الأوضاع المعيشية الصعبة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، سواء قبل خطة وزير العمل كميل أبو سليمان، بفرض إذن مزاولة عمل، على الفلسطينيين ومعاملتهم كالأجانب، أو بعدها، تدفع إلى حرمان كثير من التلاميذ من الحصول على مستلزماتهم المدرسية، لا سيما القرطاسية، وما فيها من حقائب ودفاتر وأقلام ومساطر متعددة الأشكال وغيرها.
وبينما فتحت مدارس وكالة "أونروا" أبوابها، بادرت مجموعة من الطلاب الجامعيين تحت اسم "المكتب الطلابي في منطقة صيدا" إلى تقديم المساعدة للتلاميذ، في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، جنوبي لبنان، عن طريق جمع التبرعات لشراء القرطاسية لهم، بحسب كلّ مرحلة دراسية.
الشابة اللبنانية هبة محمد إسماعيل (22 عاماً) تعيش في مدينة صيدا، وقد تخرجت باختصاص الصحافة من "الجامعة اللبنانية الدولية"، كما تدرس حالياً في معهد العلوم السياسية، في جامعة "الجنان" تقول لـ"العربي الجديد": "شاركت في العمل التطوعي، بسبب أبعاده الإنسانية العظيمة ومعانيه الكبيرة ونتائجه الفعالة، إذ إنّه قادر على تمتين العلاقات في المجتمع، وزرع الخير في النفوس. وبما أنّ العمل التطوعي يهدف إلى مساعدة الناس بشتى الطرق التي تلبي احتياجاتهم، كانت بدايتي في العمل التطوعي من داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وهو من المناطق الأكثر حاجة، إذ علمت مع أصدقائي في المكتب الطلابي في مدينة صيدا، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أنّ هناك عدداً كبيراً من أهالي التلاميذ، ممن لم يتمكنوا من شراء القرطاسية التي يحتاجها أولادهم للمدرسة، بسبب الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشون فيه، خصوصاً في ظل البطالة". تتابع: "وهكذا بادرنا إلى جمع التبرعات المالية، لشراء القرطاسية، وتوزيعها على التلاميذ، مساهمة منا في سدّ جزء صغير لكنّه أساسي من احتياجاتهم. ونحن، وإن لم نتمكن من شراء القرطاسية بكامل أجزائها ومحتوياتها، فقد ساهمنا في تخفيف العبء عن الأهل، وذلك من أجل تشجيع التلاميذ على طلب العلم، وعدم التساهل مع بداية العام الدراسي الجديد، ولرفع معنوياتهم لخوض رحلة المدرسة بابتسامة، وأملاً في حثهم على النجاح والتفوق بالرغم من كلّ الظروف التي تحيط بهم".
من جهته، يقول طالب التمريض غالب محمد، وهو لاجئ فلسطيني، يعيش في مخيم عين الحلوة، في أسرة متواضعة الدخل، إنّه يتمنى أن يجد فرصة عمل بعد تخرجه خصوصاً أنّ هذه المهنة يُسمَح للفلسطيني بمزاولتها في لبنان. يعمل محمد إلى جانب دراسته، نادلاً في أحد المطاعم، ويبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً. يقول عن المبادرة: "تركز عملنا على توزيع القرطاسية على بعض التلاميذ فقط، كوننا لم نتمكن من جمع تبرعات كثيرة، إذ لا يكفي ما جمعناه كلّ أبناء المخيم، لكنّنا في الحد الأدنى، عمدنا إلى إجراء إحصاء لقسم من المخيم نستطيع الوصول إليه، وتمكنّا من استهداف التلاميذ فيه". يتابع: "مبادرتنا تهدف إلى تخفيف الأعباء عن الأهل، خصوصاً في ظلّ التضييق علينا في المخيمات بعد صدور القرار الظالم، حول إذن مزاولة العمل المطلوب للعامل الفلسطيني، من ضمن خطة مكافحة اليد العاملة الأجنبية. وفي الأساس نحن كفلسطينيين محرومون من مزاولة سبعين مهنة، ولا يقتصر الأمر على المهن، بل هناك العديد من القرارات التعسفية ضدنا، والتي تنتهك حقوقنا في العيش بكرامة وعزة نفس، لا سيما في ما يتعلق بعدم تأمين الطبابة الكافية، والتعليم المتطور، وغيرهما، خصوصاً في ظل التقليصات في ميزانية الأونروا". يختم حديثه: "هذه المعاناة التي نعيشها تخدم صفقة القرن الإسرائيلية الأميركية بهدف تمريرها كما صفقات أخرى يجري التآمر بها على الفلسطينيين".
بدوره، يقول رامي صالح، وهو طالب في "الجامعة اللبنانية الدولية" لـ"العربي الجديد": "حجم المعاناة يزداد يوماً بعد يوم، وهناك صعوبة لدى العديد من الأهالي لشراء الطعام لأولادهم حتى. لذلك، وشعوراً منا بضرورة الاهتمام بهذه المسألة، قررنا العمل على هذه الفكرة، وتنفيذها ونأمل أن تستمر فترة طويلة".
في السياق، لم يتأخر اللاجئ الفلسطيني أبو مازن عن الحضور إلى مكان توزيع القرطاسية، لنيل حصة ابنته. يقول لـ"العربي الجديد: "ليس لديّ إلا ابنة واحدة في المدرسة، أما أشقاؤها الأكبر فقد غادروها قبل فترة على دفعات. مع ذلك، ليس باستطاعتي تأمين القرطاسية لها، بسبب سعرها المرتفع، علماً أنّني عاطل من العمل وغير قادر على توفير أيّ مبلغ مهما كان تافهاً في نظر البعض. وفي هذه الحال، وجدت مبادرة الطلاب عظيمة، وفي وقتها المناسب، فجئت للحصول على القرطاسية لابنتي، وبالفعل أشعر بسعادة كبيرة، إذ ستتوفر لها القرطاسية اللازمة لعامها الدراسي".