النار فخراً واعتزازاً في الهواء، مضاعفاً بذلك معانيه، كأن صوت إطلاق النار آلة موسيقية إضافية تزيد من وقع الكلام على الحاضرين. أحياناً لا يكتفي البعض بأصوات الرشاشات، فيستعملون آلات موسيقية مثل الآر بي جي التي يقصفونها إلى أمكنة مجهولة. كثيرون راحوا ضحايا مواويل أداها مغنون متواضعون لم يسمع بهم أحد.
لكن للمغنين أيضاً معاركهم الخاصة، غير المرتبطة بالجمهور. كثيراً ما تسمعهم يقولون إنهم "محارَبُون"، وإن هناك من يريد التخلص منهم. هذه المعارك تدور بشكل خاص مع مغنين آخرين ينافسونهم على مجالات مشتركة، يمكن أن تكون أندية ليلية أو مطاعم، أو حتى مناطق وقرى معينة.
أحياناً، يشترك في هذه الحروب جماعات من المغنين وتمتد بعضها لأسابيع وأشهر. سمعنا هذا العام عن حرب مواويل ورديات خاضها ديوك ملاهي بيروت الليلية، وقد استعملت فيها أسلحة ثقيلة. يتسرب أحياناً مقاطع فيديو تفضح أجزاء من تلك المعارك، مثل مقطع أثار حفيظة الإعلام، منذ أيام، يظهر فيه أحد المغنين المعروفين وهو يقول ردية تخبر الجمهور أن حذاءه يساوي معاش أحد الأشخاص لتسعة أشهر.
طبعاً، في هذه الحروب، على كل فنان أن يحمي نفسه من خلال تقوية علاقاته مع رجال الأمن والسلطة. فكما يؤدي فنان البوب الأعلى مرتبة حفلات مجانية في مهرجانات تنظمها زوجات السياسيين، يؤدي الفنان الشعبي حفلات في مناسبات تخص رجال أمن ذوي مراتب مرتفعة، يمتدحهم خلالها بأجمل أبيات العتابة، ويحرص على دعوتهم إلى حفلاته وإرضائهم بأي طريقة، حتى لو كانت رشوة مباشرة.