بلد النخيل والفنون.. والأطفال الضحايا

02 يونيو 2015
تجري أكبر عملية تجنيد للأطفال (الأناضول)
+ الخط -

كان عدد أشجار النخيل في العراق حوالي 10 ملايين شجرة. وكان العراق الدولة الأشهر في العالم في تصدير الثمار التي لا تضاهيها جودة ثمار أيّ دولة أخرى. الآن تتعرض هذه الشجرة لكارثة وآفات، منها ما هو طبيعي، ومنها ما هو نتيجة صنع الإنسان، من دون قدرة على الدفاع عنها وحمايتها. إذاً أحد مصادر ثروة العراق مهدد. لكن الكارثة لا تقتصر على جزء من القطاع الزراعي، بل تشمل كل القطاعات. والحصيلة أنّ العراق يعود في ثروته وعوائدها إلى ما قبل العصر الحديث، إن لم يكن أبعد، حيث كانت أبسط مقومات الحياة مفقودة، أو في أحسن الأحوال شحيحة ونادرة.

لكن العراق ليس بلد زراعة ونفط، بل هو بلد فنون وآداب ومعارف. ألوف المثقفين تم قتلهم. وشملت قائمة الضحايا من هؤلاء أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والرسامين والنحاتين والمسرحيين والموسيقيين والمطربين وغيرهم. من لم يقتل بالرصاص والمعتقلات حزم حقائب الرحيل وغادر. نتحدث هنا عن 4 ملايين عراقي لاجئ تقريباً. لكن ماذا حدث للأطفال وسط هذا المرجل؟

لا ضرورة للعودة إلى المعلومات المتوفرة عن مرحلة الحصار الذي تم فرضه على البلاد، إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين، وكيف كان ألوف الأطفال يموتون شهريا لنقص الأدوية والأغذية، ومضاعفات استعمال القذائف المنضبة وغير المنضبة. فمنذ تلك السنوات ولم تهدأ أوضاع تلك البلاد. وطبيعي القول إنّ الفئات الأكثر هشاشة وضعفاً هي من تدفع الثمن. والأطفال بالطبع في رأس القائمة.

نصل إلى النسخة الأخيرة من الوضع، حيث هناك حرب أهلية تدور رحاها باختلاف مسمياتها. وفي المناطق التي يسيطر عليها داعش تجري أكبر عملية تجنيد للأطفال تطال المرحلة العمرية من 13 –17 عاماً. يقال إنّ المدد البشري الخارجي نضب مما استدعى هذا الإجراء. الحملة تحمل اسم "عزة وجهاد"، وتستقطب مراهقين على صفوف المراحل المتوسطة في المدارس. تتضمن العملية مرحلتين؛ الأولى تدريسهم العقيدة الإسلامية "الصحيحة"، والثانية التعبئة والتدريب العسكري. بعدها يتجه بهم إلى ميادين القتال. لا تختلف الصورة في باقي المشهد العراقي وإن تنوعت العناوين. فالحشد الشعبي ليس سوى أعداد ممن لا يملكون مسارات تعليمية أو مهناً يتعيشون منها. وكما يجري تسويغ الأول بالدفاع عن الإسلام، يتم تقديم الثاني بوصفه واجباً شرعياً. والحقيقة أنّ هؤلاء الذين يساقون إلى جبهات القتال ما زال معظمهم في سن الطفولة بموجب تعريف اليونيسف.
والحصيلة أنّ العراق لا يفقد أشجار النخيل فقط، بل أجياله الشابة أيضاً.
(أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية)

اقرأ أيضاً: أطفال ومقاتلون
المساهمون