قوبلت تشكيلة فريق الحوار الوطني، التي أعلنت عنها الرئاسة الجزائرية مساء الخميس، بارتياب كبير من قِبل القوى السياسية والمدنية والناشطين في الحراك الشعبي، على خلفية ضمّها وجوهاً غير معروفة وليست لها أي سوابق سياسية ونضالية، وكذلك خلو الفريق من الشخصيات السياسية والتاريخية التي كانت أسماؤها متداولة في وقت سابق، على غرار رئيسي الحكومة السابقين مولود حمروش ومقداد سيفي، ووزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي.
وضم الفريق الذي أعلنت عنه الرئاسة لإدارة الحوار الوطني، رئيس البرلمان السابق كريم يونس، والخبيرة الدستورية فتيحة بن عبو، والخبير الاقتصادي الناشط في الحراك الشعبي إسماعيل لالماس، والنقابي عبد الوهاب بن جلول، والأستاذ الجامعي عز الدين بن عيسى، وعضو المجلس الدستوري السابق بوزيد لزهاري. وقالت الرئاسة في بيان لها، إنها "اعتمدت في تشكيل مجموعة الشخصيات التمثيلية والتوافقية، والتي أخذت متسعاً من الوقت، على مقترحات وتوصيات فعاليات المجتمع المدني وممثلي المنظمات، من الشخصيات التي تتمتع بالسلطة المعنوية والمصداقية الضروريتين، شخصيات مستقلة ليس لديها أي انتماء حزبي أو طموحات انتخابية".
وقال القيادي في حركة "مجتمع السلم" أحمد صادوق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الشخصيات التي عُهد إليها بإدارة الحوار كانت مفاجئة بالنسبة لنا وأقل بكثير من التوقعات"، مضيفاً "مع قبول الحركة للحوار كمبدأ لحل الأزمة، إلا أننا لا نعتقد أن هذا الفريق قادر على إدارة سليمة للحوار".
وخلت تشكيلة الفريق من شخصيات بارزة تتمتع بالكاريزما السياسية اللازمة في مثل هذه المواقف والمراحل الحساسة. وبرأي الباحث في علم الاجتماع السياسي، الناشط ناصر جابي، الذي كان ضمن الفريق المقترح لإدارة الحوار الوطني، فإن تشكيلة فريق الحوار تثبت أن السلطة لم تتحرر من الخوف من المعارضة، وليست لديها الرغبة في تكريس انفتاح كبير على الشخصيات السياسية المرجعية التي تتمتع بكاريزما ولديها قدرة على الإقناع ويمثل حضورها ضمانة أساسية. وقال جابي لـ"العربي الجديد"، إن "السلطة رفضت إسناد إدارة الحوار إلى شخصيات ثقيلة لتخوّفها من أن تخفق في فرض تصوراتها على هذه الشخصيات، وإمكانية أن تقوم هذه الأخيرة بالتحوّل إلى مركز ثقل ندي للسلطة وإعطاء جدية أكبر للحوار لا تريدها السلطة". وكان جابي يشير بوضوح إلى دور الجيش كسلطة فعلية في منع إسناد الحوار لشخصيات قوية، ورفعه فيتو على شخصيات سبق لرئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح أن وصفها بالمُغامِرة.
وبينما استبعدت السلطة شخصيات توافقية اقترحها الحراك الشعبي، بدت تشكيلة فريق الحوار متناصفة بين السلطة والحراك. وربط القيادي في منتدى "الحراك الشعبي الأصيل" يحيى جعفري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تشكيلة الهيئة بخضوعها لمنطق المحاصصة، إذ يمثّل ثلاثة من أعضائها السلطة، أو هم أقرب إليها (كريم يونس وبوزيد لزهاري وعز الدين بن عيسى)، ويمثّل الثلاثة الباقون الحراك الشعبي (فتيحة بن عبو وإسماعيل لالماس وعبد الوهاب بن جلول). واعتبر جعفري أن فرصة تشكيل هيئة حوار تعد فرصة ضائعة كان يمكن أن تكون ممراً إلى الحل السياسي للأزمة الراهنة.
ويسود الاعتقاد لدى مجمل القوى الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي في الجزائر، أن السلطة قد تكون جهزت المخرجات المتعلقة بهيئة الحوار، في علاقة بمسودة الإطار القانوني لإنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات (مقترح قانون تم تسريب أجزاء منه) ومقترح تاريخ الانتخابات (حُدد وفق التسريبات في النصف الثاني من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل)، وبادرت بتشكيل فريق الحوار كواجهة وقناة لتمرير هذه المخرجات ودفع الشركاء السياسيين إلى القبول بها. ويدعم هذا الاحتمال لجوء السلطة إلى تكليف رئيس المؤسسة التشريعية (البرلمان) السابق كريم يونس، برئاسة الهيئة. وقال الناشط البارز في الحراك الشعبي وفي "الكتلة المدنية للتغيير"، مسعود بوديبة، لـ"العربي الجديد"، إن تركيبة اللجنة التي غلب عليها الطابع التقني تؤشر إلى أن السلطة تبحث عن تزكية سياسية لمخرجات جاهزة مسبقاً، موضحاً أن "ضم السلطة لسيناتور سابق، بوزيد لزهاري، وهو أبرز مساندي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وكان هو المهندس الرئيس للتعديلات الدستورية التي ساعدت بوتفليقة في تمديد فترة حكمه في نوفمبر 2008، وفي تعديلات الدستورية الهزيلة في 2016، يؤشر إلى أن السلطة لا تبدي أي جدية في التعامل مع الأزمة، وتتعاطى بعبثية سياسية كبيرة". وحمّل بوديبة السلطة مسؤولية استمرار الانسداد، وما ستؤول إليه الأوضاع في وقت لاحق.
أما الأحزاب السياسية في الجزائر فلم تتجاوز حتى الآن صدمة "التشكيلة الهزيلة لفريق الحوار"، إذ لم يعلن أي حزب سياسي موقفاً بشأنها. لكن المواقف والتحاليل الأولية تذهب كلها إلى اعتبار أن خطوة السلطة لم تكن موفقة في الإعلان عن تشكيلة وُصفت بالهزيلة لإدارة الحوار الوطني في ظرف بالغ الحساسية يتسم بثورة سلمية وشارع متوتر لا يبدو مستعداً هذه المرة للتراجع عن مطالبه، وهو ما ينقل الأزمة السياسية إلى مرحلة لاحقة قد يكون فيها الصد السياسي ضد فريق الحوار العنوان الأبرز، ما يؤشر بحسب كثير من المراقبين، إلى فشل محتمل لفريق الحوار، وبما قد يدفع السلطة إلى المبادرة لتشكيل فريق حوار ثانٍ أو ضم شخصيات سياسية أكثر مصداقية إلى الفريق، لإقناع القوى السياسية والمدنية بالمشاركة في المسار السياسي الانتخابي المرتقب.