قبل حوالي خمس سنوات، لم يكن أحد من المتتبعين للشأن السياسي الفرنسي، يتنبأ بأن يصير برنار كازنوف شخصية أساسية في المشهد السياسي. واستطاع المحامي المتخصص في مجال الأعمال، المولود في يونيو/حزيران 1963، من أب معلم وأم موظفة بالقطاع العام في مدينة سانليس، أن يشق طريقه بصمت وعزم، منذ أن تخرج عام 1988 من معهد العلوم السياسية في مدينة بوردو.
وكانت بداية مشواره السياسي في منصب صغير في ديوان وزارة الخارجية عام 1991. وانضم كازنوف بسرعة إلى تيار لوران فابيوس في الحزب الاشتراكي، وكافأه هذا الأخير حين تبناه وبعث به إلى منطقة المانش في الانتخابات النيابية عام 1993. وهناك بنى كازنوف سمعته السياسية، كنائب برلماني ثم كرئيس بلدية لمدينة شيربورغ ابتداء من عام 2001.
وتحول كازنوف إلى ركيزة أساسية خلال ولاية هولاند الرئاسية، ودخل دائرة المقربين الضيقة التي يعتمد عليها الرئيس.
وكانت بداية صعوده في الفريق الرئاسي عام 2012، عندما عينه هولاند ناطقا باسمه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية. ومباشرة بعد فوزه في الرئاسيات بادر هولاند إلى تعيين كازنوف وزيرا مكلفا بالشؤون الأوروبية، وكلفه بمهمة إقناع الغالبية النيابية الاشتراكية بتبني "معاهدة الاستقرار الأوروبية".
وكانت المهمة صعبة وشائكة، لكون هولاند وعد بإعادة التفاوض حولها خلال حملته الانتخابية، وأيضا لأن كازنوف نفسه كان ضمن التيار الاشتراكي الرافض لمشروع الدستور الأوروبي في استفتاء 2005.
ورغم رفض عدد من النواب الاشتراكيين للمعاهدة، تمكن كازنوف من أداء مهمته بنجاح وتم تبني نص المعاهدة في البرلمان بلا مشاكل.
وبعد حوالي العام، وفي خضم الأزمة الكبيرة التي أثيرت حول وزير المالية، جيروم كايوزاك، بسبب تورطه في قضية تهرب ضريبي، عينه هولاند على عجل في منصب المالية في مارس/آذار 2013. ورغم أن كازنوف اعترض في البداية على هذا التعيين الذي لا يناسب تكوينه السياسي والمهني، فقد أظهر مهارة كبيرة لاحقاً في هذه الوزارة الحساسة.
وفي غضون شهور قليلة، صار يتحدث من موقع وزارة المالية بنبرة المتخصص الواثق بنفسه، حتى إن بعض النواب الاشتراكيين صاروا ينعتونه تهكما بـ"الرجل الآلي"، بعدما لاحظوا قدرته الفائقة على التحدث بلغة الأرقام المعقدة، وبنبرة صوته الخفيضة والرتيبة التي تبعث أحيانا على الملل عندما يتدخل للإجابة على أسئلة البرلمانيين في مجلس النواب.
وتمثلت نقطة التحول الكبرى التي جعلت من كازنوف رجل المهمات الصعبة في دائرة المقربين من هولاند، عندما عينه هذا الأخير في إبريل/نيسان 2014 وزيرا للداخلية، بدلا من مانويل فالس، الذي اختاره هولاند رئيسا للوزراء خلفا لجان مارك آيرولت، بعد نكسة الانتخابات البلدية التي مُني بها الحزب الاشتراكي بهزيمة ثقيلة.
ومنذ تعيينه على رأس وزارة الداخلية، واجه كازنوف سلسلة من العقبات والأحداث الأكثر خطورة في تاريخ فرنسا الحديث. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2014، كان عليه احتواء الأزمة التي تمخضت عن مقتل الناشط البيئي ريمي فريس، بعد إصابته بشظية قنبلة صوتية خلال تظاهرة في مدينة سيفانس، احتجاجا على مشروع بناء سد في منطقة "تارن".
ثم جاءت سلسلة الاعتداءات الإرهابية المروعة التي هزت باريس في يناير/كانون الثاني 2015، بدءا من الاعتداء على مقر مجلة "شارلي إيبدو" والمتجر اليهودي. ثم اعتداءات الجمعة السوداء في نوفمبر/ تشرين الثاني، في باريس وضاحية سان دوني. أيضا واجه كازنوف مجزرة نيس في يوليو/تموز الماضي، وبعدها اغتيال الكاهن هاميل في كنيسة بالنورماندي في نفس الشهر.
وخلال هذه الأزمات الساخنة أظهر كازنوف برودة أعصاب لافتة، واستنفارا بدون كلل وحضورا طاغيا في وسائل الإعلام، حتى إن بعض الإعلاميين صار يلقبه بـ"وزير الأخبار" لكثرة ظهوره في التلفزيون عقب كل اعتداء إرهابي، أو لإعلان نجاح أجهزته في إجهاض اعتداءات وشيكة.
وخلال العامين الأخيرين، جسد كازنوف المنعطف الأمني في الولاية الاشتراكية. فهو رجل حالة الطوارئ التي أُعلنت غداة اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الأول، والمسؤول عن إغلاق المساجد المشتبه بإيوائها للمتطرفين، والواقف وراء أوامر الإقامات الجبرية ومنع التظاهرات. ورغم الانتقادات شديدة اللهجة التي تعرض لها من طرف زعماء المعارضة اليمينية، التي اتهمته بالتقصير وبالعجز عن استباق الاعتداءات الإرهابية، فقد حافظ كازنوف على هدوئه وظهر دوما بمظهر المسؤول الأمني الحازم المدافع باستماتة عن أجهزته.
أيضا برز نجم كازنوف في تناوله لأزمة اللاجئين، بطريقة أشاد بها كثيرون في الحكومة وفي المعارضة، خاصة عندما تم تفكيك مخيم "كاليه" من دون وقوع حوادث عنف. كما نجح كازنوف في المواكبة الأمنية للتظاهرات الاحتجاجية الضخمة ضد قانون العمل التي سمح بتنظيمها رغم حالة الطوارئ.
وفي الشهور الأخيرة، بدا واضحا أن كازنوف حرص على عدم التورط في الخلاف المستعر بين هولاند وفالس. كما أنه لم ينتقد أبدا أية مبادرة حكومية، بخلاف العديد من الوزراء الآخرين. وباختياره رئيسا للوزراء، يراهن هولاند على نهاية ولاية رئاسية هادئة بعيدا عن الاضطرابات العنيفة، في سياق انتخابات تمهيدية داخل الاشتراكي ستُشهر فيها كل أنواع الأسلحة الهجومية بين المتنافسين. وفي ظل سياق يتوقع فيه المراقبون أفولا تاريخيا لليسار في مواجهة اليمين التقليدي بزعامة فرانسوا فيون، واليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان.