بوركيني، في قاموس اليمين المتطرّف

13 سبتمبر 2016
+ الخط -

خلتُ أن قضية البوركيني قد انطفأت تدريجياً بعد اشتعالها الصيفي المفاجئ في فرنسا، ومن ثم في عدة أنحاء من العالم، بعد أن أدلى كلٌّ بدلوه بشأن قرار بعض البلديات الفرنسية منع ارتداء زي السباحة الإسلامي على الشواطئ، ثم قرار العدالة الفرنسية منع قرار المنع هذا.

لكني، حين "غوغلت" اليوم عنه، وجدت أن الأخبار بشأنه ما زالت قيد التفاعل، ومن آخرها رد صحيفة نيويورك تايمز الأميركية على رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، الذي كان قد ردّ على مقال سابق للصحيفة نفسها، في موقع هافنغتون بوست، وتعليق للكاتب سلمان رشدي الذي يزور فرنسا بمناسبة صدور ترجمة كتابه الجديد.

بوركيني وما أدراك ما البوركيني؟ شيء كالمحلول السحريّ الذي ما أن تشتمّه أو تشربه حتى تنفلت نياتك الدفينة من مخابئها، وألسنتك من عقالها، لتخوض في سجالاتٍ تطول ولا تنتهي، حول كل شيء، باستثناء حقيقة المشاعر وحقيقة المواقف التي، وحده اليمين المتطرّف، بوصفه نزعةً وفكراً وميلاً، لا مجرد حزب سياسيّ، لا يخجل ولا يوارب في المجاهرة بها.

الكلام الذي تطاير في كل الاتجاهات عن العلمانية، والقيم الجمهورية، وانكفاء الأقليات، والهوية الفرنسية، وحرية النساء، وارتداء إشاراتٍ دينيةٍ ظاهرةٍ، إلخ، لا يهدف، بحسب قاموس فكر اليمين المتطرّف ، إلا إلى طرح السؤال: كيف عسانا نتخلّص، نحن الفرنسيين، من خمسة ملايين "فرنسي" مسلم، لا ينغّصون علينا عيشنا فحسب، وقد باتوا اليوم يتهدّدون أمننا وحياتنا؟  

ثمّة من اقترح إمكانية إخراجهم من البلاد، معتبراً الأمر قابلاً للتنفيذ، طالما أنه تم نقل نحو مليون فرنسي مولود في الجزائر إلى فرنسا. لكن، بقي السؤال: إلى أية وجهة يمكننا إرسالهم، من دون جواب. والحقيقة أن مسألة المسلمين الفرنسيين وحلم طردهم من البلاد ليسا ابني اليوم بالنسبة لليمين المتطرّف، ففي قاموسه المسلمون هم العرب المهاجرون، المغاربة تحديداً، الذين كانت بلدانهم، في ما مضى، مستعمرات تدير شؤونها أمة عظيمة هي الأمة الفرنسية. وفي قاموسه:

كيف تريدون لنا اليوم أن نقبل بأن يصبح هؤلاء مساوين لنا، في حين أننا لم نكن نراهم هكذا حتى حين كنا موجودين على أرضهم؟ إذا كانت فرنسا، الكريمة العادلة، قد منحتهم المساواة، في الحقوق والواجبات، فهذا لا يعني أن أصولهم قد امّحت، أو أنهم قد أصبحوا يعادلوننا كفرنسيين، وهذا لن يمحو أننا إنما جلبناهم إلى بلادنا كي يقوموا بالمهام المتعبة والمشينة التي لم نكن لنرضى بها لأنفسنا كفرنسيين.

لكنهم، وبعد استنفاد طاقتهم إثر أعوام طويلة من الكدح والكدّ، وبعد إفراغهم تماما من قواهم، لم يكونوا يريدون العودة إلى بلدانهم، وكانوا يفضّلون عليها البقاء في فرنسا، لا بل حتى الموت على أرضها. وهنا برأينا، تكمن الطامة الكبرى، وأصل كل المشكلة. إذ كان على فرنسا أن ترفض بقاءهم، كان عليها أن تعيدهم إلى مدنهم وقراهم، وينتهي الأمر. لكنها للأسف لم تفعل، بل سمحت لزوجاتهم وعائلاتهم أن يلتحقوا بهم...

لكن، حين بدأوا بتجميعهم وبإسكانهم في ضواحي المدينة، في غاباتٍ من الإسمنت والباطون، ارتاحت قلوبنا. هكذا يبقون بعيدين عنا، فلا نختلط بهم ولا يختلطون بنا، ولا يعدوننا بتقاليدهم الغريبة.

ثم جاءت انتفاضة 1968 البائسة، ومعها مدّ الأفكار اليسارية المدافعة عن الطبقات المقموعة والمحرومة، وأصبح مفروضاً علينا أن "نؤاخي" وأن نرفع المشاعر إلى مصاف القيم، وأن نلغو بكلام التقدميين، أو أن نصمت. وبالفعل، صمتنا.

ثم جاءتنا فرصةٌ ذهبيةٌ على شكل التطرف الإسلامي الذي اجتاح العالم، تبعته القاعدة، ثم داعش، ووقع قتلى فرنسيون كثر من جرّاء عدة عمليات إرهابية، قام بها أفراد من هؤلاء "الغرباء" الذين أعطوا جنسيتنا، على أرضنا. اليوم، وصل الجميع إلى ما كنا خلال عقود نحذّر منه. واليوم، بتنا مدركين أن رئاسة جمهورية فرنسا أصبحت على قاب قوسين أو أدنى منّا.

 

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"