23 مايو 2017
بيع البترول بعد تأميمه
يأخذ تركيزنا على خطة التحول الاقتصادي، المزمع تطبقيها في السعودية، وجاهةً أكبر، حينما نشاهد نتائج الانهيارات الاقتصادية الكبيرة التي عصفت بدول أوروبا، بعد عقودٍ من تنفيذ الخطط الاقتصادية النيولبرالية، فخروج بريطانيا من مجموعة الاتحاد الأوروبي، يُهدينا مؤشراً إضافياً على أن النار وصلت إلى دول الشمال الأوروبي، تماماً كما أحرقت قبلهم دول الجنوب.
من يقرأ توصيات المكاتب الاستشارية الغربية لدول الخليج، وكثيرون منهم قادمون من بريطانيا وأميركا، لا يجد، في ثنايا تلك التوصيات، أي فكرةٍ جديدةٍ لدعم تنويع اقتصاديات هذه الدول، أو لمساعدتها على تخطّي الانصياع لموردٍ وحيد، أو معالجة أزمة تراجع أسعار هذا المورد أو انهيارها، سوى ما جاء في الانجيل "النيولبرالي" الذي تبنت جامعة شيكاغو التبشير به. أي بسياسة التقشف التي تنحر الطبقات الوسطى والفقيرة، والاعتماد على تحويل الدولة إلى مجرد "حارسٍ ليلي"، ليس له من وظيفةٍ سوى السهر على ضمان السوق الحرّة، وإعطاء كامل الحرية لها، في عمل التوازن المطلوب، بواسطة العرض والطلب، كأي حركةٍ ميكانيكية للكون أوجدها الرب، مع أن لدى السوق الذي يتحدّثون عنها ليل نهار أيادٍ خفيه، أو واضحة، غير مهم، تديره وتستغله وتتلاعب به.
هذه التوصيات التي حازت مباركة من صندوق النقد الدولي، وهو من هو، كأحد رموز الرأسمالية الحديثة التي أفقرت الدول المقترضة منه، لا تكاد تأتي بجديدٍ، فهي تستنسخ سياساتٍ مجرّبة أصلاً، في دولٍ عرفت أزماتٍ اقتصاديةً حادة، كاليونان وتشيلي والأرجنتين، ولم يتركها الصندوق ومستشاروه، حتى أوصلها إلى حد الإفلاس، بعد أن دفعها إلى التخلي عن سيادتها على مواردها، وسياستها الاجتماعية القاضية بالتدخل في الاقتصاد وتوجيهه، حيث استغنت عن مواردها الطبيعية لصالح "حيتان المال"، وذلك ببيع المؤسسات الحكومية المُنتجة من جهة، والتخلص من المدفوعات التي تذهب إلى دعم الخدمات الاجتماعية، من جهة أخرى.
ليست المشكلة في الخصخصة بذاتها. ولكن، فيما قد ينتج عنها، في حال قرّرت هذه الدول بيع موردها الرئيسي والوحيد، لصالح رأس المال الأجنبي الذي لن يهتم أساساً بماذا يعني المورد الوحيد للدولة، وتحصلت في مقابله دول الخليج، على مبالغ ماديةٍ ضخمة، يتم استثمارها في دولٍ أجنبية، فيحرم المجتمع من الاستفادة من مورده الوحيد مرتين. مرة ببيعه للأبد، وثانيةً باستثمار أمواله خارج البلاد. وبالتالي، لا تُضيف "عملية تسييل الأصول" للاقتصاد الوطني أي شيء يستحق الذكر، لكنها، على العكس، تخدم الأجنبي فترفع من قيمة أسهم شركاته، معرّضة هذه السياسة المورد الأهم للخطر، وهو بالطبع سيكون له انعكاسات وخيمة على الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
من لا يقرأ التاريخ لا يفهم الحاضر، ولا يمكن أن يتنبأ بالمستقبل. كانت المملكة العربية، في مطلع القرن الماضي، دولة فقيرة، بسبب شحّ الموارد، وضعف الكادر الوطني الذي لم يعرف معنى التعليم النظامي، إلا بعد النفط، فاكتشاف البترول على يد الشركة الأميركية (أرمكوا) حولها إلى دولة غنية. لكن ما لا يعرفه كثيرون عن نفط المملكة هو قصة تأميمه، فهي لم تكن عملاً يسيراً ألبتة، بل تطلبت عملاً جباراً من المرحوم عبدالله الحمود الطريقي، أول وزير للنفط في المملكة، والذي أدار عملية التفاوض مع شركة أرمكوا من أجل تحسين حصة المملكة من صافي الربح، فقد كانت الدولة تحصل على 35% فقط من صافي الأرباح، وكانت مناصفة الأرباح كما هو الحال في فنزويلا حلماً صعب المنال، فأرامكوا حصراً كانت تملك حق التنقيب والتسويق والتوزيع، بل أكثر من ذلك، كانت تملك حق حبس الأرض التي تعتقد أن في جوفها بترول من دون استغلالها، لكن وجود شخصياتٍ قوميةٍ، كالطريقي، تحمل مشروعاً وطنياً، حوّل حلم تأميم النفط إلى حقيقة، وهو المثقف الذي جال العالم تقريباً، كي يؤسس منظمة أوبك، لحماية حقوق الدول المنتجة، برفقة الوزير الفينزويلي، خوان بيريز ألفونسو.
عند تتبع تاريخ العلاقات بين الدول النامية، والشركات العابرة للحدود، نجدها، في معظمها، علاقات غير متكافئة، يتم فيها، ببشاعةٍ منقطعة النظير، استغلال الدول النامية من أصحاب رؤوس الأموال، ولا تتورع هذه الشركات أبداً عن تعريض الحكومات لتقلباتٍ وهزاتٍ اجتماعية وسياسية عنيفة، في سبيل تحقيق مزيدٍ من الأرباح. وفي الحالات التي تُبدي فيها الحكومات، أو رجالات الدولة، مقاومةً تجاه الاستغلال، فإن الشركات، ومن خلفها الدول العظمى ذات النهج الاستعماري، لا تتردّد لحظة في التخلص من الشخصيات الوطنية، أو من النظام نفسه، كما حدث لرئيس الوزراء الإيراني، محمد مصدق، مع شركة النفط البريطانية التي تعاونت مع المخابرات الأميركية لإسقاطه.
النفط هو المورد الوحيد لدول الخليج، وحازت به أنظمته هذه المكانة والقوة في الساحة الدولية، وقد أخذت عملية تأميمه مساراً نضالياً تفاوضياً شاقّاً، فمن يُزين لصانع القرار فكرة بيعه كمن يطعمه السم بالعسل.
من يقرأ توصيات المكاتب الاستشارية الغربية لدول الخليج، وكثيرون منهم قادمون من بريطانيا وأميركا، لا يجد، في ثنايا تلك التوصيات، أي فكرةٍ جديدةٍ لدعم تنويع اقتصاديات هذه الدول، أو لمساعدتها على تخطّي الانصياع لموردٍ وحيد، أو معالجة أزمة تراجع أسعار هذا المورد أو انهيارها، سوى ما جاء في الانجيل "النيولبرالي" الذي تبنت جامعة شيكاغو التبشير به. أي بسياسة التقشف التي تنحر الطبقات الوسطى والفقيرة، والاعتماد على تحويل الدولة إلى مجرد "حارسٍ ليلي"، ليس له من وظيفةٍ سوى السهر على ضمان السوق الحرّة، وإعطاء كامل الحرية لها، في عمل التوازن المطلوب، بواسطة العرض والطلب، كأي حركةٍ ميكانيكية للكون أوجدها الرب، مع أن لدى السوق الذي يتحدّثون عنها ليل نهار أيادٍ خفيه، أو واضحة، غير مهم، تديره وتستغله وتتلاعب به.
هذه التوصيات التي حازت مباركة من صندوق النقد الدولي، وهو من هو، كأحد رموز الرأسمالية الحديثة التي أفقرت الدول المقترضة منه، لا تكاد تأتي بجديدٍ، فهي تستنسخ سياساتٍ مجرّبة أصلاً، في دولٍ عرفت أزماتٍ اقتصاديةً حادة، كاليونان وتشيلي والأرجنتين، ولم يتركها الصندوق ومستشاروه، حتى أوصلها إلى حد الإفلاس، بعد أن دفعها إلى التخلي عن سيادتها على مواردها، وسياستها الاجتماعية القاضية بالتدخل في الاقتصاد وتوجيهه، حيث استغنت عن مواردها الطبيعية لصالح "حيتان المال"، وذلك ببيع المؤسسات الحكومية المُنتجة من جهة، والتخلص من المدفوعات التي تذهب إلى دعم الخدمات الاجتماعية، من جهة أخرى.
ليست المشكلة في الخصخصة بذاتها. ولكن، فيما قد ينتج عنها، في حال قرّرت هذه الدول بيع موردها الرئيسي والوحيد، لصالح رأس المال الأجنبي الذي لن يهتم أساساً بماذا يعني المورد الوحيد للدولة، وتحصلت في مقابله دول الخليج، على مبالغ ماديةٍ ضخمة، يتم استثمارها في دولٍ أجنبية، فيحرم المجتمع من الاستفادة من مورده الوحيد مرتين. مرة ببيعه للأبد، وثانيةً باستثمار أمواله خارج البلاد. وبالتالي، لا تُضيف "عملية تسييل الأصول" للاقتصاد الوطني أي شيء يستحق الذكر، لكنها، على العكس، تخدم الأجنبي فترفع من قيمة أسهم شركاته، معرّضة هذه السياسة المورد الأهم للخطر، وهو بالطبع سيكون له انعكاسات وخيمة على الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
من لا يقرأ التاريخ لا يفهم الحاضر، ولا يمكن أن يتنبأ بالمستقبل. كانت المملكة العربية، في مطلع القرن الماضي، دولة فقيرة، بسبب شحّ الموارد، وضعف الكادر الوطني الذي لم يعرف معنى التعليم النظامي، إلا بعد النفط، فاكتشاف البترول على يد الشركة الأميركية (أرمكوا) حولها إلى دولة غنية. لكن ما لا يعرفه كثيرون عن نفط المملكة هو قصة تأميمه، فهي لم تكن عملاً يسيراً ألبتة، بل تطلبت عملاً جباراً من المرحوم عبدالله الحمود الطريقي، أول وزير للنفط في المملكة، والذي أدار عملية التفاوض مع شركة أرمكوا من أجل تحسين حصة المملكة من صافي الربح، فقد كانت الدولة تحصل على 35% فقط من صافي الأرباح، وكانت مناصفة الأرباح كما هو الحال في فنزويلا حلماً صعب المنال، فأرامكوا حصراً كانت تملك حق التنقيب والتسويق والتوزيع، بل أكثر من ذلك، كانت تملك حق حبس الأرض التي تعتقد أن في جوفها بترول من دون استغلالها، لكن وجود شخصياتٍ قوميةٍ، كالطريقي، تحمل مشروعاً وطنياً، حوّل حلم تأميم النفط إلى حقيقة، وهو المثقف الذي جال العالم تقريباً، كي يؤسس منظمة أوبك، لحماية حقوق الدول المنتجة، برفقة الوزير الفينزويلي، خوان بيريز ألفونسو.
عند تتبع تاريخ العلاقات بين الدول النامية، والشركات العابرة للحدود، نجدها، في معظمها، علاقات غير متكافئة، يتم فيها، ببشاعةٍ منقطعة النظير، استغلال الدول النامية من أصحاب رؤوس الأموال، ولا تتورع هذه الشركات أبداً عن تعريض الحكومات لتقلباتٍ وهزاتٍ اجتماعية وسياسية عنيفة، في سبيل تحقيق مزيدٍ من الأرباح. وفي الحالات التي تُبدي فيها الحكومات، أو رجالات الدولة، مقاومةً تجاه الاستغلال، فإن الشركات، ومن خلفها الدول العظمى ذات النهج الاستعماري، لا تتردّد لحظة في التخلص من الشخصيات الوطنية، أو من النظام نفسه، كما حدث لرئيس الوزراء الإيراني، محمد مصدق، مع شركة النفط البريطانية التي تعاونت مع المخابرات الأميركية لإسقاطه.
النفط هو المورد الوحيد لدول الخليج، وحازت به أنظمته هذه المكانة والقوة في الساحة الدولية، وقد أخذت عملية تأميمه مساراً نضالياً تفاوضياً شاقّاً، فمن يُزين لصانع القرار فكرة بيعه كمن يطعمه السم بالعسل.