ضمن التوتّر السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية منذ عقود طويلة، لم يعد أحد ينكر الفوضى التي أحدثتها المصطلحات والمفاهيم في الحياة العامة. فأفكار مثل القومية والديمقراطية واليسار وحقوق الإنسان والعلمانية والإسلام السياسي وغيرُها كثيرٌ مما يؤثث الساحات السياسية العربية، لا تزال تستعمل في سياقات متشعبة وبدلالات مختلفة وتوظيفات عدة.
يشير هذا الوضع إلى ثغرة في مجمل الثقافة العربية المعاصرة، وهي غياب مجال الفكر السياسي الذي عليه أن يؤصّل هذه المفاهيم ويصنّع أخرى بحسب حاجيات الشعوب والمؤسسات.
طبعاً، لا تخلو الثقافة العربية، منذ ما عرف بعصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر، من محاولات في هذا الاتجاه، فرضها اصطدام المفكّرين بضرورة المرور من المجال السياسي نحو أي إصلاح، غير أن متصفّح المدوّنة التي أُنجزت سيعثر على الكثير من التطاحن والتضارب والتشويش، في انعكاس طبيعي لمشهد سياسي كان بلا معايير وظلت تحكمه الغلبة والشعارات.
يُرفَد الفكر السياسي عادة بأفكار السياسيين أنفسهم، ورغم أن ثمة زعماء عرب تسمّت بأسمائهم تيارات سياسية مثل الناصرية والبورقيبية، إلا أننا من الصعب أن نعثر على مدوّنة متينة لهم.
لعلنا نفهم من ذلك بأن معظم هذا المشهد السياسي العربي قام بالأساس على تجميع سُنن، ولم يوضع لها فكر سياسي تستند عليه، كما هو الحال مع مجالات كثيرة أخرى في ثقافتنا.