بعد استعادة الصحافيين الفرنسيين حريتهم:
من دفع ثمن الفدية؟

22 ابريل 2014
الصحفيون الفرنسيون لحظة وصولهم.. يتوسطهم هولاند وفابيوس (Getty)
+ الخط -
لم تدم فرحة إطلاق سراح الصحافيين الفرنسيين الأربعة، وعودتهم إلى بلدهم وأهاليهم، طويلا. فقد بدأت تُطرَح قائمة التساؤلات التي تعقب، عادة، كل عودة سالمة لمعتقل فرنسي، سياسيا كان أم عسكريا أم إعلاميا، من ذلك: من أطلق سراحهم ومن دفع ثمن حريتهم، بل وحتى سبب وجودهم في مكان معين بحيث سهّل على المختطفين اقتناصهم؟. وهكذا لم تدم، طويلا، فرحة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أيضا، وهو المثخن بهزيمة الانتخابات البلدية، وبالفضائح التي طالت أعضاء في حكومته وحزبه وبتهاوي شعبيته إلى مستويات غير مشهودة من قبل.
ولم يكن تصريح الصحافي ديديي فرانسوا، وهو يَصل إلى فرنسا، كافيا لتبديد الموقف الغريب الذي يعيشه الرهائن الفرنسيون في بقاع عديدة من العالم: "إنا محظوظون كوننا فرنسيين. ففرنسا لا تتخلى، أبدا، عن رهائنها ومُواطنيها. ولا يوجد في بلدان أخرى هذا الاندفاع من التضامن ومن عَمل الدولة." فالحقيقة أن فرنسا الرسمية تفكر جيدا، وقد عبّر عن هذا الأمر نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، في طريقة جديدة للتعامل مع مثل هذه القضايا، التي تستنزف العمل الدبلوماسي وتكلف الدولة تنازلات وتدخلات لدى دول صديقة لحل هذه الإشكالات.
وفي نهاية المطاف سيتمّ، عاجلا أم آجلا، تبنّي الموقف الغربي الآخر، الأميركي والبريطاني، الذي يعتبر نفسَهُ غيرَ مسؤول عن الصحافيين الذين يسقطون في أيدي مجموعات أو منظمات أو حتى دُول معادية. وترفض هاتان الدولتان فكرة إطلاق سراح مواطنيهما، بمن فيهم الصحافيون أو العسكريون (وقد رأينا كيف أن الولايات المتحدة الأميركية رفضت التفاوض حول إطلاق سراح أحد جنودها وهو في قبضة طالبان)، مقابل فدية، تراها عاملا مشجعا على الإرهاب ودافعا لمنظمات أخرى لتجريب حظها في هذا الميدان.
وقد رأينا كيف أن فرانسوا هولاند أغضب عائلات رهائن فرنسيين حين أعلن قبل أشهر عن عدم مسؤولية الدولة الفرنسية عن تصرفات صحافييها في أماكن النزاع، وهو ما اعْتُبِر استقالة للدولة الفرنسية عن مسؤوليتها في حماية أبنائها وإعادتهم سالمين إلى بلدهم.
ولكن عملية إطلاق سراح ليست بالأمر الهيّن، ليس فقط من الناحية الدبلوماسية والسياسية، لما فيها من اعتراف بالخصم أو العدوّ، بل والدعم المادي له، في حال منحه الفدية، وهو ما عبّر عنه مسؤول أميركي بُعيْد إطلاق سراح "الجيش الإسلامي في العراق" لأسيرين فرنسيين، مقابل فدية مالية، من أن "هذه الفدية ستُموّل عشرات من السيارات المفخخة التي ستنفجر في شوارع العراق".

هل دفع العرب؟
كما أن هناك مسألة حساسة في فرنسا تُطرح في هذه الأيام، وهي مسألة أصل الأموال المدفوعة في مثل هذه القضايا. فَدَافِعُ الضرائب الفرنسي، حتى وإن تعَاطَفَ مع الرهائن والأسرى، ودمعت عيناه فرَحاً بالعودة السالمة، يرفُضُ أن تُدفَع من جيبه هذه الأموال، في الوقت الذي تقوم فيه مختلف الوزارات الفرنسية بترشيد نفقاتها، ويُطلَبُ من كافة فئات الشعب بذل مجهود لتحمل الصعوبات الاقتصادية والمالية.
لم تُطلق "الدولة الإسلامية في العراق والشام" رهائنها الفرنسيين مجانا ولا كالتفاتة إيمانيّة في أعياد الفصح المجيدة. وإذا كانت الحكومة الفرنسية تصرّح، كما صرحت من قبل (مع رهائنها في النيجر ومالي والذين ثبت أن شركة أريفا قامت بالدفع)، بأنها لم تدفع، فثمة طرَفٌ أو أطرافٌ قامت بالدفع.
ينفي الرئيس هولاند أن تكون فرنسا قد دفعت فدية مقابل عملية الإطلاق، ولكنه يعترف بوجود "مفاوضات واتصالات" شارك فيها، من الجانب الفرنسي فرانسوا هولاند نفسه ووزير دفاعه جان- إيف لودريان ورئيس الاستخبارات الفرنسية برنارد باجولي، وهو ما يعني مفارقة ما، يُجيبُ عنها ألان مارسود، نائب من المعارضة الفرنسية، بأنه "إذا لم نكن نحن، الفرنسيين، مَنْ دفع الفدية فثمة آخرون دفعوها مكاننا..." ويذكر بعض الأصدقاء العرب.
تعترف افتتاحية جريدة "ليبراسيون" بأن "عمليات تحرير الرهائن تحتفظ دائما بِجُزء من الغموض"، وهي "اللحظة الوحيدة التي يتوجّب علينا أن نتقبّلها، في ممارسة مهنتنا". إنه التنازُلُ الوحيد المسموح به للصحافي، الغيور على حريته واستقلاليته.
المؤكد أن فرنسا دفعت، سواء، بشكل مباشر أم عبر وسطاء أصدقاء ولن يقتنع أحدٌ، بالرواية التي يتم تسويقُهُا من أن "الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش" في تقهقرها، بسبب معاركها مع "جبهة النصرة" وغيرها، ليّنت من مواقفها أو أنها تخلت عن هؤلاء الرهائن بين الحدود السورية التركية".
وفي كل الأحوال لا يمكن لنا إلاّ أن نكون سعداء بهذه الخاتمة السعيدة، خصوصا وأن أحد الرهائن الفرنسيين، ديديي فرانسوا، اشتغل، قبل فترة في قطاع غزَة المحاصر ونقل أخبار القطاع للعالم وأُصِيبَ هناك بِجُرح غائر.
من قال إن مهنة الصحافة سهلة؟

المساهمون