28 نوفمبر 2018
بحثاً عن الموت
مطهر الخضمي (اليمن)
الفقر، المرض، البطالة، الحرب، الموت.. ما الذي تبقى، ولم يواجهه المواطن اليمني، م. ق.
ظل الفقر ينهش جسده، حتى ما عاد يملك شيئًا ثمينًا ليبيعه، فيما المرض لم يفارق زوجته منذ سنوات طوال. وأما البطالة فهي تنام معه على فراش الزوجية كل يوم، والحرب هي التي منحته كل تلك المهلكات خلال ثلاث سنوات عجاف.
أما الموت فهو أول وآخر أمنيةٍ بحث عنها المواطن، م. ق، فلم يعد لديه سبيل ينتشله من وحل المهلكات سوى الموت، فقد ذهب إلى أحد مندوبي تجار الحرب، وطلب منه طلبًا أخيرًا، وقال: "لقد منحتمونا الفقر، وتحالفتم مع المرض لقتلنا ببطء، ووقعتم بأيامنا عقدًا مع البطالة. وأما الحرب فهي هديتكم الوحيدة التي أهديتمونا إياها علنًا بلا خجل. ولكني اليوم أردت أن أموت تحت شعاركم، كي أرمي بكل أوزار الحياة خلفي، فتكتب عليكم لعنةً أبدية تلاحقكم مدى الحياة، لكني أرجوكم خذوني معكم للقتال، فإني أخاف أن أموت في البيت، بجانب زوجتي وأبنائي الخمسة، أو يموت أولادي وزوجتي جوعًا أمام عينيَّ وليس بيديَّ سوى الدعاء لهم بالرحمة، لذا أردت أن أموت في إحدى جبهات القتال.
لا أريد أموالاً طائلة مقابل روحي التي سأقدمها بعشوائية محاربٍ فقد الأمل في الحياة. كل ما أريده أن تعتمد لأولادي من بعدي مبلغًا بسيطًا من المال، يَقيهم التسول والتشرد أو الموت جوعًا، ولا مانع، يا سيدي، من أن تكتب ما بين القوسين (عشرين ألف ريال لا غير). المهم أن تأخذني حيث أموت، وخذ مقابل ذلك رشوةً مني، مثلًا إذا أُصبتُ في الحرب، فلا تحاول إسعافي، بل خُذ إحدى كليتيَّ، فربما تحتاجها يوما ما، أنت أو أحد أفراد فصيلتك المنتجبين. لم يعد لي أمل، يا سيدي، في الحب والسلام والحنين للوطن، فلماذا لا تأخذ ذلك كله، وتمنحني فقط الخبز لي ولأولادي وزوجتي؟ زوجتي التي أصابها مرض السرطان في أحد أطرافها لم تعد تشتاق لي، كما تشتاق لك زوجتك كل يوم خميس، أتعرف أنني كلما اتصلت بها تخبرني أن أولادي سوف يموتون جوعا، وأنها ليست خائفة من أن تموت بالسرطان، بل من أن تموت حزنًا على أطفالنا الجوعى؟ عذرا سيدي، لو كنت وقحا قليلًا في كلامي. ولكن كما تعلم وجودكم في الحياة أكثر وقاحةً من كلامي".
انتهى كلام م. ق، ولم تنته معاناته، ربما لن يعود من الحرب، وربما يعود منها بلا كلية فتجار الحروب أكثر الناس وفاء بالعهود التي لصالحهم.
انتهى السلام الذي بحث عنه م. ق، ولم تنته الحرب التي عانى منها، وسلبت منه كل شيء جميل.
ظل الفقر ينهش جسده، حتى ما عاد يملك شيئًا ثمينًا ليبيعه، فيما المرض لم يفارق زوجته منذ سنوات طوال. وأما البطالة فهي تنام معه على فراش الزوجية كل يوم، والحرب هي التي منحته كل تلك المهلكات خلال ثلاث سنوات عجاف.
أما الموت فهو أول وآخر أمنيةٍ بحث عنها المواطن، م. ق، فلم يعد لديه سبيل ينتشله من وحل المهلكات سوى الموت، فقد ذهب إلى أحد مندوبي تجار الحرب، وطلب منه طلبًا أخيرًا، وقال: "لقد منحتمونا الفقر، وتحالفتم مع المرض لقتلنا ببطء، ووقعتم بأيامنا عقدًا مع البطالة. وأما الحرب فهي هديتكم الوحيدة التي أهديتمونا إياها علنًا بلا خجل. ولكني اليوم أردت أن أموت تحت شعاركم، كي أرمي بكل أوزار الحياة خلفي، فتكتب عليكم لعنةً أبدية تلاحقكم مدى الحياة، لكني أرجوكم خذوني معكم للقتال، فإني أخاف أن أموت في البيت، بجانب زوجتي وأبنائي الخمسة، أو يموت أولادي وزوجتي جوعًا أمام عينيَّ وليس بيديَّ سوى الدعاء لهم بالرحمة، لذا أردت أن أموت في إحدى جبهات القتال.
لا أريد أموالاً طائلة مقابل روحي التي سأقدمها بعشوائية محاربٍ فقد الأمل في الحياة. كل ما أريده أن تعتمد لأولادي من بعدي مبلغًا بسيطًا من المال، يَقيهم التسول والتشرد أو الموت جوعًا، ولا مانع، يا سيدي، من أن تكتب ما بين القوسين (عشرين ألف ريال لا غير). المهم أن تأخذني حيث أموت، وخذ مقابل ذلك رشوةً مني، مثلًا إذا أُصبتُ في الحرب، فلا تحاول إسعافي، بل خُذ إحدى كليتيَّ، فربما تحتاجها يوما ما، أنت أو أحد أفراد فصيلتك المنتجبين. لم يعد لي أمل، يا سيدي، في الحب والسلام والحنين للوطن، فلماذا لا تأخذ ذلك كله، وتمنحني فقط الخبز لي ولأولادي وزوجتي؟ زوجتي التي أصابها مرض السرطان في أحد أطرافها لم تعد تشتاق لي، كما تشتاق لك زوجتك كل يوم خميس، أتعرف أنني كلما اتصلت بها تخبرني أن أولادي سوف يموتون جوعا، وأنها ليست خائفة من أن تموت بالسرطان، بل من أن تموت حزنًا على أطفالنا الجوعى؟ عذرا سيدي، لو كنت وقحا قليلًا في كلامي. ولكن كما تعلم وجودكم في الحياة أكثر وقاحةً من كلامي".
انتهى كلام م. ق، ولم تنته معاناته، ربما لن يعود من الحرب، وربما يعود منها بلا كلية فتجار الحروب أكثر الناس وفاء بالعهود التي لصالحهم.
انتهى السلام الذي بحث عنه م. ق، ولم تنته الحرب التي عانى منها، وسلبت منه كل شيء جميل.
مقالات أخرى
25 أكتوبر 2018
02 سبتمبر 2018
27 مايو 2018