انتقلت أخيراً حملة "مي تو" (#أنا_أيضاً) إلى إيران بعد ثلاث سنوات من انطلاقها في الولايات المتحدة الأميركية وتوسّعها لتشمل عدداً كبيراً من دول العالم. فلأوّل مرة في البلاد، احتمت النساء بمواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً منصة تويتر، للكشف عن تعرضهن للتحرش الجنسي أو الاغتصاب.
وروت الإيرانيات تجاربهن الأليمة، كاسرات بذلك الحواجز النفسية والمجتمعية التي منعتهن من الإقدام على هذا البَوح في السابق. وذهبت النساء أبعد من ذلك، كاشفات عن أسماء المتحرشين والمغتصبين، لتطاول الاتهامات شخصيات فنية معروفة، وأسماءً أخرى مجهولة بالنسبة إلى الرأي العام.
البداية
بدأت هذه الحملة، يوم السادس من أغسطس/ آب الماضي، عندما غرّد حساب يحمل اسم "أمانل" على تويتر، داعياً الرجال إلى إقامة علاقة جنسية سريعة مع النساء والفتيات. تعامل الإيرانيون بداية مع التغريدة بوصفها مزحة ثقيلة، لكن سرعان ما ظهرت على الموقع نفسه، شهادتان لسيدتين تعرّضتا للتحرش الجنسي من "أمانل".
من هنا كرّت السبحة، لتتوسّع الشهادات، ويتبيّن أن الرجل مُغتصِب. بعدها بساعات قليلة أقفل الشاب حسابه على تويتر، لتنطلق من هنا حملة إلكترونية لا تزال مستمرة حتى الساعة، غرّدت خلالها الإيرانيات على وسوم مختلفة، كاشفات عن أسماء رجال متّهمين بالتحرّش والاغتصاب.
وتحدّثت كل سيّدة خلالها عن تجربتها مع التحرش الجنسي. وكان لافتاً أن قسماً كبيراً من هذه الشهادات يعود إلى سنوات ماضية، وهو ما يعكس حجم الضرر النفسي المستمرّ حتى الساعة عند أغلب هؤلاء النساء الإيرانيات. ورغم قوّة الشهادات وتأثيرها الكبير، اختارت المغردات أسماء مستعارة للإدلاء بتجاربهن، ما يبدو مفهوماً ومتوقعاً، في أماكن كثيرة حول العالم، بسبب الضغط النفسي والمجتمعي الذي ستتعرّض له هؤلاء النساء في المجتمعات المحافظة.
با این وضعیت #تجاوز ها در محیط کار متوجه شدین چرا مشارکت خانمها در جامعه اینقدر پایینه؟ خیلیا ممکنه نتونن حتی یه هفته یه جا کار کنن. حالا متوجه شدین نظام مردسالار چقدر سیتماتیکه؟
— Atiyeh Bayat (@Atiyeh_Bayat) August 26, 2020
کاش میتونستم تاریخ رو بدرم، برم تو ۹ سالگیم. اون لحظه که زیر تن یک مرد، برهنه سست شده، بکشمش بیرون.. بگم جیغ بزن.. بگم کتک بزن.. بگم اصلا بکش.. فقط نمیر!#تجاوز
— مائده طهائىنژاد (@maedeh_tahaei) August 26, 2020
واللافت أيضاً أنه لأول مرة في إيران، تتهم نساء عبر منصة اجتماعية إلكترونية أشخاصاً بأسمائهم وعناوين عملهم بالتحرش بهن أو اغتصابهن، في تعاضد جماعي فريد من نوعه، وهو ما جعل أصداؤه أكبر، فتصدّرت الوسوم المستخدمة قائمة الأكثر تداولاً طوال أيام.
أول اعتقال
وتخللت الحملة قصص أثارت الانتباه لقساوتها. منها اتهامات جماعية ضد طالب سابق في جامعة طهران، تخرج عام 2010، يدعى كيوان إمام إذ كشفت أكثر من 30 فتاة عبر حساباتهن أنه اغتصبهنّ قبل أكثر من 10 سنوات، بعد استدراجهن إلى بيته وتخديرهن من خلال وضع مواد في الخمر أو العصير.
وبعدما تصاعدت الاتهامات ضد كيوان، تحوّل اسمه إلى هاشتاغ، وتصدّر قائمة الترند. وأمام هذا الضغط الشعبي، تدخلت الشرطة وبدأت بملاحقة القضية، وصولاً إلى اعتقال الشاب. وأعلن قائد شرطة طهران، العميد حسين رحيمي، قبل الأسبوع الماضي، بحسب وكالة "فارس" الإيرانية، أن "الشرطة بعد رصدها العالم الافتراضي واجهت شكاوى عدة ضد "ك. أ"، فاعتقلته"، مؤكداً أنها بدأت تحقيقاتها سريعاً "بالنظر إلى حجم الشكاوى وخدشها مشاعر المواطنين". ودعا رحيمي الضحايا إلى تقديم شكاواهن من دون أي خوف، مؤكداً أن هوياتهن ستبقى سرية.
ظاهرا برخی از قربانیان #کیوان_امام به خاطر ترس از برخورد پلیس امنیت، برای مراجعه و ثبت شکایت مردد هستن.
— موتیبی (@mootbsh) August 26, 2020
دوستم امروز تجربهی خوبی از برخورد پلیس در این مورد داشته، که ازش اجازه گرفتم بدون نام اینجا نشر بدم.
بازنشر کنین شاید کمککننده باشه برای تصمیمگیری سایرین #تجاوز pic.twitter.com/ad441NHQHW
شبکه ی خبر گفت:
— هاجر خانوم قندی^^ (@GhandiKhanoom) August 25, 2020
کاف. الف (کیوان امام) دستگیر شد! چه تلخه که اینقدر آبروی افراد متجاوز مهمه...#تجاوز
والإثنين الماضي، كشفت صحيفة "إيران" أن المتهم زعم خلال التحقيقات أنه تعرف إلى ضحاياه في العام الافتراضي، وأنهنّ ذهبن إلى بيته بمحض إرداتهن، قائلاً إنه "لا يحمل أي كراهية تجاه النساء". وأشارت الصحيفة إلى أن المحكمة أحالته على الطب العدلي لإجراء فحوصات بشأن سلامته النفسية، مع استكمالها التحقيقات للوصول إلى جناة آخرين.
اتهامات لفنانين
إلى ذلك، تخللت الحملة الإلكترونية اتهامات لوجوه فنية من قبل حسابات حملت أسماءً مستعارة وحقيقية. والمتهمان الأساسيان كانا المغني والعازف الإيراني المعارض محسن نامجو، والرسام الشهير آيدين أغداشلو.
وتعرض نامجو لاتهام من امرأة تحمل اسماً مستعاراً، هو "ماهي". إذ قالت إنه اغتصبها في الولايات المتحدة الأميركية، عندما كانت في بيت صديقتها، مشيرة إلى أنها أبلغت الشرطة الأميركية بالموضوع.
#محسن_نامجو #نامجو #تجاوز #تعرض_جنسی #اقدام_به_تجاوز #سکوت_نکنیم #سکوت_تجاوز_را_بشکنیم #آزار_جنسی #متجاوز #Namjoo #sexual_abuse #mohsen_namjoo pic.twitter.com/cbVHzSMTxP
— Mahi (@Mahi07994111) August 26, 2020
إلا أن الفنان الإيراني نفى، من جهته، صحة الرواية من خلال نشر مقطع مصور، قائلاً إن هذه الاتهامات تعود إلى قبل سبع سنوات، وإنه ردّ عليها حينها، معتبراً أنها "تسوية حسابات شخصية".
أما الاتهام الذي واجهه الرسام الإيراني، آيدين أغداشلو، فلم يكن من اسم مستعار، بل من الصحافية الإيرانية السابقة، سارا أمت علي، المقيمة خارج إيران، قائلة في تغريدات عدة إنها قبل 14 عاماً تعرضت للتحرش الجنسي في مكتب آغداشلو، مشيرة إلى أنها ذهبت إلى هناك لإجراء مقابلة معه. وعزت أمت علي سبب صمتها كل هذه الأعوام إلى "الخشية من الإيرانيين الذين سيقولون إنني لا أمتلك مستندات لإثبات صحة الاتهام"، ومؤكدةً أن السبب الآخر هو أنها كانت على قناعة بأن "الناس غير مستعدين للقبول بأن هذه الشخص المعروف متحرش جنسي... إلا أنني حالياً أشعر بأن هذا الصمت لا يليق بي".
نوشتن این چند سطر از سختترین کارهایی است که کردهام. قرار است ماجرایی را بخوانید که ممکن است آدمی را که نزد خیلیهایتان فردی خردمند و فرهیخته و داناست و از روشنفکرهای محبوب، به کل زیر سؤال ببرد. این روایت را سالها حمل کردهام و دیگر دلیلی برای حمل مصلحتاندیشانهشان نمیبینم/
— Sara Omatali (@SOmatali) August 22, 2020
لكن بعد أسبوع، ردّ الرسام أغداشلو على هذه الاتهامات عبر حسابه على "إنستغرام"، نافياً صحتها، مؤكداً أنه يرفض "بشدة مزاعم تعود إلى 14 سنة مضت"، وأنه يحتفظ بحقه في رفع شكوى ضد أمت علي.
ردود فعل وأثارت حملة الكشف عن حالات تحرش أو اغتصاب ردود فعل مختلفة، تفاوتت بين الترحيب بها والإشادة بشجاعة النساء اللواتي كشفن عنها، وبين الانتقاد. إذ تساءل البعض عن سبب التأخر في إعلان هذه الجرائم وعدم متابعتها قانونياً في وقتها. تماماً كما هي الحال عند قسم كبير من المجتمعات الذكورية، برزت تغريدات وتعليقات تلوم النساء على ذهابهن إلى منازل الرجال، في محاولة لتحويل النظر عن المتهمين بالاغتصاب، ولوم الضحايا.
وفي السياق، غردت الفنانة الإيرانية، زهراء أمير إبراهيمي، التي غادرت إيران قبل سنوات بعد انتشار مقطع خاص عن لقاء جمعها مع صديقها، قائلة: "هذه الأيام مليئة بالروايات المريرة والقذرة حول التحرش الجنسي الذي شاهدناه من قبل ونشاهده اليوم! لقد حان الوقت للكشف عن ذلك. شجاعة نساء بدأن بالكتابة عن الموضوع مدعاة للإشادة، وهو ما سيمنح الجرأة لغير الشجاعة للحديث عن الأمر".
این روزها پر شدن از روایتهای تلخ و کثیف آزارهای جنسی که دیدهایم و میبینیم! دیگه وقتش بود! تحسینبرانگیزه شجاعت زنانی که شروع کردن به نوشتن! کمترین کاری که میکنه اینه که جسارت نوشتن و حرف زدن به بقیه میده و میبینی که فقط تو نبودی که اینها رو زندگی کردی! #ایدین_اغداشلو https://t.co/YMyBHcqHDm
— Zar Amir Ebrahimi (@Zar_Amir) August 22, 2020
ومن انعكاسات الحملة، أنها سرّعت عملية إعداد لائحة تأمين أمن النساء في مواجهة العنف (مشورع قانون)، في الحكومة الإيرانية. إذ كشفت نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والعائلة معصومة ابتكار، الأسبوع الماضي، عن عقد 26 اجتماعاً لمناقشة هذه اللائحة، معربة عن أملها بإرسالها إلى البرلمان في أقرب وقت ممكن لإقرارها، مشيرة إلى أن المشروع يتناول بشكل شامل العنف ضد المرأة، بما فيه العنف الجنسي. وقالت ابتكار: "حقيقة أنّ بناتنا يتحدّثن بجدّيّة وبكثرة عن هذه المشكلة، أمر مفيد حقاً، رغم أنّه مؤلم"، مضيفة أن المعلومات المغلوطة وغير الموثوقة على مواقع التواصل تخلق أرضية خصبة لعمليات التحرّش.