بريطانيا تتجه لتوقيع الانفصال وسط مؤشرات اقتصادية قوية

21 مارس 2017
تيريزا ماي تقود بريطانيا لمغادرة أوروبا (Getty)
+ الخط -
مع إعلان يوم 29 المقبل من شهر مارس/ آذار الجاري، موعداً لتوقيع "الفقرة 50" من اتفاقية لشبونة، التي تعني دستورياً الانفصال البريطاني الرسمي من دول الاتحاد الأوروبي، يبدو السوق البريطاني هادئ تماماً وأن الجنيه الإسترليني يواصل الاستقرار حول مستوياته المتأرجحة بين 1.22 و1.23 مقابل الدولار، كما أن مؤشر "فاينانشيال تايمز 100" لقياس الأسهم البريطانية يواصل الارتفاع، حسب الأرقام التي أعلنتها البورصة البريطانية طوال الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الجاري.
وفي ذات التوجه الإيجابي تتوقع وزارة الخزانة نمو الاقتصاد البريطاني خلال العام الجاري بنسبة 2.0% وسط انخفاض معدل البطالة وتواصل انتعاش القوة الشرائية مدعومة بانخفاض سعر الإسترليني، خاصة من المتسوقين الأجانب أصحاب العملات الدولارية او تلك المرتبطة بالدولار.
ولكن رغم هذه المؤشرات الإيجابية، تثار مخاوف من تداعيات توقيع الانفصال على الاقتصاد البريطاني، ورغم أن هذه التوقعات المثارة ليست متشائمة مثلما كانت في السابق حينما أعلن عن نتائج استفتاء "بريكست"، لكنها تظل مقلقة لبعض الأعمال التجارية.
وحسب مراقبين يمكن النظر إلى هذه المخاوف من ثلاثة محاور وهي:
- الأول يتعلق بضغوط المضاربات على الجنيه الإسترليني، حيث يتوقع مصرفيون أن يواجه الإسترليني بعض الضغوط في أسواق الصرف في أعقاب التوقيع، حيث سيعمل بعض كبار التجار في سوق الصرف على التكسب من الفترة التي تلي مباشرة توقيع " الفقرة 50" من اتفاقية لشبونة.
- الثاني يتعلق بالموجودات والأصول البريطانية من أسهم وسندات.
- الثالث يتعلق بتخوف الشركات البريطانية، خاصة الصغيرة والمتوسطة من عرقلة مرور بضائعها إلى دول الاتحاد الأوروبي، كما أن هنالك تساؤلات حول نوعية المعاملة التي ستحظى بها الصادرات البريطانية إلى السوق الأوروبي خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد لسنتين يتم خلالها شكل العلاقة التجارية بين بريطانيا والكتلة الأوروبية.
على صعيد المحور الأول المتعلق بالعملة البريطانية، يلاحظ أن الإسترليني قفز أمس بنسبة 0.8% إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع، بعدما أظهرت بيانات، أن التضخم البريطاني ارتفع الشهر الماضي متجاوزاً مستوى 2% الذي يستهدفه بنك إنكلترا المركزي وذلك للمرة الأولى منذ نهاية 2013، إلا أن العديد من المصارف الاستثمارية ومن بينها " مورغان ستانلي" و"غولدمان ساكس"، تتوقع أن يتعرض الإسترليني لبعض المضاربات على المدى القصير وفي أعقاب توقيع الاتفاقية.

لكن في مقابل هذه المضاربات، فإن الإسترليني يستفيد من مناخ الاضطراب السياسي الذي تعانيه أوروبا واحتمال تردي العلاقات التجارية بين بروكسل وواشنطن في أعقاب اللقاء العاصف بين المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الجمعة الماضي.
ويشير هذا اللقاء الذي اتسم بالمواجهة بأن إدارة ترامب تنوي معاقبة الصادرات الأوروبية، وبالتالي، يرى مصرفيون في حي المال البريطاني، أن الإسترليني ربما لا يهتز كثيراً بقدر ما يتعرض لـ" خضة" بسيطة، في أعقاب توقيع وثيقة الانفصال من أوروبا.
لكن في مقابل هذه التوقعات يرى مصرف " بانك أميركا ـ ميريل لينش" الأميركي، في تقرير بهذا الصدد، أن الإسترليني سيرتفع بقوة في النصف الثاني من عام 2017، مع احتمال أن يقود ارتفاع التضخم إلى إقناع" بنك إنكلترا"، البنك المركزي البريطاني، إلى رفع سعر الفائدة، كما سيستفيد كذلك من صعود التيارات الشعبوية في أوروبا والشراكة التجارية بين بريطانيا وأميركا وربما زيادة تدفق الاستثمارات الصينية في لندن.
وتعمل بريطانيا حالياً على التفاوض حول اتفاقات شراكات تجارية ومناطق تجارة حرة مع كل أميركا ودول الخليج.
ويرى خبراء أن هذه الشراكات التجارية ستعمل على زيادة الصادرات البريطانية وربما تدفعها لبلوغ المستوى الذي تستهدفه الحكومة في عام 2020 والمقدر بحوالي ترليون جنيه إسترليني (حوالى 1.23 ترليون دولار). وهذا الرقم المستهدف يساوي ضعف حجم الصادرات الحالي.
وكان مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، قد ذكر أمس إن أسعار المستهلكين قفزت بنسبة أكبر من المتوقع لتبلغ 2.3% على أساس سنوي وتسجل أكبر زيادة منذ سبتمبر/أيلول 2013 وارتفاعاً من 1.85 في يناير/كانون الثاني. لكن رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية بغرف التجارة البريطانية في لندن، سورين ثيرو، يرى في مذكرة، أن معدل التضخم سيرتفع إلى أعلى من هذا المعدل خلال العام الجاري وربما يصل 3% خلال العام المقبل 2018.
ويقول في المذكرة، أن انخفاض قيمة الإسترليني مع ارتفاع سعر المحروقات والسلع الأولية الداخلة في التصنيع، ربما تدفع التضخم إلى أعلى من المعدل الذي يستهدفه البنك المركزي البريطاني. وهذه التوقعات ترفع من احتمال رفع الفائدة البريطانية خلال الشهور المقبلة، وهو ما سيؤدي تدريجياً إلى رفع سعر الإسترليني.
ويلاحظ أن سعر الإسترليني ارتفع بنسبة 0.4 % من 1.2416 دولار إلى 1.2462 دولار بعد صدور بيانات التضخم وهو أعلى مستوى منذ 28 فبراير /شباط. كما سجل أعلى مستوى خلال اليوم أمام اليورو عند 86.62 بنساً. لكن خبراء الصرف في حي المال يرون أن هذا الارتفاع عارض، ولا يمكن الركون إليه خلال الاسابيع المقبلة.
على صعيد المحور الثاني وهو المحور التجاري، يرى مسح نشره أمس، اتحاد الأعمال التجارية الصغيرة البريطاني، أن الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة في بريطانيا تتخوف من تداعيات الانفصال على انسياب بضائعها إلى أوروبا.
وتتمثل هذه المخاوف في نقطتين حسب المسح، الأولى، زيادة التعرفة الجمركية على صادراتها إلى أوروبا، والثانية إجراءات الفحص البيروقراطية التي ربما تواجهها بضائعها على الحدود مع دول الاتحاد الأوروبي.
وحسب توقعات خبراء، فإن دول الاتحاد الأوروبي ربما ترفع التعرفة الجمركية على البضائع البريطانية بعد الانفصال بنسبة تراوح بين 2 إلى 4.0%. كما أن البضائع المصدرة من بريطانيا إلى أوروبا تحمل معظمها بواسطة الشاحنات التي من المتوقع أن تتوقف لفترات طويلة في مناطق العبور لفحص الوثائق والأوراق الثبوتية، وهو ما سيقود في النهاية إلى عرقلة أعمالها التجارية مع أوروبا.
أما على صعيد أسواق المال، فمن الملاحظ أن مؤشر " فاينانشيال تايمز" يواصل ارتفاعه المستمر مستفيداً من النمو القوي للاقتصاد البريطاني. ويبدو أن التدفقات الاستثمارية الخارجية في سوق المال البريطاني تتجه نحو الزيادة مع حسم بريطانيا موقفها مع أوروبا والتوجه الإيجابي نحو توقيع اتفاقات تجارية جديدة مع اقتصادات قوية، وذلك حسب تصريحات أدلى بها البرلماني البريطاني من حزب المحافظين جون ريدوود.
وعلى الصعيد الاستثماري، يتوقع الخبير الاقتصادي جون ريدوود أن يتواصل ارتفاع مؤشر "فوتسي 100" خلال العام الحالي، مستفيداً من تحسن ربحية الشركات البريطانية والشراكات التجارية واحتمال عودة المستثمرين الذين كانوا قد ترددوا في وضع أموالهم في بريطانيا خلال الأشهر التي تلت استفتاء "بريكست".
لكن على الرغم من هذا التفاؤل الذي تدعمه الأرقام، هنالك مخاوف من ارتفاع معدل التضخم وتداعياته السالبة على حياة المواطنين، خاصة ذوي الدخول المنخفضة والطبقة الوسطى.
وأشار تقرير نشرته صحيفة" ديلي تلغراف" يوم الإثنين إلى أن الثروة في بريطانيا ارتفعت منذ "بريكست"، ولكن الطبقة الفقيرة لم تستفد من هذا الارتفاع، لأنها لا تملك أسهماً أو استثمارات في الأدوات المالية.
وهنالك شبه إجماع بين الاقتصاديين على أن التضخم ربما يصل إلى 2.5% في المتوسط خلال العام الجاري 2017، إلا أن المعهد القومي البريطاني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية يرى أن التضخم سيرتفع إلى 3.5%.
المساهمون