بعد أسبوع من مناشدة مجلس محافظة البصرة وأعضاء في البرلمان العراقي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، بإرسال قوات من بغداد إلى البصرة لضبط الأمن وإيقاف مسلسل التدهور الأمني فيها، باشرت قوات مشتركة من الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية ووحدات التدخل السريع، فجر أمس الأربعاء، حملة عسكرية هي الأوسع من نوعها منذ عام 2008 في المحافظة المطلة على مياه الخليج العربي. وقد ارتفعت معدّلات الجريمة المنظمة في المحافظة إلى مستويات قياسية بلغت 80 حادثاً شهرياً بين خطف وسرقة وسطو مسلح واعتداء، فضلاً عن انتشار شبكات تهريب وترويج المخدرات، عدا عن الصراعات بين عشائر البصرة، التي أسفرت خلال الأشهر الماضية عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، جراء خلافات على المياه والأراضي والتنافس على قطاعات تجارية ومشاريع ونفوذ داخل موانئ البصرة.
ووفقاً لمسؤولين عراقيين في البصرة تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن "الحملة انطلقت على شكل مراحل عبر تطويق مناطق بعينها وإغلاقها وبدء عمليات تفتيش واسعة للمباني السكنية والتجارية، فضلاً عن تتّبع أسماء مطلوبين بلغت أكثر من 3 آلاف مطلوب قضائياً ومتورطين بأعمال عنف، وقسم كبير منهم مدعوم من فصائل بالحشد الشعبي وشخصيات سياسية نافذة بالمدينة مدعومة إيرانياً". وعلى رأس الحملة العسكرية، القائد العسكري الذي أنيطت به مهمة تحرير الموصل العام الماضي، الجنرال عبد الأمير رشيد يار الله، الذي استقدم لواء من القوات العراقية الخاصة معه، وفقاً لما كشف مسؤول عسكري لـ"العربي الجديد". وأضاف أن "يار الله مُنح صلاحيات واسعة في العملية لإعادة الاستقرار إلى البصرة"، مبيناً أنه "لم يحدد وقت زمني للحملة لكنها تشمل مراحل عدة، والقوة ستُستخدم مع مافيات الجريمة المنظمة وعصابات تهريب المخدرات وسيتم إغلاق المنافذ الحدودية غير القانونية مع إيران، التي يتم عبرها إدخال المخدرات والسلاح للبصرة، فضلاً عن مفاوضات مع العشائر لتسليم سلاحها الثقيل والمتوسط. وفي حال استجابوا لن يتم اقتحام مناطق نفوذهم وإذا لم يكن هناك تجاوب سيتم تنفيذ عملية اقتحام خاصة لتلك المناطق وسحب جميع أنواع السلاح الثقيل والمتوسط". ولفت المسؤول إلى أن "آخر نزاع مسلّح بين عشيرتين في البصرة استخدمت فيه مدافع هاون عيار 62 ميليمتراً وصواريخ آر بي جي 7 وهذا ما يمكن اعتباره إرهاباً يجب إيقافه".
من جانبه، قال عضو مجلس البصرة المحلي (الحكومة المحلية) أحمد الفتلاوي لـ"العربي الجديد" أن "الحملة مرحّب بها للغاية من الأهالي"، مضيفاً أن "الهدف هو إنهاء التسيب وإعادة الهيبة للقانون والقضاء ولرجال الأمن وحصر السلاح بيد الدولة". ولفت إلى أن "العملية قد تستمر لأكثر من أسبوعين إذ يتم تنفيذ عمليات خاطفة من قبل الجيش ووحدات التدخل السريع، فضلاً عن إغلاق مناطق بعينها والبدء بتفتيشها". وذكر أن "منطقة القبلة أحد أسخن مناطق البصرة كانت أولى المناطق التي استهدفها الجيش فجر الأربعاء، والحملة ستحقق نتائج طيبة لسكان البصرة وتمهد لانتخابات مريحة بالتأكيد".
وخصصت قيادة عمليات البصرة أرقاماً ساخنة وهي 400 و163 و155 للمواطنين للتواصل مع القوات الأمنية، وإبلاغهم عن أي حالات مشبوهة وأماكن المطلوبين للقانون، حيث تم توزيع منشورات بالمحافظة طالبت السكان الإبلاغ عن العصابات ومخازن السلاح وأوكار بيع المخدرات من دون خوف".
ومن المقرّر شمول العملية جميع مناطق البصرة، بما فيها المناطق الحدودية مع إيران، وكذلك المناطق الحدودية مع الكويت والمطلة على مياه الخليج العربي أيضاً. ونقل راديو "المربد" ومقرّه البصرة، تصريحات لقائد عمليات البصرة الفريق الركن جميل الشمري، بقوله إن "المرحلة الأولى من العملية الأمنية في محافظة البصرة، انطلقت بتوجيه من رئيس الوزراء حيدر العبادي، وبناءً على معلومات استخبارية دقيقة لملاحقة المطلوبين والخارجين عن القانون". وأضاف أن "العملية انطلقت من منطقة القبلة بمركز المحافظة، التي تمّ تطويقها بالكامل لإجراء عمليات التفتيش والبحث عن المطلوبين، فيما أُلقي القبض على عدد منهم".
من جانبه، كشف رئيس لجنة الأمن والدفاع، حاكم الزاملي لـ"العربي الجديد"، معلومات عن الحملة خلال المشاركة بالإشراف عليها. ولفت إلى أن "البصرة خلال الفترة الماضية عانت كثيراً من تسلّط جهات سياسية وحزبية ومليشياوية عليها ونزاعات عشائرية فتكت بها، ورزحت تحت عمليات الخطف والسرقة والسطو المسلّح إلى ابتزاز شركات النفط العاملة فيها، إلى جرائم المخدرات تهريباً وترويجاً إلى حالات القتل والاغتيال، وصولاً إلى مكاتب وهمية تمارس عمليات تخل بأمن البصرة". وأضاف أن "الجميع يعلم أن البصرة عاصمة العراق الاقتصادية ومنها 90 في المائة نفط العراق، ومنها الاستيراد والتصدير والخلل الحاصل فيها سيضرب كل العراق بلا استثناء لذا كانت هذه الحملة".
وتابع أنه "وجدنا أن هناك حاجة ملحّة لعملية عسكرية كبيرة في البصرة، وفعلاً تمّ تجميع قطعاتنا المهمة والبارزة والتحرك إلى البصرة، ومنها الفرقة 9 بالجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب واستخبارات وزارة الدفاع والرد السريع واستخبارات الداخلية. وتم تجميعها وهي الآن تباشر بفرض الأمن وتفعّل جميع مذكرات الاعتقال السابقة التي أصدرها قضاء البصرة ولم تتمكن قوات البصرة المحلية من تنفيذها، فضلاً عن رصد أهداف كبيرة وكثيرة ستشملها الحملة".
وأكد الزاملي أن "الحملة ستشمل أيضاً عملية ضبط الحدود مع دول الجوار ونزع سلاح العشائر التي حاولت فرض وجود لها من خلال السلاح ومنع تسلط المليشيات والأحزاب، التي يعتاش كثير منها على تهريب النفط والمخدرات". وختم بالقول إن "العملية لا وقت زمنياً محدداً لها لإنهائها حتى تحقيق كافة أهدافها".
من جانبه، قال عضو البرلمان عن محافظة البصرة، جبار العبادي، إن "البصرة تحتاج قوات كبيرة حتى يشعر المواطن بأنه آمن وأن الدولة في بغداد تحرص عليه". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أنه "كانت هناك قوات كافية بالبصرة لكن بعد اجتياح داعش، تم سحب معظمها إلى المدن المحتلة للمشاركة في تحريرها. وهو ما أدى إلى تردّي الأمن بهذا الشكل في البصرة وتسلّط مليشيات وجماعات مسلحة وعشائر وغيرها". وشدّد على أنه "هناك مطالب بخلق بيئة استثمار آمنة بالبصرة لذا العملية مهمة من كل الجوانب".
بدوره، اعتبر عضو البرلمان عبد السلام المالكي، بأن "العملية ضرورية ولا بد منها"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "انتشار السلاح بشكل مخيف يتوجب على الدولة الضرب بقوة وفرض هيبتها وبسط القانون ولا شيء غيره". وكشف عن "وجود 1400 هدف حيوي مخطط اعتقاله أو قتله، بما فيها من مُحرِّكي العنف والجريمة بالمحافظة، ومنها كذلك مافيات تهريب النفط والمخدرات وشبكات السرقة والسطو والخطف والقتل ومفتعلو المشاكل العشائرية ومكاتب وهمية تدّعي انتماءها إلى جهات معيّنة في دول الجوار"، في إشارة إلى إيران. واعتبر أن "الفوضى في البصرة تعني فوضى واضطراب كل العراق ومن هنا جاءت العملية التي يتوقع أنها ستنجح بشكل ممتاز".