بفضل حروبها القديمة مع روما، أخذت مدينة تدمر السورية موقعاً في المخيال الأوروبي، تثيره من حين إلى آخر محاضرة أو قراءة فصل في كتاب تاريخي، أو زيارة سياحية إلى سورية في زمن غير هذا الزمن. في الشهور الأخيرة، باتت تدمر متداولة على نطاق واسع في الغرب، كعنوان كبير لـ "جريمة الشرق في حق نفسه".
ينطلق المؤرخ الفرنسي جان فاين في عمله "تدمر، كنز لا يمكن تعويضه" الذي صدر قبل أيام عن "ألبان ميشال" في باريس من هذه المقاربة، والتي تتقاطع مع مقولات مدرسة في التاريخ، كان أنصارها منتشرين في القرن التاسع عشر، يتحدّثون عن مسؤولية الغرب على تراث البشرية.
ما تغير، بمرور قرنين، هو انقلاب الذريعة من عصر إلى آخر، فقد كان المؤرخون يتحدّثون عن إهمال "السكان الأصليين لكنوز البشرية" فبات أحفادهم يتحدّثون عن ظاهرة التطرف الديني التي نمت في الشرق اليوم.
يعود فاين إلى تقاطعات تدمر بالدين لرسم صورتها التاريخية، مركّزاً على مرور الإسلام بشكله الحربي منها؛ إذ يتحدث مطوّلاً عن استقرار معسكر المسلمين في تدمر قبل فتح دمشق، المدينة التي ستمثّل نقطة ارتكاز بقية الفتوحات الإسلامية، ثم تحولها بعد عقود قليلة إلى عاصمة "إمبراطورية الإسلام".
يدرس فاين في الأثناء تحوّلات المدينة، انطلاقاً من سؤال (غير بريء) ما الذي بقي من تدمر قبل الإسلام. يشير إلى أننا اليوم لا نعثر سوى على قليل من الكنائس، في حين أن المدينة كانت من أهم حواضر المسيحية الشرقية، وهو يلمّح بأن ما بقي من المدينة لم يكن متاحاً تدميره بالأدوات التقنية المتوفرة في ذلك العصر؛ ما يوجّه القارئ إلى "تفسير سيكو - تاريخي" لحركة هدم بقايا الحضارات السابقة والذي تنتهجه التنظيمات المتطرفة.
قد يغيب على فاين، وهو يحصر نفسه في القراءات التاريخية والآثارية، أن المتطرفين اليوم يطلبون ما هو أبعد من عملية تغيير هوية مدينة، فالجانب الدعائي يبدو أهم بكثير من الجانب الديني في العملية.
يذكر المؤلف أيضاً شيئاً من تناول الحضارة العربية للآثار، وهو هنا يعرّج على أهمية "الأطلال" في الأدب العربي، مستذكراً أسماء شعراء مثل امرئ القيس وعنترة بن شداد، وهو طريق يتّخذه ليفضي بقارئه إلى القول "إننا اليوم نبكي جميعاً على أطلال تدمر".
اقرأ أيضاً: آثار سورية: مزايدات ومهرّبون