كذلك، فتحت الطرقات في غالبية المناطق بقاعاً وجنوباً وشمالاً والتي كن قد جرى قطعها، ليل أمس السبت، من قبل شبان غاضبين اعتراضاً على الهتافات المذهبية المسيئة.
وتخوّف اللبنانيون، أمس السبت، من تفاقم الوضع وتطوّر الأحداث أمنياً بشكل لا تمكن السيطرة عليه، وخصوصاً بعد وقوف مناصري "حزب الله" و"حركة أمل" و"تيار المستقبل" الذي يرأسه سعد الحريري والذي نزل مناصروه إلى الطرقات ليل السبت، متواجهين في الشارع ولا سيما مع انتشار عناصر حزبية مسلحة في بيروت، وتكرار مشاهد "7 مايو/أيار" يوم اجتاح الحزب وحلفاؤه العاصمة بيروت "بالقمصان السود".
ومع تسجيل إشكال عند تقاطع عين الرمانة – الشياح في ضواحي بيروت بين شبان من المنطقتين، تدخّل على أثره الجيش اللبناني لإعادة الهدوء إلى المكان (الذي اندلعت منه الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية).
وأطلق شبان في عين الرمانة شعارات تدعم رئيس "حزب القوات اللبنانية" الذي يرأسه سمير جعجع، مقابل إطلاق مجموعات أتت على دراجات نارية وهتفت تأييداً لـ"حزب الله" و"حركة امل".
وكانت ساحة الشهداء في بيروت، قد شهدت، أمس السبت، سلسلة مواجهات بين معتصمين دعوا إلى "تظاهرة 6 يونيو" التي شملت سلسلة من المطالب منها على خلفية الوضع المعيشي، وبين مناصرين تابعين لـ"حركة أمل"، و"حزب الله"، على خلفية دعوة بعض المجموعات إلى نزع سلاح "حزب الله"، تطبيقاً للقرار 1559/2004، القاضي بـ"حلّ جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها".
كما شهدت مواجهات بين العناصر الأمنية والمعتصمين استخدمت فيها الحجارة والقنابل المسيلة للدموع وسقط خلالها عدد من الجرحى من الجانبين.
وتعليقاً على الأحداث، قال الرئيس اللبناني ميشال عون في بيان، صباح الأحد، إنّ "كلمات الإدانة مهما كانت قوية في شجبها وإدانتها لما حصل لا تكفي، ولا سيما أن التعرض لأي رمز ديني لأي طائفة لبنانية هو تعرض للعائلة اللبنانية بأسرها، ذلك أن مناعتنا الوطنية نستمدها من بعضنا البعض، وقوّتنا كانت وتبقى وستظل في وحدتنا الوطنية أياً كانت اختلافاتنا السياسية".
وتوجّه عون إلى "ضمير كل مسؤول سياسي أو روحي، وإلى الحكماء من اللبنانيين الذين عايشوا أحداث العامين 1975-1976 التي ما زالت ماثلة أمامنا، القيام بما يتوجب عليهم، كلّ من موقعه، من أجل وأد أي شكل من أشكال الفتنة الناجمة عن المساس بمقدسات بعضنا البعض الدينية والروحية والمعنوية، والتي من شأنها، إن استعرت، أن تقوّض الهيكل علينا جميعاً في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة إلى أن نضع اختلافاتنا السياسية جانباً ونسارع إلى العمل معاً من أجل استنهاض وطننا من عمق الأزمات المتتالية عليه، خصوصاً بعدما ملأت أصوات اللبنانيين الشرفاء المحقة الساحات، مطالبة بعيش كريم لائق لجميع أبناء الوطن الواحد".
وختم الرئيس عون: "ليكن ما جرى ليل أمس جرس إنذار للجميع لكي يعوا أنّه ليس بالتعرض لمقدسات بعضنا البعض نحقق أي مطلب مهما كان محقاً، وليس بالشتائم نحقق عيشاً كريماً، وليس بالاعتداء على العسكريين والتعرض للمتاجر والمؤسسات نصل إلى أهدافنا، لأن أي انتكاسة أمنية إن حدثت لا سمح الله، لن تكون لمصلحة أي كان، فلا نصرة لأحد منا على الآخر بالقوة أو العنف وما الخاسر في ذلك إلا خيرة شبابنا وهم مستقبلنا وحقهم علينا أن نمنحهم الدفع قدماً للحياة الكريمة، لا إلى التقاتل وسفك دمائهم من خلال ازدراء مقدسات وقيم بعضنا البعض".
وغرّد رئيس "التيار الوطني الحرّ" وصهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل على حسابه عبر "تويتر" كاتباً: "احترام الآخر التزام أخلاقي وقبول الآخر احترام للذات. التربية المدنية أساس، واحترام المشاعر والمعتقد مقدّس. نظامنا الحالي يولّد الأزمات وتطويره واجب. وتبقى الدولة المدنية هي الخلاص".
Twitter Post
|
بدوره، علّق بري على أحداث السبت قائلاً: "هي الفتنة مجدداً تطل برأسها لاغتيال الوطن ووحدته الوطنية واستهداف سلمه الأهلي. هي اشد من القتل ملعون من يوقظها فحذار الوقوع في أتونها فهي لن تبقي ولن تذر ولن ينجو منها حتى مدبروها وممولوها".
وأضاف: "بالمطلق واليقين أن التطاول أو الإساءة للمقدسات والرموز والحرمات الإسلامية والمسيحية مدان ومستنكر فكيف إذا ما طالت زوجة نبي الرحمة ومتمم مكارم الأخلاق الرسول الأكرم محمد السيدة عائشة. إن كل فعل من أي جهة أتى يستهدف وحدة اللبنانيين وأمنهم واستقرارهم وعيشهم الواحد هو فعل إسرائيلي وإن أي صوت يروج للفتنة بين أبناء الوطن الواحد وأبناء الدين الواحد هو صوت عبري ولو نطق بلغة الضاد" .
وختم بري "نقدر عالياً كل الجهود المخلصة التي بذلت من القيادات السياسية والروحية والأمنية والعسكرية على مختلف مستوياتها لقطع دابر الفتنة ووأدها في مهدها، بالمقابل نربأ بجميع اللبنانيين سياسيين وقادة رأي وإعلاميين في هذه اللحظة الدقيقة إلى وجوب التسلح بالوعي والحكمة وعدم الانسياق وراء الغرائز وردات الفعل التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه".
Twitter Post
|
وتوالت المواقف، أمس السبت، من المرجعيات الدينية والسياسية الداعية للتهدئة وتدارك الفتنة والمستنكرة للأحداث التي شهدتها العاصمة اللبنانية ولاقتها فيها مناطق أخرى، وعدم الانجرار في ردات فعل ممكن أن تهدد السلم الأهلي.
من جهته، سأل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد "ألَيسَت المطالب مشترَكة بين الشَّباب اللُّبنانيّ وصرختهم ضدَّ الفساد والهدر المتناميين، وضدَّ الغلاء الفاحش، وانهيار النَّقد الوطنيّ، وحجز رؤوس الأموال في المصارف، من دون أيِّ ارتباطٍ بدِينِه أو طائفته أو حزبه أو منطقته؟ لقد أسِفنا لما جرى بالأمس بوضع هذه المطالب المشترَكة جانبًا، وتحويل التَّعبير عن الرَّأي بالشَّكل الدِّيمقراطيّ إلى مواجهةٍ بالحجارة وتحطيم المؤسَّسات والمحلَّات واستباحة ممتلكات النَّاس وجنى عمرهم، وتشويه وجه العاصمة، والاعتداء على الجيش والقوى الأمنيَّة التي من واجبها حماية التَّظاهرات السِّلميَّة".
وأضاف أن "هذا كلُّه يعني، وبكلِّ أسف، أنَّ ما زالت تعشش في القلوب مشاعر الضَّغينة والحقد والبغض. وهذا لا يتآلف وميثاق العيش المشترك. وأسِفنا بالأكثر لإدخال المعتقد الدِّينيّ في الانقسام السِّياسيِّ وجعل هذا المعتقد وسيلةً للنِّزاع بالأسلحة. لماذا نعطي الأسرة العربيَّة والدَّوليَّة هذه الصُّورة المشوَّهة عن لبنان؟ وهل بهذه الممارسات النِّزاعية نساند الحكم والحكومة في توطيد الاستقرار الضَّروري للنُّهوض من حضيضنا"؟
وتابع البطريرك الراعي: "أمّا من جهة المسؤولين السِّياسيِّين عندنا فلا يحقُّ لهم أن يحكموا بذات الذِّهنيَّة والأسلوب، بعيداً عن الخطِّ الذي يرسمه الدُّستور والميثاق الوطنيّ ووثيقة اتِّفاق الطَّائف نصًّا وروحاً. فكيف يمكن أن تأتينا المساعدات العربيَّة والدَّوليَّة من دون تأمين الاستقرار السِّياسيّ، وتصحيح الحوكمة، واعتماد سياسة الحياد، وشبك الأيادي وتوحيد الجهود"؟
وكان لافتاً صدور بيان بعيد منتصف الليل عن المكتب الإعلامي لنجل الرئيس الراحل رفيق الحريري الأكبر رجل الأعمال اللبناني، بهاء الحريري، جاء فيه أنه "تبيّن جلياً أمام جميع الثوار والرأي العام سعي الغرف السوداء التابعة للمنظومة لبث الأخبار والإشاعات عن تحرّك 6 يونيو/حزيران والهادفة لبث الخوف والتفرقة بين صفوف الثوار بهدف ثنيهم عن النزول إلى ساحة الشهداء والتشديد على مطلب حصر السلاح بيد الشرعية، فعندما هالتهم مشاهد الثوار وتحديهم لكل المكائد، عمدوا للجوء إلى لعبتهم المعهودة بالركون إلى بث الفتنة المذهبية بهدف شد العصب وإرباك الثوار في مشهدٍ مقيتٍ تجاوز فيه الغوغائيون كل المواثيق والمقدسات لدى مكوّن أساس في لبنان بهدف استفزاز شريحة كبيرة من اللبنانيين وجرّهم إلى مربّع الفوضى الذي يخدم مشاريعهم الإقليمية".
ودعا الشقيق الأكبر لرئيس الحكومة السابق النائب سعد الحريري والذي يتداول أنه يتحضّر لمعركة رئاسة الحكومة بعد سقوط حكومة حسان دياب، "جميع اللبنانيين إلى التحلي بالوعي والمسؤولية والوقوف خلف الجيش اللبناني الذي هو الضامن الوحيد للسلم الأهلي في لبنان ومنعاً للانجرار وراء أبواق الفتنة المتفلتة".
ونُظمت مسيرات سيّارة في مختلف المناطق، صباح أمس، رُفعت فيها الأعلام اللبنانية، قبل أن تتوجه إلى ساحة الشهداء، المكان الذي اختير لتجمع التظاهرة. وفيما تنوعت المجموعات المدنية الداعية للاحتجاج، وإن كانت جميعها قد شاركت في "انتفاضة 17 أكتوبر" 2019، تبنت الدعوة أحزاب سياسية، بينها حزب "الكتائب"، في وقت جرت فيه اتصالات مع قوى حزبية أخرى للمشاركة من بينهما رجل الأعمال اللبناني بهاء الحريري الذي يتردّد أنه من الداعين الأساسيين لتظاهرة أمس.
وبرز انقسام في الساحة حول العناوين خصوصاً مطلبي "الانتخابات النيابية المبكرة" و"نزع سلاح حزب الله"، وتعتبر غالبية المجموعات المدنية أن المطلبين تروج لهما أطراف حزبية لتحقيق مصالح خاصة ومكاسب على حساب الانتفاضة وتهدف إلى خلق انقسام في صفوف المنتفضين، في حين أنها ترى أولوية للمطالب الحياتية والمعيشية واستعادة حقوق اللبنانيين التي نهبتها الطبقة السياسية واحتجزتها المصارف اللبنانية، من خلال قضاء مستقلّ يحاسب الفاسدين وكل من أوصل لبنان إلى الانهيار التام ويعيد الأموال المنهوبة.