جاءنا الطفل إياد، ذو الأربع سنوات، ليلعب مع صديقه نور الدين، ولكن بمجرد دخول إياد، وكنّا لم نره منذ فترة طويلة، لاحظنا تغيّراً ظاهراً في طريقة كلامه. لقد تحدث بالعربية الفصحى الصعبة مع بعض الكلمات الإنجليزية المتقنة السريعة النطق، فأصبح إياد كوكتيلاً مختلطاً غريباً حينما تحاول التركيز معه لتفهم شيئاً لا تعرفه.
هو طفل مصري يعيش في الغربة مع والديه، يدرس في مدرسة، كل مَن فيها يتحدثون الإنجليزية، أما أبواه، وبالرغم من إتقانهما العربية، إلا أنهما يفضّلان الحديث مع ابنهما بالإنجليزية، وقليلاً جداً يستخدمون العربية، بالرغم من نتائج كثير من الدراسات التي أكدت على كون اللغة الأم للطفل هي الأهم والأولى بالاهتمام والتنمية في سنوات العمر الأولى، وعلى كل أبوين الالتفات لذلك.
قنوات الأطفال
إذن من أين جاء إياد بكلماته العربية الصعبة؟
مَن لديه أبناء ويعرف القنوات التي يفضّلها الأطفال هذه الأيام، يعرف أن إياد قد اقتبس عربيته الفصحى من إحدى تلك القنوات التلفزيونية الموجهة للأطفال في سن صغيرة، والتي نجحت بشكل غريب في جذب انتباههم وتحبيبهم في الحديث بالفصحى، كأنهم ينتمون إلى هذا العالم الجميل الملون المليء بالحيوانات والأشجار والألعاب، والذي يودون في كثير من الأحيان العيش داخله، إلا أنهم يعوّضون ذلك بالحديث بالفصحى التي يتحدث بها أبطالهم داخل تلك البرامج.
ولكن ما الهدف من تفضيل بعض قنوات الأطفال لاستخدام الفصحى بالرغم من صعوبتها؟ وهل يعدّ تعليم اللغة العربية للأطفال من خلال البرامج التلفزيونية الترفيهية أمراً ناجحاً؟ وكيف يتقن الكتّاب والمؤلفون اختيار الكلمات العربية السهلة التي يحب الأطفال ترديدها؟
الكتابة بالفصحى
تجيبنا على هذه الأسئلة بسمة الخطيب، كاتبة قصص الأطفال ومؤلفة سيناريو أبرز البرامج التلفزيونية المحببة لدى الأطفال، مثل برنامج "نان وليلى"، الحائز على خمس جوائز دولية، وبرنامج "العم مصلح"، وهما اللذان يجري عرضهما على قناة "براعم" للأطفال.
تقول الخطيب، في البداية، إن الكتابة للأطفال من أصعب أنواع الكتابات، بدليل ندرتها، فالكتّاب يجدون صعوبة في مخاطبة الطفل، لأن الكاتب يكون قد تخطى مرحلة طفولته، فكلما كبرنا قلّ خيالنا، كما أن التربية ومناهج التعليم تقمع الخيال في أحيان كثيرة، وهذا يبرر قلّة إقبال الأطفال على القراءة. فالمشكلة ليست عندهم، ولكنها مشكلة الكاتب والناشر لضعف خيالهم أو ابتعادهم عن عالم الطفولة، وكذلك تقمصهم لشخصية الأستاذ الذي يعرف كل شيء ويعطي المعلومة للأطفال من علٍ. الكاتب غير منوط به إعطاء الأجوبة، ولكنه هو مَن يحفّز الطفل كي يسأل.
كما أن شروط الكتابة للأطفال صعبة ودقيقة، فلا بد من توافر موهبة الحكي الجذاب والحفاظ على انتباه الطفل لما يتم حكيه منذ البداية حتى النهاية، إضافة إلى موهبة تقمّص شخصية الطفل واستيعاب خياله الخصب وذكائه الفطري.
ما يميّز الخطيب أنها لم تبتعد قيد أنملة عن عالم الطفولة، فكما تقول: "حاولتُ جاهدة الحفاظ على الطفل داخلي". كما أنها عملت في مجال تدريس الأطفال في الروضة، وهذا جعلها تحتك كثيراً بهم وبمفرداتهم وأحلامهم وخيالاتهم.
أما عن مهمة الكتابة للأطفال بالفصحى داخل البرامج التلفزيونية الترفيهية، فكما تقول الخطيب هي ليست بالمهمة السهلة، وللقيام بها لا بد من اعتماد منهج التجريب، كأن نتحدث بصوت عالٍ أمام مجموعة من الأطفال المستهدف مخاطبتهم ومن ثم نلاحظ ردة فعلهم، فالأمر أشبه بالعمل الميداني.
أهداف ورؤى متنوعة
أما بالنسبة للقائمين على قنوات الأطفال واختيارهم العربية الفصحى لمخاطبة جمهورهم من الأطفال، تؤكد الخطيب أن هذا يعتمد على هدف ورؤية القناة، وإذا ما كانت قناة ربحية أم لا؟ في بعض الأحيان تكون القناة نفسها جزءاً من مشروع تعليمي هدفه تعليم الأطفال اللغة العربية الفصحى وجعلها سهلة بالنسبة إليهم، وهذه القنوات تتلقى دعماً مادياً كبيراً وترفض "الإعلانات" وفكرة الربح بشكل عام.
وأحياناً أخرى يكون هدف بعض القنوات من تقديم برامج الأطفال بالعربية الفصحى هو الوصول لقاعدة جماهيرية واسعة في الدول العربية كلها، لأن الاعتماد على لهجة معينة قد يحصر الجمهور في دولة واحدة أو اثنتين، وهذه خسارة كبيرة.
وفقاً لرأي الخطيب، فإن معظم القنوات التي تعتمد الفصحى يكون هدفها ضمان التسويق بشكل أساسي. فقنوات الأطفال تركز على الربح، لأن إنتاج برامج الأطفال هو أمر مكلف بحد ذاته، أما تدريس العربية كهدف فليس له الأولوية.
تتحدث الخطيب عن عناصر نجاح قنوات التلفزيون في تقديم الفصحى للأطفال من خلال الحرص على التعلّم من الأخطاء السابقة. فعلى سبيل المثال، إذا شعر كاتب السيناريو بوجود خطأ ما ارتكبه في ما سبق، فلا يخجل من تعديله في المرة القادمة. وعلى سبيل المثال "اكتشفت أن أغنية برنامج "نان وليلى" التي قمت بتأليفها، استخدمت فيها كلمتان "هذا وذلك"، وهاتان الكلمتان من الكلمات التي يصعب نطقها من قبل بعض الجمهور المستهدف من 3 إلى 6 سنوات"، تقول الخطيب: "لو عدت لكتابة الأغنية فلن أستخدمهما مرة أخرى".
اللغة المتداولة
ويكمن نجاح أي قناة أيضاً من خلال الإبقاء على بعض الكلمات بلغتها المتداولة، فلا يتم تنفير الأطفال منها، كأسماء بعض الألعاب، مثل كلمة "بازل"، فالأطفال جميعهم يعرفونها بهذا الإسم، وبالتالي فعندما أترجم بازل إلى "أحجية" فلن يتقبّلها الأطفال وسيشعرون بالملل.
تختتم الخطيب حديثها قائلة إنها غير قلقة على تعلّم الأجيال المتوالية للغة العربية بالرغم من انحسارها في الوقت الحالي، لأنها لغة حيّة وطيّعة وقادرة بجمالياتها وعراقتها وكونها لغة القرآن الكريم على تخطّي الصعاب المحدقة بها.
هو طفل مصري يعيش في الغربة مع والديه، يدرس في مدرسة، كل مَن فيها يتحدثون الإنجليزية، أما أبواه، وبالرغم من إتقانهما العربية، إلا أنهما يفضّلان الحديث مع ابنهما بالإنجليزية، وقليلاً جداً يستخدمون العربية، بالرغم من نتائج كثير من الدراسات التي أكدت على كون اللغة الأم للطفل هي الأهم والأولى بالاهتمام والتنمية في سنوات العمر الأولى، وعلى كل أبوين الالتفات لذلك.
قنوات الأطفال
إذن من أين جاء إياد بكلماته العربية الصعبة؟
مَن لديه أبناء ويعرف القنوات التي يفضّلها الأطفال هذه الأيام، يعرف أن إياد قد اقتبس عربيته الفصحى من إحدى تلك القنوات التلفزيونية الموجهة للأطفال في سن صغيرة، والتي نجحت بشكل غريب في جذب انتباههم وتحبيبهم في الحديث بالفصحى، كأنهم ينتمون إلى هذا العالم الجميل الملون المليء بالحيوانات والأشجار والألعاب، والذي يودون في كثير من الأحيان العيش داخله، إلا أنهم يعوّضون ذلك بالحديث بالفصحى التي يتحدث بها أبطالهم داخل تلك البرامج.
ولكن ما الهدف من تفضيل بعض قنوات الأطفال لاستخدام الفصحى بالرغم من صعوبتها؟ وهل يعدّ تعليم اللغة العربية للأطفال من خلال البرامج التلفزيونية الترفيهية أمراً ناجحاً؟ وكيف يتقن الكتّاب والمؤلفون اختيار الكلمات العربية السهلة التي يحب الأطفال ترديدها؟
الكتابة بالفصحى
تجيبنا على هذه الأسئلة بسمة الخطيب، كاتبة قصص الأطفال ومؤلفة سيناريو أبرز البرامج التلفزيونية المحببة لدى الأطفال، مثل برنامج "نان وليلى"، الحائز على خمس جوائز دولية، وبرنامج "العم مصلح"، وهما اللذان يجري عرضهما على قناة "براعم" للأطفال.
تقول الخطيب، في البداية، إن الكتابة للأطفال من أصعب أنواع الكتابات، بدليل ندرتها، فالكتّاب يجدون صعوبة في مخاطبة الطفل، لأن الكاتب يكون قد تخطى مرحلة طفولته، فكلما كبرنا قلّ خيالنا، كما أن التربية ومناهج التعليم تقمع الخيال في أحيان كثيرة، وهذا يبرر قلّة إقبال الأطفال على القراءة. فالمشكلة ليست عندهم، ولكنها مشكلة الكاتب والناشر لضعف خيالهم أو ابتعادهم عن عالم الطفولة، وكذلك تقمصهم لشخصية الأستاذ الذي يعرف كل شيء ويعطي المعلومة للأطفال من علٍ. الكاتب غير منوط به إعطاء الأجوبة، ولكنه هو مَن يحفّز الطفل كي يسأل.
كما أن شروط الكتابة للأطفال صعبة ودقيقة، فلا بد من توافر موهبة الحكي الجذاب والحفاظ على انتباه الطفل لما يتم حكيه منذ البداية حتى النهاية، إضافة إلى موهبة تقمّص شخصية الطفل واستيعاب خياله الخصب وذكائه الفطري.
ما يميّز الخطيب أنها لم تبتعد قيد أنملة عن عالم الطفولة، فكما تقول: "حاولتُ جاهدة الحفاظ على الطفل داخلي". كما أنها عملت في مجال تدريس الأطفال في الروضة، وهذا جعلها تحتك كثيراً بهم وبمفرداتهم وأحلامهم وخيالاتهم.
أما عن مهمة الكتابة للأطفال بالفصحى داخل البرامج التلفزيونية الترفيهية، فكما تقول الخطيب هي ليست بالمهمة السهلة، وللقيام بها لا بد من اعتماد منهج التجريب، كأن نتحدث بصوت عالٍ أمام مجموعة من الأطفال المستهدف مخاطبتهم ومن ثم نلاحظ ردة فعلهم، فالأمر أشبه بالعمل الميداني.
أهداف ورؤى متنوعة
أما بالنسبة للقائمين على قنوات الأطفال واختيارهم العربية الفصحى لمخاطبة جمهورهم من الأطفال، تؤكد الخطيب أن هذا يعتمد على هدف ورؤية القناة، وإذا ما كانت قناة ربحية أم لا؟ في بعض الأحيان تكون القناة نفسها جزءاً من مشروع تعليمي هدفه تعليم الأطفال اللغة العربية الفصحى وجعلها سهلة بالنسبة إليهم، وهذه القنوات تتلقى دعماً مادياً كبيراً وترفض "الإعلانات" وفكرة الربح بشكل عام.
وأحياناً أخرى يكون هدف بعض القنوات من تقديم برامج الأطفال بالعربية الفصحى هو الوصول لقاعدة جماهيرية واسعة في الدول العربية كلها، لأن الاعتماد على لهجة معينة قد يحصر الجمهور في دولة واحدة أو اثنتين، وهذه خسارة كبيرة.
وفقاً لرأي الخطيب، فإن معظم القنوات التي تعتمد الفصحى يكون هدفها ضمان التسويق بشكل أساسي. فقنوات الأطفال تركز على الربح، لأن إنتاج برامج الأطفال هو أمر مكلف بحد ذاته، أما تدريس العربية كهدف فليس له الأولوية.
تتحدث الخطيب عن عناصر نجاح قنوات التلفزيون في تقديم الفصحى للأطفال من خلال الحرص على التعلّم من الأخطاء السابقة. فعلى سبيل المثال، إذا شعر كاتب السيناريو بوجود خطأ ما ارتكبه في ما سبق، فلا يخجل من تعديله في المرة القادمة. وعلى سبيل المثال "اكتشفت أن أغنية برنامج "نان وليلى" التي قمت بتأليفها، استخدمت فيها كلمتان "هذا وذلك"، وهاتان الكلمتان من الكلمات التي يصعب نطقها من قبل بعض الجمهور المستهدف من 3 إلى 6 سنوات"، تقول الخطيب: "لو عدت لكتابة الأغنية فلن أستخدمهما مرة أخرى".
اللغة المتداولة
ويكمن نجاح أي قناة أيضاً من خلال الإبقاء على بعض الكلمات بلغتها المتداولة، فلا يتم تنفير الأطفال منها، كأسماء بعض الألعاب، مثل كلمة "بازل"، فالأطفال جميعهم يعرفونها بهذا الإسم، وبالتالي فعندما أترجم بازل إلى "أحجية" فلن يتقبّلها الأطفال وسيشعرون بالملل.
تختتم الخطيب حديثها قائلة إنها غير قلقة على تعلّم الأجيال المتوالية للغة العربية بالرغم من انحسارها في الوقت الحالي، لأنها لغة حيّة وطيّعة وقادرة بجمالياتها وعراقتها وكونها لغة القرآن الكريم على تخطّي الصعاب المحدقة بها.