تجارة الوطنية

29 ابريل 2015
+ الخط -

حالة عامة أصبحت سائدة في مصر منذ إطاحة نظام الإخوان المسلمين، فبمجرد أن ينطق الشخص أمام أحد محتكري الوطنية وتجارها بأي كلمة تعبر عن عدم الرضا عن الأوضاع السياسية، أو الاقتصادية والأمنية، أو التعرض للذات الرئاسية بأي انتقاد أو المطالبة بمزيد من الحريات وغير ذلك، يقوم بوصفه، على الفور، بأنه إخوان. وبالطبع، يصحب هذا التصنيف اتهام بالعمالة والخيانة للوطن، وعدم الرغبة في استقراره، وأن ذلك الشخص لا يستحق الحياة من الأساس. ولم يحدث ذلك من فراغ، أو بمحض المصادفة، لكنه نتيجة استراتيجية، يتبعها الإعلام الذي يخضع للمصالح والمواءمات فقط. والمقصود إخافة أي صوت معارض، لأن تصنيفه إخوانياً، في هذه الأيام، كما هو رائج إعلامياً، يعني أنه إرهابي وعدو للوطن.
إنها حالة من الإرهاب الحقيقي، وليس المزعوم، لكنه إرهاب فكري ونفسي أشد خطراً من الإرهاب المسلح. وبعدما كنا نسمع، في السابق، عبر الإعلام أن المعارضة جزء من الحكم، وأنها شيء صحي، وتضمن استقامة الحاكم وتقويمه، وعدم تحويله إلى فرعون، يفعل ما يشاء من دون رقيب.
أصبحنا نسمع خطاباً آخر يتهم كل صوت معارض بالخيانة والعمالة. وحتى الحرية التي كانوا يتشدقون بها، ويطالبون بعدم وضع سقف لها، أصبحوا يقولون إنه لا وقت لها الآن، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
إن انصياع كثيرين لهذا الإعلام والتسليم لكل ما يقوله، على الرغم من التناقض الواضح والتباين الشديد والكذب الفج. يظهر حالة التجريف الفكري والثقافي التي تعرض لها كثيرون على مدار عشرات السنين. وما كان ذلك إلا لمحاولة أنظمة دكتاتورية السيطرة الكاملة، وتنصيب نفسها راعية ووصية على الناس، تعرف مصلحتهم أكثر منهم.
لن تأتي هذه الحالة المستمرة من الشحن الإعلامي للمواطنين ضد بعضهم إلا بمزيد من الفرقة بين أبناء الوطن الذي هو في أمسّ الحاجة إلى تماسك أبنائه.
لا يمكن أن نبني وطناً قوياً، ونحن في هذه الحالة من الفرقة والتخوين لمجرد كلمة. ويجب أيضا أن نتخلّص من فوبيا "الإخوان" التي أصبحت مسيطرة على عقول كثيرين، وتعمي قلوبهم قبل أعينهم عن رؤية حقائق واضحة كالشمس في رابعة النهار، والتي يستخدمها كل صاحب مصلحة في بقاء البلاد في هذه الحالة الهستيرية وإلهاء الناس عما يدور حولهم، ويجب أن يعلم الجميع أنه ما ضاعت أمة في التاريخ على يد أعدائها. ولكن، تضيع الأمم دائماً بسبب منافقيها.

 

54371B97-F27A-4F03-A352-C9873B781B99
54371B97-F27A-4F03-A352-C9873B781B99
السعيد حمدي (مصر)
السعيد حمدي (مصر)