برامج مرشحي الرئاسيات التونسية: بين الشعبوية والواقعية وتشابه المضامين

08 سبتمبر 2019
يكاد التونسيون يفقدون الثقة بوعود السياسيين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
منذ انطلاق الحملة الانتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس في 2 سبتمبر/أيلول الحالي، أُطلقت البرامج والوعود، برامج رأى البعض أن هدفها فقط دغدغة مشاعر التونسيين لاستمالتهم والحصول على أصواتهم، في حين رأى آخرون أنها واقعية ومهمة إذا طُبّقت على أرض الواقع. ولكن مع تواتر العديد من الشعارات والوعود السياسية والاقتصادية والاجتماعية أحياناً أخرى، تزداد المخاوف من أن تظل البرامج حبراً على ورق وشعارات رنانة للفوز بالانتخابات، تماماً مثلما حصل في الانتخابات السابقة، إذ يكاد أغلب التونسيين يفقدون الثقة في وعود السياسيين.

ويقدّم المرشحون للرئاسة والأحزاب الداعمة لهم أو مساندوهم، برامج تتشابه أحياناً، مع اختلاف في بعض الجزئيات والعناوين والشعارات، ولكن أغلب البرامج يبدو تطبيقها على أرض الواقع صعباً إن لم يكن مستحيلاً، فالبعض اختار التنمية والمناطق المهمشة والمحرومة في محاولة لاستمالة القواعد الشعبية، فيما اختار آخرون التركيز على العلاقات الخارجية ودول الجوار، كإحياء اتحاد المغرب العربي وتعزيز العلاقات مع دول الجوار.

مرشح حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد تعهد بتغيير تونس نحو الأفضل، مؤكداً أن برنامجه سيجعلها ذات مناعة وأنه استفاد من العراقيل والمكبّلات التي ساهمت في تعطيله وتعزيز المنظومة الأمنية والعمل على دبلوماسية خارجية مبنية على الحياد الإيجابي وذات فاعلية في القضايا الإقليمية التي تهم تونس. في المقابل، فإن مرشح حركة "النهضة" عبد الفتاح مورو، لفت إلى أن البرنامج الذي أعدّته "النهضة" كان نتاج عمل انكبت عليه لجان وخبراء لأشهر عدة من أجل واقع أفضل ومستقبل أحسن، ويقوم على إرساء التعاون وإحياء الاتحاد المغاربي والانفتاح على الأسواق الجزائرية والأفريقية وتعزيز العلاقات مع ليبيا.

أما عبد الكريم الزبيدي، المرشح المستقل للانتخابات، فقال إنه رجل فعل وإنجاز ولن يطلق وعوداً لا يمكنه تحقيقها، مؤكداً أنه سيعمل على تكريس اقتصاد اجتماعي. وأضاف أنه سيعمل على "تحقيق الأمن القومي بمعناه الشامل، وعلى أن تكون الدبلوماسية في خدمة الاقتصاد". ونقلت وكالة الأنباء التونسية عن الزبيدي قوله إن برنامجه يتضمن ست نقاط ومنها: "صيانة هيبة الدولة وسيادتها القائمة على هيبة الشعب وحقوقه في التنمية والعدالة والرفاه، والعمل على صيانة الأمن، والعمل مع الحكومة لدفع التنمية، وصيانة الحريات العامة، ودعم مكاسب المرأة، والعمل على إشعاع تونس دولياً".

أما الرئيس السابق منصف المرزوقي، فأكد وجود مسائل وقضايا رئيسية يجب التركيز عليها، تتعلّق أساساً بالديون والاستثمارات، وأنه سيسعى في حالة الوصول إلى قصر قرطاج لمواصلة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لتحويل ديون تونس الى استثمارات، ومراجعة اتفاقيات الشراكة، مشيراً إلى أن هذه الديون تضرب استقلالية القرارات الاقتصادية والسياسية للبلاد، داعياً إلى الابتعاد عن كل ما يقسّم التونسيين، ومنها مبادرة المساواة في الميراث التي "ستعيدنا إلى مربع الاستقطاب الديني والصراعات الثانوية التي لا طائل منها"، حسب تقديره.

من جهته، تعهّد رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة بتغيير منظومة الانتخابات، وإيقاف السياحة الحزبية، وإصلاح التعليم عبر مشروع العناية بالطفل منذ 3 سنوات لغاية الابتدائي والتكفل بمصاريف تعليمه، وبالتخلي عن كلّ الأوامر والقوانين المتعلقة بالرخص و"التعطيل" في الإدارة وجعلها قاطرة لتحقيق المشاريع. واعتبر جمعة أنّ للدبلوماسية التونسية تقاليد لا بد من المحافظة عليها وهي دبلوماسية محايدة ونشيطة.

وأكدت المرشحة سلمى اللومي الرقيق أن برنامجها الانتخابي هو برنامج حزب "الأمل" الذي أعده عدد من الخبراء، ويتضمّن العمل على تحقيق عدد من الأهداف الاجتماعية مثل توفير مجانية التنقل للمتقاعدين، وتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من امتيازات ستتم عبر المبادرات التشريعية وهي من صميم صلاحيات الرئيس.

كما نقلت وكالة الأنباء التونسية عن المرشح اليساري حمة الهمامي، نيّته "القطع مع المشروع التقليدي للرئيس المعزول عن الشعب والمتعالي والمتجبّر، ليؤسّس لمشروع جديد للرئيس القريب من التونسيين والمتواصل معهم"، قائلاً "إنّ قوّة الرئيس أو المسؤول بصفة عامة تكمن في القرب من الناس، وفي قدرته على فهم مشاكلهم والتعاطي معها بإيجاد الحلول المناسبة لها". واعتبر الهمامي أنّ "سيادة البلاد منتهكة، ولا سلطة لتونس على قرارها ولا على ثرواتها، ولذلك فإنه سيعمل، في حال نال ثقة الناخبين والناخبات في الاستحقاق الرئاسي، على ضمان سيادة تونس على ثرواتها والتدقيق فيها وتوظيف عائداتها لمصلحة البلاد". وأضاف الهمامي أنّه ينوي كذلك "وقف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول الأليكا (اتفاقية التبادل الحر بين تونس والاتحاد)، والشروع في التدقيق في الاتفاقيات الخاصة بالثروات التونسية وبالعلاقات التجارية، والقيام بحملة دبلوماسية من أجل إلغاء الديون الكريهة".


وتعليقاً على هذه التعهدات للمرشحين، قال المحلل السياسي عبد الرزاق مختار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن هناك تشابهاً كبيراً في أغلب برامج مرشحي الانتخابات الرئاسية نظراً لمحدودية صلاحيات رئيس الجمهورية، معتبراً أن هناك أحياناً نوعاً من الخلط بين برامج بعض المرشحين، فالوعود قد تكون وعوداً حكومية لا رئاسية، موضحاً أنّ هناك خطابات واقعية وعقلانية وأخرى شعبوية مغرقة في الطوباوية.
ولفت إلى أن برامج الانتخابات الحالية لم تخرج عن إطار وعود وبرامج وخصائص انتخابات 2014 مع اختلاف على مستوى نوعية المرشحين وغياب المرشح الفارق، فهناك تقارب كبير بين عدد من المرشحين لجهة الوزن السياسي.

وكان المنسق العام لشبكة "دستورنا"، جوهر بن مبارك، أكد في تصريح إذاعي، أن الشبكة خلصت في تقريرها الأخير إلى أن الأحزاب الحاكمة ممثلة في حركتي "النداء" و"النهضة" حققت 22 وعداً فقط قدمتها خلال حملتها الانتخابية في 2014 من أصل 138 وعداً متعلقة بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي، أي بنسبة 14 في المائة فقط. وأشار إلى أن هناك 20 وعداً في طور التحقيق و83 لم تنجز، و13 وعداً تعكرت مقارنة بـ2014. وأكد بن مبارك أن الأحزاب الحاكمة لم تحقق 60 من الوعود التي قدّمتها، مشيراً إلى أن بعض القوانين التي قدّمتها الحكومة تخالف وعودها الانتخابية، وفق تعبيره.

ورأى المسؤول عن الإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ انتخابات 2019 لديها ميزة أخرى، فعناوين الانتخابات مغايرة وستكون مختلفة عن 2014، إذ خرجت تونس في 2014 من تجاذب سياسي وكانت الانتخابات مبنية على الحد من سيطرة الترويكا، ولكن الانتخابات الحالية لم تُبنَ على برامج واقعية بل على مجموعات نفوذ، والدليل أن لكل مرشح ماكينة ومساندين لا يجمعهم البرنامج بقدر ما تجمعهم المصالح والولاءات.

واعتبر بن عمر أن بعض الملفات لن تكون مهمة في برنامج رئيس الجمهورية، خصوصاً إذا لم يكن مسنوداً من حزب سياسي وكتلة نيابية قوية، مشيراً إلى أن المنتدى وجّه أسئلة كتابية إلى مرشحي الرئاسية حول موقفهم من العلاقات الخارجية والاتحاد الأوروبي وبعض الاتفاقيات كالأليكا، وخصوصاً الموقف من الهجرة. وقال إنه لا يمكن لمرشحي الرئاسية تقديم وعود اجتماعية واقتصادية، فالانتخابات التشريعية تحدد مسؤولية النواب والحكومة وتحدد صلاحيات كل مرشح سواء للرئاسية أو التشريعية، مشيراً إلى أنّ بعض المسائل الهامة كـ"العلاقة بالمسائل الخارجية لا نجدها في برامج مرشحي الرئاسية".

أما رئيسة مرصد "شاهد" القاضية ليلى بحرية، فلفتت إلى أن المطلوب من مرشحي الرئاسيات تقديم برامج واقعية يسهل تحقيقها ومرتبطة بالواقع التونسي وتعمل على إصلاحه وتحترم الحريات وتكون في كنف الدستور في انتظار صدور بقية البرامج، لأن هناك من لم يقدّم تفاصيل برنامجه بعد، مضيفة في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ هناك وعوداً واقعية وقابلة للتنفيذ وأخرى يصعب تحقيقها وبالتالي يجب على الناخب التمييز بين الوعود والبرامج التي يمكن تجسيدها على أرض الواقع، وتلك الواهية.

وأكدت بحرية أنه ليس مطلوباً برامج طويلة وتتكوّن من العديد من الصفحات أو تحمل التونسي إلى عالم خيالي بعيد عن واقعه، فهناك برامج نراها في دول ديمقراطية قامت على جملة واحدة وعلى نقطة واحدة وأوصلت المرشحين للرئاسة، معتبرة أن وعداً واحداً قد يُنجح مرشحاً ويكسبه الفوز ويلامس واقع الناس. وأشارت إلى أن الحديث عن محدودية صلاحيات رئيس الجمهورية غير صحيح، لأن من صلاحيات رئيس الدولة المبادرات التشريعية، ومن ضمنها يمكن أن يقدّم العديد من المقترحات والأفكار، وبالتالي يستطيع من خلال هذه الصلاحية تقديم العديد من الوعود شرط أن تكون واقعية وقابلة للتنفيذ. وأكدت أنهم سيراقبون الحملة الانتخابية وسيرها.