يعود اتفاق "بريكست" ليحتل صدارة المشهد السياسي في بريطانيا بعد انتهاء العطلة الشتوية للبرلمان واقتراب موعد التصويت على الصفقة، التي أبرمتها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، مع الاتحاد الأوروبي نهاية العام الماضي.
وبينما كانت الحكومة البريطانية قد سحبت الصفقة من أمام البرلمان شهر ديسمبر/ كانون الأول بعد فشل جهودها في كسب أغلبية برلمانية، تتجه ماي إلى الطلب من الاتحاد الأوروبي أن تكون نهاية عام 2021 الموعد الأقصى للتوصل إلى اتفاق تجاري بين الطرفين.
وتهدف ماي من الحصول على هذا الالتزام من الجانب الأوروبي إلى تجاوز عقبة خطة المساندة، التي يعارضها أغلبية البرلمانيين، وكانت السبب الرئيس وراء تأجيل التصويت على الاتفاق إلى يوم الثلاثاء المقبل.
وعلى الرغم من عدم حدوث أي تطورات تذكر على اتفاق "بريكست" خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، فإن وزير الدولة لشؤون "بريكست"، كواسي كوراتينغ يعتقد بقدرة رئيسة الوزراء على كسب التصويت في موعده المقرر الأسبوع المقبل. وقال في مقابلة مع "بي بي سي": "الخطة أن نكسب التصويت يوم الثلاثاء، أو أينما أتى. الخطة والتركيز والهدف ينصب على كسب التصويت".
أما البرلمان البريطاني فيسعى إلى تطبيق إغلاق حكومي على النموذج الأميركي، من خلال مبادرة جمعت نواباً من حزبي المحافظين والعمال، في مسعى لعرقلة التوجه نحو سيناريو عدم الاتفاق.
وتقدم عدد من النواب عن الحزبين البريطانيين بتعديلات على مشروع قانون التجارة، تسمح للحكومة بتعديل الضرائب بعد "بريكست" فقط، في حال تبني البرلمان للاتفاق أو تبنيه لسيناريو عدم الاتفاق أو تبني تأجيل موعد "بريكست". ويقول النواب إن الهدف من هذا التعديل يكمن في نفي احتمال وقوع "بريكست" من دون اتفاق، نظراً لمعارضة الأغلبية البرلمانية له.
ويعني ذلك عملياً أنه في حال إقرار التعديل، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، فإن الحكومة البريطانية ستصاب بالشلل الوظيفي، وخاصة أن مشروع قانون التجارة الذي يتداوله البرلمان حالياً أساسي للعمل بقوانين منظمة التجارة الدولية، التي سيتم اللجوء إلى قواعدها في حال عدم الاتفاق.
وقالت النائب عن حزب العمال يفيت كوبر، وأحد النواب الذين تقدموا بالتعديل: "إن مخاطر الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق على اقتصادنا وأمننا كبيرة جداً، وسيكون من غير المسؤول السماح بحدوثه. لا أعتقد أن البرلمان سيدعم عدم الاتفاق، ويجب على الوزراء نفي احتماله".
إلا أن وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، الذي يعدّ من أشدّ المدافعين عن "بريكست" مشدد، قال في مقاله الأسبوعي في صحيفة "ذي تلغراف"، إن الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق هو "بريكست" الأقرب لما صوت له البريطانيون عام 2016. ودافع جونسون في مقاله عن التجارة على قواعد المنظمة العالمية مع الاتحاد الأوروبي، مستدلاً بنتائج استطلاعات الرأي التي تكشف تفضيل البريطانيين للخروج من دون اتفاق على صفقة ماي.
وبينما تقدم أكثر من 200 نائب بريطاني برسالة إلى رئيسة الوزراء يطالبونها بسحب خيار عدم الاتفاق عن الطاولة، كشف استطلاع للرأي أجرته منظمة "يوغوف" البريطانية أنه في حال إعادة استفتاء عام 2016، فإن الغلبة ستكون لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 54 في المئة. أما في حال كانت خيارات الاستفتاء الثاني بين البقاء في الاتحاد الأوروبي وعدم الاتفاق، فإن التأييد للاتحاد الأوروبي يرتفع إلى 58 في المئة. وفي حال كان الخيار بين البقاء في الكتلة الأوروبية أو صفقة ماي، فإن خيار البقاء يرتفع تأييده إلى 63 في المئة.
وإلى ذلك، لا تزال سياسة حزب العمال تجاه "بريكست" مضطربة، وخاصة بعدما أعلن وزير التجارة الدولية في حكومة الظل المعارضة، باري غاردينر، استعداد حزبه لطرح خطته لـ"بريكست" على التصويت الشعبي، وذلك في حال رفض البرلمان لصفقة ماي.
ويعاني العمال من اختلاف الرؤية بين قواعده الشعبية، التي كشف الاستطلاع السابق عن دعم 75 في المئة منها للاستفتاء الثاني، وبين قياداته التي ترفض مثل هذه الخطوة. فقد كانت وزيرة الخارجية في الحكومة المعارضة، إيميلي ثورنبيري، قد اتهمت مؤيدي الاستفتاء الثاني بتشتيت الحزب، بينما قال مدير الحزب، إيان لافري، إن الاستفتاء الثاني سيكون مهيناً للناخبين.
إلا أن غاردينر يرى أن "أسرع الطرق للوصول إلى التصويت الشعبي ستكون في التقدم بانتخابات عامة، لأن سنّ التشريع الخاص بالاستفتاء سيحتاج إلى الكثير من الوقت".
وأضاف أن حزب العمال في مثل هذه الانتخابات، "سيكشف عن خطته للتفاوض مع أوروبا وسيحاول تطبيق بريكست، وحينها سيكون من المنطقي التوجه بهذه الصفقة إلى الشعب"، مذكراً بأن سبب الفوضى الحالية هو خطوط ماي الحمراء، وأن انتخابات عامة ستؤدي لإعادة صياغة هذه الخطوط الحمر.