تحولات مسلسلات البيئة الشاميّة بعد انطلاقة الثورة

27 مارس 2017
ترصد المسلسلات الجديدة الدور الشرير للدولة العثمانية (MBC)
+ الخط -
رغم تدهور حالة الدراما السورية في سنين ما بعد الثورة، إلا أن مسلسلات البيئة الشامية لا تزال تتمتع باهتمام الجمهور السوري والعربي، وتحظى بمتابعة جماهيريَّة تتزايد يوماً بعد يوم. وحاول النظام السوري استثمار شعبيَّة هذا النوع من الدراما، فاتخذها كمنبر، ليمرّر من خلالها رسائله السياسية، وذلك ما يفسر التغييرات الكبرى التي طرأت على بنية مسلسلات البيئة الشامية في السنوات الأخيرة. 

وكما جرت العادة، فإن التغييرات التي تطرأ على الفنون في سورية تقترن بقرار سياسي. وصدر في سنة 2014، كتاب رسمي للجنة صناعة السينما والتلفزيون السورية، مُوجّه لمنتجي الدراما السورية، تضمن توجيهات وتحذيرات رقابية جديدة خاصة بمسلسلات البيئة الشامية، وجاء في رأس القائمة، عدم إبراز أي صورة لعلم الاستقلال من الانتداب الفرنسي، والمقصود العلم السوري القديم، والذي رفعه معارضو النظام السوري في مظاهراتهم. كما أكد الكتاب ضرورة عدم ذكر كلمة "ثوار الغوطة" ضمن أعمال البيئة الشامية. وأشار الكتاب الرقابي، أيضاً، إلى ضرورة عدم اعتماد شيخ الجامع كمرجعية بمفرده، بالإضافة إلى التأكيد على إبراز الدور الحضاري للمرأة ودور العلم والمتعلمين والمثقفين.

هذا الكتاب الذي تم تسريبه على صفحات "فيسبوك" قبيل الإعلان عن التحضير لإطلاق أجزاء جديدة من مسلسل "باب الحارة"، يبدو أن تعاليمه طبقت في دراما البيئة الشامية منذ انطلاقة الثورة. ففي سنة 2011، بدأت مسلسلات البيئة الشامية تخصص مساحة للشخصيات اليهودية والمسيحية، لتؤكد على "التعايش الديني الذي طالما عاشته دمشق"، فأقحمت أول شخصية يهودية في تاريخ الدراما السورية في مسلسل "طالع الفضة" سنة 2011، وأعطى مسلسل "ياسمين عتيق" 2013، مساحة خاصة من حواراته لإثبات التآخي الديني، على هامش الأحداث التاريخية المتعلقة بدخول إبراهيم باشا السفاح إلى دمشق، وتفوّق "باب الحارة" بأجزائه الأخيرة على باقي أعمال البيئة الشامية، فتورَّط "العكيد معتز" بعلاقة عاطفية مع امرأة يهودية، كللت بالزواج، وفرضت نفسها على المجتمع.


إضافة إلى ذلك، أصبحت الأحداث الدرامية تأخذ مجرى آخر يرضي النظام، ففي "باب الحارة" تمت إضافة شخصية شيخ تحملُ ميولاً مُتطرِّفة، الأمر الذي يحمل إسقاطات واضحة تدل على "داعش" والجماعات الإسلامية المتطرفة. يقوم الشيخ بغسل عقول الشباب من منبره في المسجد، ويعمل على تشويه صورة الإسلام، فيقابل أهالي الحارة البسطاء، كالحلاق والخضرجي، هذه التصرفات بوعي قومي، ويقومون بنفي الشيخ والتصدي للتوجه الإسلامي، والذي كان معششاً في بيئتهم في الأجزاء الخمسة التي أنتجت قبل الثورة.

كما أن المسلسلات التي أنتجت في الآونة الأخيرة، كثرت فيها النقاشات المسيئة للدولة العثمانية، والغاضبة منها، ليتم التأكيد على أنّ الوعي القومي العربي الذي كان معجوناً بطينة أهالي الشام، هو الذي دفع العرب إلى حملات الانفصال عن الدولة العثمانية في بدايات القرن الماضي، في حين أن مسلسلات البيئة الشامية السابقة للثورة، والتي تطرقت للموضوع، كانت تشير إلى دور الدول الغربية في الانقسامات العربيّة والإسلاميّة، وانتقدت هذه المسلسلات سياسة الدولة العثمانية، القائمة على العسكرة، من دون أن تدرك أن محاكاة حملات عسكرة المجتمع التي انتقدتها هذه المسلسلات، يمكن إسقاطها على سياسة النظام السوري في الوقت الحالي.


المساهمون