برامج قناة "لنا" السورية: دسّ السم في العسل

03 نوفمبر 2018
رابعة الزيات على درج قلعة حلب (فيسبوك)
+ الخط -
تزامن افتتاح قناة "لنا" السورية الخاصة مع انطلاقة الموسم الرمضاني الماضي، إذْ طرحت القناة نفسها كقناة خاصة بإعادة إحياء الدراما السورية. وعرضت، على مدار الأربع وعشرين ساعة، مسلسلات سورية قديمة ذات شعبية كبيرة من قبل الجمهور السوري على الأخص، والجمهور العربي عموما. حاولت قناة "لنا" أن تسوق نفسها باعتبارها منبراً محايداً، وبعيداً كل البعد عن السياسة، خاصةً أنها عرضت العديد من الأعمال التي شارك فيها فنانون معارضون للنظام السوري، أمثال جمال سليمان ومي سكاف والمخرج هيثم حقي، إضافة إلى عدم اجتزاء أي مشاهد من الأعمال الدرامية القديمة التي يظهر فيها علم الثورة السورية، على العكس مما تقوم به القنوات السورية التابعة للنظام، والتي تمنع عرض تلك المشاهد، أو عرض أعمال أبطالها فنانون معارضون. لكن، يبدو أن قناة "لنا" استغلت الشعبية التي نالتها، لجذب فئة كبيرة من المتابعين، لتبدأ مؤخراً ببث رسائلها السياسية الداعمة للنظام السوري.

بعد شهرين على انطلاقة القناة، بدأت "لنا" ببث فقرات وبرامج قصيرة لا تتعدى مدتها الزمنية عشرين دقيقة كفواصل بين المسلسلات. والبداية كانت مع برنامج "ذكريات" الذي يتناول في كل حلقة سيرة حياة نجم من نجوم العالم العربي خلال القرن الماضي. ولكن، إذا كان النجم الذي يتم تناول سيرة حياته يمتلك أي موقف سياسي يتعارض مع النظام السوري، يتم التلاعب بسيرته الذاتية واختلاق حكايات عنه، كالفنان السوري الراحل طلحت حمدي، الذي غادر سورية عام 2012 لمعارضته النظام السوري، ودعمه للثورة ضده. فقامت مقدمة البرنامج بتشويه الحقيقة، وادعت أن حمدي غادر من سورية إلى الأردن في عام 2012 لبحث عن فرصة عمل هناك!


بعد ذلك، بدأت "لنا" ببث سهراتها الأسبوعية. فتعاقدت مع الممثلة السورية، أمل عرفة، لتقديم برنامج "في أمل"، والإعلامية اللبنانية رابعة الزيات لتقديم برنامج "لنا مع رابعة". وللوهلة الأولى يبدو البرنامج ترفيهياً لا أكثر، إلا أن الحلقة الافتتاحية صُوِّرت في قلعة حلب، حيث تغطي القلعة صورة بحجمها لبشار الأسد. وفي أسفلها تجلس رابعة مع ضيوفها الذين تم اختيارهم بعناية، فجميعهم مؤيدون للنظام، وتذكّرهم رابعة بأنه مر على حلب الكثير من الحزن، وأنهم لولا "الانتصارات" لما استطاعوا الغناء في هذه القلعة مجدداً. لتتضح معالم البرنامج من حلقته الأولى. ولكن الخطاب السياسي في "لنا" أكثر ذكاء من خطاب إعلام النظام السوري المباشر، فرغم أن "لنا" لا تقدم أفكارا مغايرة في المضمون عما يُقدم في القنوات السورية الأخرى، ولكن الشكل وأسلوب الطرح لا يبدو بذات الفجاجة.

ومؤخراً بدأت قناة "لنا" ببث برنامج "منقدر" الجديد، الذي يقوم بتقديمه علي بوشناق، والهدف من البرنامج، حسب تصريحات بوشناق، هو إعطاء دفعة أمل للشباب الذين حطمت الحرب أحلامهم، فتحدث في حلقته الأولى عن دولة رواندا والحرب الأهلية التي دارت بداخلها بين قبائل "الهوتو" و"التوتسي"، واعتبر أن ما يجري في سورية مشابه لما دار في رواندا، فبرأ السلطة من خلال إرجاع السبب إلى الحرب الأهلية القائمة بين موالين ومعارضين للنظام. وحسب روايته، فإن دولة "رواندا" استطاعت النهوض من دمارها من خلال الحوار والتسامح بين القبيلتين والغفران الذي تبادله الطرفان تجاه القتلة وإعادة اللاجئين إليها لإعمارها من جديد. ناصحاً السوريين بالاقتداء بـ"رواندا" من خلال رسائل مباشرة تدعو إلى التخلي عن مفهوم الثورة، والحوار مع النظام، وعودة اللاجئين، وغض الطرف عن الجرائم التي حدثت خلال السنوات الماضية، واقترح أن الحل الوحيد هو العودة إلى إعادة الإعمار.

وهنا يجب أن لا ننسى أن صاحب القناة هو رجل الأعمال سامر فوز، المقرب من النظام السوري، الذي بدأ يقوم بمشاريع تندرج ضمن مفهوم إعادة الإعمار. وهو يستخدم القناة للإعلان عن المشاريع المقامة بهذا الغرض، والتي هي تابعة بمجملها لشركته "إيمار الشام" القابضة، فالقناة التي تدّعي الحياد وتستخدم الدراما السورية لجذب المتابعين تحاول أن تصدر شخصيات وآراء سياسية، ولا سيما سامر فوز الذي تنقل القناة تصريحات له، وتعرضها باستمرار.
دلالات
المساهمون