إذا كان هناك غزو ثقافي، فنحن أدوات هذا الغزو، وعن جهل. ما دمنا نتلقف كل ما ينتجه الغرب ونروّج له ونحاكيه ونستمد منه ثقافة نتجاهل ملحقاتها واتصالها بتجارات رابحة، فالحريات الجنسية ليست حريات تسبح في الهواء الطلق، ما دام أن ملحقاتها تجارة البورنو بمختلف تجلياتها من مجلات وأفلام ومواقع إلكترونية، وملابس فاضحة، خارجية وداخلية، ومستحضرات تجميل، وأدوية، وأدوات تعذيب لغواة السادية، وأدوات استدراج اللذة. وما تكريس الإباحية على أنها روح العصر، إلا لأنها تجلب المال بالدرجة الأولى والأخيرة.
تتسلل الإباحية إلى مجتمعاتنا، وتجد أكثر من ثغرة تعبر منها. الإباحية نزعة تلاقي هوى لدى حتى أولئك الذين ينفرون منها، فهي تخاطب في داخلنا الإنسان المتحلل من القيود، الإنسان الطليق، الإنسان الذي ينشد اللذة والمتعة. خطرها هشاشة مجتمعاتنا المثقلة بالعقد والمخاوف وموانع الدين والأخلاق المرتبطة بالجنس، إذا لم يكن المجتمع مهيأً لها، فلا حصانة من تحوّله إلى بؤرة جرائم.
إن احترام قيم الغرب الحقيقية، لا يتعارض مع قيمنا، إن لم تكن القيم نفسها. فالإنسان مهما تعدّد واحد. قيم الغرب ليست منساقة لهذا الاتجاه، لديها المناعة الكافية، إذ إن الإباحية تعدّ من المكتسبات الشخصية التي ما زالت محل تنازع لديهم، فهي لا تشيد الحضارات بل تقوّضها، وليست العنصر الجوهري في التقدم، المخاوف من شططها متوافرة، وهناك دعوات للحد منها.
الحضارة القوية لا تخشى على نفسها من التهتك والخلاعة، إنها عوارض لا مفرّ منها في مجتمعات مفتوحة على الحياة بسلبياتها وإيجابياتها. فالحضارة لا تقتصر على التجارات الساعية إلى الكسب السريع، الأشبه بالنهب. المثير أنها شطارة لا تعدم الكثيرين في المنطقة ممّن يتبنّون الأساليب ذاتها للكسب السريع تحت شعارات الحرية.
أنا من جيل تعلّم من الغرب الكثير، تعلّمت من الرواية والمسرح والسينما والفكر الغربي، ما شكل جزءاً مهمّاً من ثقافتي، وما يزال اتصالي بهذه الحضارة مبعث اعتزازي. وما يظهر في ثقافتي من مؤثرات غربية دليل على ذلك، ولا يمنع تقديري العميق لها، من رؤية الأمراض الجانبية الناجمة عن ثقافة عملاقة، وهي لا تضيرها، إذ بإمكان هذه الثقافة أن تواصل ريادتها دون أن تؤثر فيها، أما نحن فقد نضيع في متاهة الأعراض، ولا نحفل بالثقافة الحقة، تحت زعم مجاراة الجديد.