فيما يكثر الحديث في الولايات المتحدة حالياً عن الاقتراب من انتهاء أطول انتعاش اقتصادي تشهده البلاد، ظهر في سوق العقارات مؤشرات لتباطؤ المبيعات، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات إذا ما كان ركود جديد قد بدأ في دق الأبواب.
وبعد ما يقرب من عقدٍ كامل من ارتفاع أسعار وحجم مبيعات العقارات في الولايات المتحدة، بدأ الهدوء يخيم على تلك السوق في الفترة الأخيرة، الأمر الذي نبه الكثيرين إلى أن الأزمة المالية العالمية، التي ضربت أسواق العالم عام 2008، بدأت ببعض قروض الرهن العقاري غير محسوبة المخاطر، ثم توالت بعد ذلك الأحداث على النحو المعروف.
ويوم الخميس الماضي، أظهرت بيانات الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، انخفاض معدل المبيعات السنوية في يناير/ كانون الثاني الماضي بنسبة 8.5% عن نفس الشهر من العام الماضي، وهو ثالث شهر على التوالي يشهد انخفاضاً، كما أنه مثل أقل حجم مبيعات في الثمانية والثلاثين شهراً الأخيرة، إذ سجلت مبيعات المنازل السابق امتلاكها معدلاً سنوياً يقدر بنحو 4.94 مليون وحدة الشهر الماضي.
وباستثناء شهر فبراير/ شباط، شهدت كل شهور العام المنقضي انخفاضاً في مبيعات المنازل، إلا أن وتيرة الانخفاض ازدادت بصورة واضحة في الربع الأخير من العام وأول شهر من العام الجديد.
وتعدّ هذه الأرقام، أحدث حلقات مسلسل الأرقام السيئة لسوق العقارات الأميركية، بعدما سجلت أشهر ديسمبر/ كانون الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول من عام 2018، انخفاضاً بنسبة 10.3% و7.8% و5.1% على التوالي، مقارنة بنفس الشهر من العام الذي سبقه.
وكانت الرابطة قد نشرت مطلع فبراير/ شباط الجاري أرقاماً توضح انخفاض مبيعات المنازل المعلقة، وهي التي تم التعاقد على بيعها لكن لم يتم تنفيذ البيع فعلياً، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بنسبة 2.2%، وتسجيلها أقل نقطة لها منذ عام 2014، وتعدّ المبيعات المعلقة مؤشراً هاماً على نشاط قطاع العقارات.
كما يعدّ مؤشر مبيعات المنازل السابق امتلاكها أحد أهم المؤشرات الاقتصادية في الولايات المتحدة، ويتميز عن مؤشر مبيعات المنازل الجديدة، إذ يسبقه في موعد إعلانه في كل شهر، بالإضافة إلى أنه يقيس عينة أكبر حجماً من مبيعات المنازل الجديدة. وانخفض المؤشران إلى أقل قيمة لهما في أعقاب الفقاعة العقارية الأخيرة في 2012.
وأرجع الخبراء التراجع في أرقام المبيعات إلى ارتفاع أسعار المنازل، وارتفاع معدلات الفائدة، بعدما رفعها بنك الاحتياط الفيدرالي أربع مرات خلال العام الماضي فقط.
ورغم تباطؤ المبيعات، شهد يناير/ كانون الثاني ارتفاع متوسط أسعار المنازل السابق امتلاكها، للشهر الثالث والثمانين على التوالي، ليصل إلى 247.5 ألف دولار، الأمر الذي أضعف شهية المواطن الأميركي المثقل بالديون على الشراء.
لكن لورانس يون، كبير الاقتصاديين في الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، يرى أن مبيعات المنازل قد وصلت إلى القاع، ويتوقع أن تشهد انتعاشة خلال الفترة القادمة.
ويضيف يون: "اقتراب أسعار المنازل من الاعتدال، مع زيادة دخل الأسر بفعل الانتعاش الاقتصادي، سيزيد القدرة على شراء المنازل، وسيزيد عدد المشترين في السوق خلال الفترة القادمة".
وبعدما رفع بنك الاحتياط الفيدرالي معدلات الفائدة العام الماضي، شهدت معدلات الفائدة على قروض الرهن العقاري ارتفاعاً على مدار أغلب فترات العام، حتى وصلت إلى ذروتها في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، عند مستوى 4.94% لقروض الفائدة الثابتة مع السداد على ثلاثين عاماً.
لكن بعد تصريحات جيرومي باول، رئيس البنك الفيدرالي، التي أشار فيها إلى نيته التمهل قبل إجراء رفع جديد لمعدلات الفائدة، ومن ثم تلاشي احتمالات رفع الفائدة قريباً، بدأت معدلات الفائدة على نفس النوع من قروض الرهن العقاري في الانخفاض، لتسجل 4.35% الأسبوع الماضي.
ومن الطبيعي أن يزيد الطلب مع انخفاض الفائدة المطبقة على قروض الرهن العقاري، لكونه يعني من الناحية العملية انخفاض تكلفة شراء المنزل، لكن الطلب لا ينشط عادةً في تلك الحالات إلا بعد تحرك الأسعار بالفعل إلى أسفل.
والأسبوع الماضي، أصدرت وكالة موديز للتصنيف الائتمانية العالمية، تقريراً أكدت فيه انخفاض ربحية قروض الرهن العقاري السكنية بصورة واضحة، بعدما قلصت معدلات الفائدة المرتفعة من هامش الربح المحقق.
وتوقعت الوكالة أن تخفف شركات الإقراض من شروطها عند منح القروض، "وهو ما قد يسهم في زيادة مبيعات المنازل، وإن بقدرٍ يسير".
وفي الربع الأخير من العام الماضي، تسبب انخفاض القروض العقارية الممنوحة من بنك "ويلس فارجو" بنسبة 28% في انخفاض أرباح النشاط بنسبة 50%، بينما تسبب انخفاض نفس النوع من القروض في بنك "جي بي مورغان" بنسبة 30% في انخفاض ربحية القروض العقارية بنسبة 46%. ومثلت هذه الأرقام السيئة عند إعلانها جرس إنذار لمستثمري ومحللي البورصات الأميركية، الذين رأوا فيها تعبيراً عن ضعف أسهم القطاع العقاري في السوق الأميركية.