تبديل بريطانيا تصنيف "حزب الله": بدء مرحلة الحصار

26 فبراير 2019
دعم "حزب الله" سيكون تهمة جنائية ببريطانيا(ديفيد كليف/Getty)
+ الخط -
في خطوة من شأنها أن تزيد من الضغوط الدولية على "حزب الله"، أعلنت بريطانيا عزمها على حظر الجماعة اللبنانية وتصنيفها "منظمة إرهابية" بجناحيها السياسي والعسكري، في أقرب وقت هذا الأسبوع. وتأتي الخطوة البريطانية، والتبريرات لها، بعد ربط القرار باستمرار "حزب الله في محاولاته لزعزعة الوضع الهش في الشرق الأوسط" على حد قول وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد، أمس الإثنين، لتؤكد وجود مرحلة جديدة من التعامل مع الحزب، أوروبياً، بعد سنوات من الفصل بين جناحه العسكري وجناحه السياسي. كما لا يمكن فصل الخطوة عن المواجهة الإيرانية الأميركية، والتي تقوم من وجهة نظر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضرورة محاربة إيران ووكلائها في المنطقة، ممن تتهمهم بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ومن ضمنهم "حزب الله"، بحسب ما قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مؤتمر وارسو الذي عقد أخيراً في العاصمة البولندية تحت عنوان بحث كيفية وقف الحد من نفوذ إيران في المنطقة.


وأعلنت لندن، أمس الإثنين، أنها ستحظر "حزب الله" وتضيفه بالكامل، بما في ذلك جناحه السياسي، إلى قائمتها للمنظمات الإرهابية المحظورة. ويتعين أن يصادق مجلس العموم البريطاني على مشروع القرار، الذي تسلمه أمس الإثنين، ليصبح نافذاً. ويعني الحظر البريطاني، الذي يسري الجمعة المقبل، إذا وافق عليه البرلمان، أن الانتماء إلى الحزب أو التشجيع على دعمه سيكون تهمة جنائية قد تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات. وقال جاويد، في بيان، إن "جماعة حزب الله مستمرة في محاولاتها لزعزعة استقرار الوضع الهش في الشرق الأوسط، ولم نعد قادرين على التفرقة بين جناحها العسكري المحظور بالفعل، وبين الحزب السياسي". وأضاف "لذلك، اتخذت قرار حظر الجماعة بأكملها". وقالت الحكومة البريطانية في توضيح لقرارها إن "حزب الله" يواصل حشد الأسلحة في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي، في حين تسبب دعمه لرئيس النظام السوري بشار الأسد في إطالة أمد "الصراع والقمع الوحشي والعنيف من جانب النظام للشعب السوري".

وكانت صحيفة "ذا تلغراف" أكدت، أول من أمس، أن جاويد يتحضر لإعلان هذه الخطوة خلال الأسبوع الحالي، وتأتي بعدما حذر أعضاء في البرلمان من أن لندن قد خلقت تمييزاً خاطئاً في ما يتعلق بـ"حزب الله"، من خلال حظر جناحه العسكري، وفشلها في فعل الأمر ذاته بالنسبة لجناحه السياسي. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن "عدداً من أعضاء البرلمان البريطاني يطالبون بحظر تام للحزب، كما أن وزير الخارجية جيريمي هانت، يدفع بهذا الاتجاه ويدعو لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد حزب الله الذي يعتبر ذراعاً إيرانية"، بحسب الصحيفة. وسارع الاحتلال الإسرائيلي إلى الإشادة بقرار بريطانيا "حظر حزب الله"، وحث الاتحاد الأوروبي على أن يحذو حذوها. وقال وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد أردان، في تغريدة، شكر فيها جاويد، "على كل من يرغبون حقاً في مكافحة الإرهاب أن يرفضوا التمييز الزائف بين الأجنحة العسكرية والسياسية". وأضاف "حان الوقت الآن لأن يتبع الاتحاد الأوروبي النهج نفسه".



وكان التمييز الأوروبي والبريطاني بين الجناح العسكري التابع لـ"حزب الله" والجناح السياسي محط خلاف دائم بين أميركا التي تصنف الحزب بالكامل منظمة إرهابية، وبين أوروبا التي لطالما ميزت بينهما، لإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، خصوصاً أن الحزب ممثل سياسياً في البرلمان والحكومة في لبنان. ويعتبر "حزب الله" منظمة "إرهابية" بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وكندا، فيما تبدل الموقف العربي بعد تدخل الحزب في سورية، فأدرجته الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي والدول الخليجية على قوائم المنظمات الإرهابية. أما أوروبا، التي كانت تحاول التمييز بين الدورين السياسي والعسكري، فقد بدأ موقفها بالتبدل في العام 2012 إثر تفجير حافلة في بورغاس في بلغاريا اتهم الحزب بالوقوف خلفه، فأدرج الاتحاد الأوروبي وقتها جناح الحزب العسكري على قوائم الإرهاب. أما الموقف الأوروبي الأبرز فكان التحول في السياسة الفرنسية وإدراج الجانب العسكري بالحزب على قوائم الإرهاب في العام 2013 نتيجة تدخله في سورية، على الرغم من أن فرنسا لطالما لعبت دوراً وسطياً في السياسة اللبنانية ومنها طاولة حوار استضافتها في العام 2008 وحضرها ممثل عن الحزب. وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن باريس تفرق بين فرع الحزب العسكري "الإرهابي" والآخر السياسي الذي يمكن التواصل معه. وعليه يُعتبر الموقف البريطاني فاتحة في التحول الأوروبي بالنظرة إلى الحزب. وتؤكد مصادر حكومية لبنانية أن الموقف البريطاني لا يمكن وضعه سوى في خانة المساعي الأميركية لمحاصرة الحزب، خصوصاً بعد القلق الأميركي نتيجة نيل الحزب وزارة الصحة، على الرغم من الضمانات التي قدمت بأن الوزير جميل جبق، الذي يملك الجنسية الأميركية، لن يستغل الوزارة لغايات تخدم الحزب أو إيران.


وقدم جاويد، أمس، طلباً للبرلمان البريطاني لإضافة الجناح السياسي لـ"حزب الله" إلى قائمة المملكة المتحدة للمنظمات الإرهابية المحظورة، وذلك بعد أن حظرت الجناح العسكري منذ العام 2008. كما أنه من المتوقع أن يصادق عليه البرلمان على الرغم من احتمال اعتراض زعيم حزب "العمال" جيريمي كوربين، الذي وصف سابقاً أفراد الجماعة بأنهم "أصدقاء". وفيما لم يصدر بعد أي تعليق رسمي للحزب على القرار البريطاني، فقد أكدت المصادر الحكومية أن الخطوة لم تكن مستغربة، خصوصاً أن الأطراف السياسية لديها إشارات ومعلومات منذ أشهر عن مرحلة تصعيد كبيرة تدريجية ضد "حزب الله"، تبلغتها مراراً، وأبرزها كانت إثر زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى لبنان قبل أسابيع، وهو ما دفع الحكومة إلى تكرار التمسك بمبدأ النأي بالنفس في بيانها الوزاري، على الرغم من أنه لم يطبق بسبب رفض "حزب الله" له وتدخله في سورية.

وفي هذا الإطار فإنه من المتوقع أن يكون ملف "حزب الله" حاضراً في الزيارة التي بدأتها وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إلى لبنان، مساء أمس، خصوصاً خلال اللقاء مع وزير الخارجية جبران باسيل، اضافة إلى أنه كان محوراً أساسياً في لقاءات رئيس الحكومة سعد الحريري مع زعماء دول في شرم الشيخ خلال القمة العربية – الأوروبية. وتأتي هذه الضغوط في توقيت عاد فيه الحديث الداخلي اللبناني إلى السؤال عن موعد عودة "حزب الله" من سورية، بعد رصد مؤشرات رئيسية تضاف إلى الموقف الأميركي والإسرائيلي الحاسم لجهة رفض أي نفوذ ايراني بالمباشر أو بالوكالة عبر الحزب في سورية. كما أن الموقف الروسي لا يبدو بعيداً عن الموقف الإسرائيلي، خصوصاً وأن التنسيق بينهما قائم، كما أن ملف الحضور الإيراني في سورية، كان محوراً رئيسياً لزيارات رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى موسكو. ومرد القلق اللبناني الرئيسي يكمن في مدى القدرة على التمييز بين لبنان الدولة و"حزب الله"، خصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة التي أفرزت سيطرة للحزب والحلفاء على المجلس النيابي والحكومة، ووسط الدعوات الإسرائيلية المتكررة لعدم التمييز دولياً بين لبنان والحزب، بوصفه بات يحتمي ويتلطى بالدولة. وتنسحب هذه المخاوف أيضاً على الدبلوماسية اللبنانية التي لطالما استندت إلى الدعم الأوروبي الدائم لمناصرتها دولياً، بالتزامن مع معلومات تفيد بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي سيزور فرنسا نهاية مارس/آذار المقبل، يستعد لمحاولة الحصول على رعاية أوروبية – فرنسية لموضوع ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل، بعد أن تبين أن أميركا لم تبدِ حماسة لمتابعة وساطتها، وهو الملف الذي يقلق لبنان بسبب المخاوف من التنقيب الإسرائيلي في المناطق البحرية المتنازع عليها بين الدولتين.