لم يكن ينقص العلاقات المصرية السودانية نقطة جديدة تضاف إلى قائمة النقاط الخلافية، فتصبح الثقافة مدخلاً آخر لإعادة تجديد الخلافات القائمة، فعوض أن تلعب الدور الذي يفترض أن تلعبه كقوة ناعمة تساهم في تذويب الاختلافات ورتق مساحات التباين بين الجماعات والدول، تحوّل الفعل الثقافي هذه المرة إلى ساكب إضافي للزيت على نار التوتر، والذي تصاعد مؤخراً، حيث توقف العمل باتفاقية الحريات الخمس.
ما جدّ هو أن "الهيئة العامة لقصور الثقافة" في مصر أعلنت عن افتتاح ثلاثة "قصور للثقافة" في منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين كل من القاهرة والخرطوم. وهو القرار الذي أعلن الخميس الماضي متضمّناً تفاصيل تتعلق بإشراف وزير الثقافة حلمي النمنم شخصياً على مراسم افتتاح القصور الثلاثة (تتضمّن مكتبات وقاعات مطالعة ومسارح مكشوفة، بتكلفة إجمالية بلغت 23 مليون جنيه)، ضمن خطة "الدولة لمشروعات تطوير المنطقة التي وصلت تكلفتها إلى نحو 1.5 مليار جنيه، بحسب نص البيان.
أثار ذلك الطرف السوداني الذي رد على لسان والي منطقة البحر الأحمر السودانية علي أحمد حامد، خلال زيارة ميدانية لمدينة حلايب بأنها "سوف تعود لحضن الوطن قريباً". وقام حامد على هامش الزيارة بافتتاح بعض المشروعات التنموية، ذات الطابع الثقافي في هذه المنطقة التي اشتهرت بكونها "عقدة" العلاقة مع القاهرة.
وبالرغم من أن افتتاح مرافق ثقافية أمر لا يستدعي خلافات سياسية بين بلدين متجاورين، فإن موقع المرافق وتوقيت الإعلان عنها اعتبره بعضهم بمثابة تصعيد سياسي، يؤكد عليه أكثر ما يحدث في وسائل الإعلام في البلدين والتراجع عن عدد من الاتفاقيات الثنائية من بينها فرض التأشيرات على المصريين من الطرف السوداني، وإعادة الأمن المصري لعدد من الصحافيين إلى الخرطوم باعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم بعد وصولهم إلى "مطار القاهرة الدولي" بالرغم من حصولهم على تأشيرات الدخول من السفارة المصرية في الخرطوم.
يعيد هذا السباق المحموم بين القاهرة والخرطوم، في منطقة حلايب وشلاتين، سؤال الثقافة ودورها، وما إذا كانت متسقة مع المفهوم الذي ظل يقدمها كجسر للحوار المعرفي السلس، أم أنها بالفعل تحوّلت إلى وسيلة أخرى للتصعيد السياسي، وهو السؤال الذي يتقاطع مع مقولة المنظر العسكري الألماني كارل فون كلاوزفيتز الشهيرة بأن الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، فهل أصبحت الثقافة هي الأخرى استمراراً للسياسة بوسيلة أخرى؟ سيما في ظل تصاعد سيناريو الخلافات بعد القرار الذي أصدرته وزارة الثقافة المصرية.