بعثرة إيرانية لأوراق واشنطن في العراق... حكومة السيناريو الثالث تبدد الجهود الأميركية

17 سبتمبر 2018
نفوذ إيران بالعراق وصل للمنظومة الاجتماعية والدينية والثقافية(فرانس برس)
+ الخط -
أظهرت أزمة تشكيل الحكومة العراقية بنسختها السادسة، والتي دخلت شهرها الرابع منذ أيام قليلة، الضعف الواضح للدور الأميركي مقابل ما تمتلكه إيران من نفوذ واسع في البلاد، تعدّى إلى ما يمكن اعتباره انتداباً على بلاد الرافدين، ليس على مستوى الملفين السياسي أو الأمني، وإنما أيضاً وصل إلى المنظومة الاجتماعية والدينية، وحتى الثقافية. داخل المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، وحيث تقع السفارة الأميركية التي تحولت أخيراً لغرفة عمليات سياسية على غرار نظيرتها الإيرانية، قال وزير عراقي بارز وأحد حلفاء رئيس الحكومة حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "واشنطن تعيش ما يمكن اعتباره حالياً صدمة في العراق، فحتى حلفاؤها من الساسة السنّة والأكراد بدوا غير طيّعين لضغوطها عليهم، ولديهم ثقة بوعود الإيرانيين لهم أكثر من الأميركيين". 

وأضاف الوزير "العبادي المدعوم من واشنطن خرج من التنافس حرفياً ولم يعد له دور، فكتلته (النصر) تفتّتت وبات يملك 27 نائباً فقط من أصل 42، بعد ذهاب الآخرين إلى المعسكر المقابل الذي تدعمه إيران (نوري المالكي ـ هادي العامري). وعملياً، فاز برئاسة البرلمان شخصية سنيّة مدعومة من الحشد الشعبي والمالكي وهو محمد الحلبوسي، ورئاسة الحكومة لن تكون إلا بتوافق بين (زعيم تحالف سائرون) مقتدى الصدر وزعيم الحشد الشعبي هادي العامري، قطبي المعسكرين. والأهم من ذلك أنّ الطرفين اتفقنا على أن تكون أول مهمة للبرلمان الجديد هي سنّ قانون إخراج جميع القوات الأجنبية من العراق، وعلى رأسها الجيش الأميركي".

ووفقا للوزير نفسه، فإنّ "جلسة البرلمان يوم السبت كانت بمثابة استسلام سياسي للإيرانيين، فخسارة خالد العبيدي، حليف الصدريين والعبادي، وكذلك أسامة النجيفي، المدعوم أميركياً وتركياً وعربياً، أمام شاب بعمر 37 عاماً، وبتاريخ سياسي خالٍ، وملفّات قضائية عدة، يعني أنّ السنّة أنفسهم لم ينتخبوا العبيدي أو النجيفي، وقبلوا بالمرشّح المرضي عنه إيرانياً".

وتابع الوزير قائلاً إنّ "الكتل السنية حصلت على وعود كثيرة من إيران، منها سحب المليشيات من مدن السنّة شمال وغرب ووسط العراق، وحلّ ملف المختطفين، وإعادة إعمار المدن المحرّرة من تنظيم داعش، وبرنامج لإطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين، وضمان وحدة نينوى وعدم اقتطاع أي جزء منها لصالح إقليم كردستان، ودعم المكوّن العربي في كركوك، وإعادة سكّان جرف الصخر والعويسات ويثرب ومناطق أخرى إلى منازلهم. بالمقابل هناك وعود إيرانية للأكراد تتعلّق بالملف الأمني على وجه الخصوص".

واعتبر الوزير أنّ "السنّة والأكراد لديهم تجربة سيئة مع الوعود الأميركية خلال السنوات الماضية. وبالنسبة للشيعة، فإنّ العبادي سيكون درساً لأي قوة أخرى تحاول أن تراهن على الدعم الأميركي في العراق على حساب الإيراني"، خاتماً بالقول "على الأرجح العبادي سيغادر إلى لندن حيث كان يعيش، ولا أعتقد أنّه سيقبل أن يعود عضواً في البرلمان ولديه أعداء كثر. خطأه أنّه ألقى بكلّ أوراقه في سلّة (المبعوث الأميركي الخاص بريت) ماكغورك و(السفير الأميركي لدى العراق) دوغلاس سيليمان".

وعلى خلاف الدورات الماضية، تمتلك اليوم الفصائل المسلحة التي تدين بالولاء لإيران أكثر من 29 نائباً في البرلمان، كانوا يعملون كعناصر مسلّحة ضمن فصائل ومليشيات مختلفة، بينهم 7 سبق أن شاركوا في معارك في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد مثل: حسن سالم التابع لمليشيا "العصائب"، وأحمد الأسدي وأبو مريم الأنصاري، عدا عن نحو 100 نائب آخرين من أحزاب مختلفة، أبرزها "الدعوة" و"الفضيلة" و"المجلس الأعلى" وكتل سنيّة مختلفة يتبعون عملياً الأجندة الإيرانية منذ سنوات. بمعنى أنّ نحو نصف البرلمان العراقي بات تحت تصرّف الإيرانيين، وتمرير القرارات الآن يمكن أن يكون أسهل من أي وقت مضى.


وفي هذا الإطار، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، الدكتور أحمد الحمداني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "البوصلة متجهة إلى إيران بشكل شبه كامل في العراق، والأميركيون فشلوا في تحقيق شيء حتى الآن على المستوى السياسي"، مضيفاً "هناك توافق نهائي على أنّ أيّ حكومة لن تشكّل إذا لم تكن بالشراكة بين سائرون والفتح، وهذا يعني أنّه ستكون هناك حكومة شراكة لا حكومة أغلبية سياسية ولا حكومة فضاء وطني، كما سمعنا من الصدر والمالكي خلال الأسابيع الماضية، ولن يستفرد أيّ من المعسكرين بها. وهو ما كانت تسعى إليه إيران منذ البداية، من خلال جمع القطبين الشيعيين الفائزين في الانتخابات في تحالف أو شراكة سياسية لتشكيل الحكومة، على عكس مساعي الأميركيين في استبعاد الفتح الذي يضمّ في طياته 13 جناحا سياسيا لفصائل مسلّحة يستعد الكونغرس خلال شهر من الآن لبحث إدراج بعضها على لائحة الإرهاب. وهي بطبيعة الحال فصائل تتبع مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، وتُعرف عراقياً باسم الفصائل الولائية".

ولفت الحمداني إلى أنّ "رفض أربع كتل سنيّة من أصل 6 للضغوط الأميركية، ومماطلة الأكراد في قبول التحالف مع العبادي ودعمه لولاية ثانية، بالتأكيد مثّل صدمة للبيت الأبيض"، مشيراً إلى أنّه "من المؤكّد أنّ الأميركيين لن يقبلوا بالخسارة السياسية لهم داخل العراق والتسليم بالهيمنة الإيرانية عليه، بعد كل ما قدموه من خسائر بشرية ومادية في هذا البلد، وهو أمر يقلق العراقيين حالياً ليس سياسياً، بل حتى شعبياً".

وأيّد الحمداني رأي الوزير العراقي حول سبب التفوّق الإيراني في العراق، قائلاً إنّ "الأميركيين نكثوا عهوداً مع الأكراد في ما يتعلّق بالاستفتاء الأخير على انفصالهم عن العراق، وتعهدهم بعدم السماح لبغداد بانتزاع كركوك من سيطرتهم، كما ونكثوا عهوداً مع السنّة في تعهّدهم بمنع دخول المليشيات بمعارك الفلوجة والموصل، وفعلاً دخلتها وتسببت بجرائم طائفية بشعة هناك، وما زالت مسيطرة في تلك المدن. وحتى بالنسبة للمكوّن المسيحي، سبق أن وعد الأميركيين بوقف تشجيع هجرة المسيحيين من العراق بتعهدات للكنيسة في الموصل وكركوك، لكن رغم ذلك الولايات المتحدة سهّلت هجرتهم واستيطانهم". ورجّح الحمداني أن "تصعّد الولايات المتحدة من إجراءاتها ضدّ إيران بعد التطورات الأخيرة في العراق، على الساحة السياسية وحتى الأمنية منها".

في المقابل، وبعد اكتمال متطلّبات تفعيل دور البرلمان العراقي من خلال انتخاب رئيس له من المكوّن السنيّ، ونائبين شيعي هو حسن كريم الكعبي، وكردي هو بشير الحداد، الذي تمّ انتخابه أمس بعد حصوله على 186 صوتاً، تتّجه الأنظار إلى الأكراد في حسم خيارهم داخلياً، وتقديم اسم مرشحهم لرئاسة الجمهورية، وهو منصب فخري لا يمنحه الدستور العراقي صلاحيات تنفيذية تذكر. وقد حدّد البرلمان العراقي أمس، يوم الثلاثاء المقبل موعداً لفتح باب الترشّح لهذا المنصب.

وفي هذا السياق، قال منصور البعيجي، القيادي في كتلة "البناء"، وهو الاسم الذي اختاره معسكر المالكي ـ العامري داخل البرلمان العراقي الجديد، "من حقّ أيّ عراقي التقدّم لمنصب رئاسة الجمهورية، لكن المتعارف عليه أنه من حصّة الأكراد، ونحن بانتظار أن يقدّموا مرشحهم، وحتى ظهر (أمس) الأحد، كان الأقوى بين الأسماء المطروحة حظوظاً هو برهم صالح".

وتابع البعيجي في حديث لـ"العربي الجديد"، بالقول "دستورياً وبعد انتخاب الرئيس داخل البرلمان، يقوم بعد 15 يوماً من جلسة انتخابه بدعوة رئيس الكتلة الأكثر عدداً لتشكيل الحكومة خلال 30 يوماً"، معتبراً أنّ تحالفه الممثل بـ"الفتح" و"دولة القانون" هو "الكتلة الأكثر عدداً الآن، بدلالة فوز مرشحهم برئاسة البرلمان" في إشارة إلى محمد الحلبوسي الذي دعمته كتل المعسكر القريب من إيران.

وحول الحكومة، قال البعيجي "في الحقيقة حتى الآن لم يتمّ التوصّل لأيّ اتفاق نهائي حول اسم رئيس الحكومة الجديدة، لكنّ الحوارات مستمرة مع الآخرين"، في إشارة إلى تحالف "سائرون". غير أنّ القيادي في تحالف "الوطنية" بزعامة إياد علاوي، النائب كاظم الشمري، أكّد لـ"العربي الجديد"، أنّ الكتلة الأكثر عدداً داخل البرلمان "لم تحسم بعد، متوقعاً أن تحسم المحكمة الاتحادية الموضوع".

وأضاف الشمري في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الخطوة انتهت باكتمال انتخاب رئيس للبرلمان ونائبين له، والآن يجب أن ينتخب رئيس الجمهورية ليكلّف الكتلة الأكثر عدداً بتشكيل الحكومة، وهذه كلها مدد دستورية"، مستدركاً بالقول "الآن تحالف البناء يقول نحن الأكثر عدداً، معتمداً على تواقيع النواب الذين جمعهم لصالحه بينما الإصلاح (معسكر الصدر ـ العبادي) يقول نحن الأكثر عدداً، معتمداً على الطريقة التي اعتمدت عام 2010 و2014 بتواقيع رؤساء الكتل فقط من دون أعضاء الكتل. لذا أعتقد أنّ الأمر سيذهب من خلال رئيس البرلمان الجديد إلى المحكمة الاتحادية التي هي من ستبتّ في الموضوع".

لكنّ عضو التيار المدني، وضاح السعد، أشار إلى "تراجع أهمية من سيكون الكتلة الكبرى داخل البرلمان، كون سيناريو تشكيل الحكومة سيكون توافقيا بين المعسكرين لضمان عدم إسقاط الحكومة، وكذلك ضمان وقف ابتزاز الأكراد للمعسكرين الشيعيين، في ما يتعلق بكركوك، ومطالبتهم بدخول البشمركة لها، مقابل التحالف مع أي منهم. إذ إنّ قيام أحد المعسكرين بهذا التنازل يعني انتحارا سياسيا داخل الشارع الشيعي خصوصاً، والعربي عموماً في العراق".