مضى عام على زواجنا. في صباح اليوم الـ41 كنّا في مطار إسطنبول، أودعه من جديد، لم أكن شفيت تماماً من وداعنا الأول في حلب. في كلا الوداعين لم أكن أعرف متى نلتقي من جديد، في كليهما عشت الصراع عينه؛ أسأل نفسي مائة مرة أي شيء يستحق الفراق؟ وألعن الحرب ألف مرة.
نجلس على مقاعد الانتظار. أودعه بطريقة طفولية، أمسك طرفي معطفه بيداي كمن يهم بإغلاقه، وألقي برأسي على صدره، أبكي كطفل تتركه أمه في غابة. أنا المرأة "القوية" كنت أضعف امرأة في العالم.
لا أذكر جيداً ما الذي قاله حين أمسك حقيبته يهم بالرحيل، قبلني، أفلت يدي وذهب، ما أذكر جيداً أنه لم يبك.
عدت إلى المقعد أتأمل الناس في المطار، لأول مرة كنت وحيدة في بلد غريب، وحدي تماماً في هذه المدينة الكبيرة التي لا أعرف لغتها. لم أقو على المغادرة فوراً جلست في قاعة المسافرين بضع دقائق أخرى، رأيت امرأة تودّع زوجها، كانت تبكي بذات الحرقة والألم، أما هو كان يحاول تهدئتها فقط، كأنه حكيم غير معني بما يحدث، تباً للرجال إنهم لا يبكون! كيف يغسلون الحزن من قلوبهم أم أنهم لا يحزنون!
الأيام الأولى كانت مريرة، كانت دموعي تخونني في كل مكان؛ في الشارع والسيارة وأمام شباك التذاكر. بعد شهرين تغيّر كل شيء، لنقل إنّي "تحولت"، انغمست في العمل، لم يكن إلى جانبي أحد إلا بعض المعارف الجدد، لا أصدقاء ولا أهل ولا حبيب، كلما وقعت في حرقة الشوق والضعف انغمست أكثر، وتلذذت به أكثر. عشت محاطة بلغة وثقافة جديدة وأناس جدد، حتى إسطنبول التي أرهبتني في البداية تمكنت منها.
علاقتنا عادت كالسنتين الماضيتين، افتراضية، وعاد "الفايبر" برنامجنا المفضل وصلة الوصل الوحيدة بيننا، لا أصدق أحياناً أننا بقينا صامدين كل هذه المدة دون لقاء، وما زلنا. ولأكون صريحة، لا تمر كل هذه المدة وردية تماماً، إلا أنّ أياً من خلافاتنا لا تدوم أكثر من بضع ساعات.
اقرأ أيضاً: دمشق..مسرح مفتوح على الأحزان
لا أبالغ بالقول إن أصعب لحظات الفراق كنت أشعر بها بعد أن يعلم أحد ما قصتي، النسوّة تحديداً، الكثيرات قلن لي عبارات مثل "حرام" و "لم تتهن بزواجك"، لم يخل الأمر من نظرات الشفقة، حتى إنني لم أسمع عبارات تشجيعية قط، كنّ يشعرنني أنني مسكينة حقاً، فأسأل نفسي هل عليّ أن أحزن أكثر!
يشفق الناس كثيراً على امرأة تعيش بلا "رَجُلها، يفعلون ذلك أكثر مما يتطلبه الأمر. كأنهم لا يريدون لها أن تنجو وحدها، كأن الضعف و الانهيار يرضيهم أكثر. أذكر جيداً كيف طلبت مني خالتي أن أعود لانتظر لم الشمل في سورية رغم الخطر، قالت لي ببساطة "الله هو الحامي".
توقع زوجي مفرط التفاؤل ألا تتجاوز مدة انتظار لم الشمل الأربعة أشهر، أما أنا، المتشائمة، كنت أجهّز نفسي لتسعة، كنت أميل لافتراض أسوأ الاحتمالات لأتجنب خيبات الأمل. لكن الواقع كان أشد تشاؤماً منّي.
اقرأ أيضاً: سورية.. ميلاد ولجوء
نجلس على مقاعد الانتظار. أودعه بطريقة طفولية، أمسك طرفي معطفه بيداي كمن يهم بإغلاقه، وألقي برأسي على صدره، أبكي كطفل تتركه أمه في غابة. أنا المرأة "القوية" كنت أضعف امرأة في العالم.
لا أذكر جيداً ما الذي قاله حين أمسك حقيبته يهم بالرحيل، قبلني، أفلت يدي وذهب، ما أذكر جيداً أنه لم يبك.
عدت إلى المقعد أتأمل الناس في المطار، لأول مرة كنت وحيدة في بلد غريب، وحدي تماماً في هذه المدينة الكبيرة التي لا أعرف لغتها. لم أقو على المغادرة فوراً جلست في قاعة المسافرين بضع دقائق أخرى، رأيت امرأة تودّع زوجها، كانت تبكي بذات الحرقة والألم، أما هو كان يحاول تهدئتها فقط، كأنه حكيم غير معني بما يحدث، تباً للرجال إنهم لا يبكون! كيف يغسلون الحزن من قلوبهم أم أنهم لا يحزنون!
الأيام الأولى كانت مريرة، كانت دموعي تخونني في كل مكان؛ في الشارع والسيارة وأمام شباك التذاكر. بعد شهرين تغيّر كل شيء، لنقل إنّي "تحولت"، انغمست في العمل، لم يكن إلى جانبي أحد إلا بعض المعارف الجدد، لا أصدقاء ولا أهل ولا حبيب، كلما وقعت في حرقة الشوق والضعف انغمست أكثر، وتلذذت به أكثر. عشت محاطة بلغة وثقافة جديدة وأناس جدد، حتى إسطنبول التي أرهبتني في البداية تمكنت منها.
علاقتنا عادت كالسنتين الماضيتين، افتراضية، وعاد "الفايبر" برنامجنا المفضل وصلة الوصل الوحيدة بيننا، لا أصدق أحياناً أننا بقينا صامدين كل هذه المدة دون لقاء، وما زلنا. ولأكون صريحة، لا تمر كل هذه المدة وردية تماماً، إلا أنّ أياً من خلافاتنا لا تدوم أكثر من بضع ساعات.
اقرأ أيضاً: دمشق..مسرح مفتوح على الأحزان
لا أبالغ بالقول إن أصعب لحظات الفراق كنت أشعر بها بعد أن يعلم أحد ما قصتي، النسوّة تحديداً، الكثيرات قلن لي عبارات مثل "حرام" و "لم تتهن بزواجك"، لم يخل الأمر من نظرات الشفقة، حتى إنني لم أسمع عبارات تشجيعية قط، كنّ يشعرنني أنني مسكينة حقاً، فأسأل نفسي هل عليّ أن أحزن أكثر!
يشفق الناس كثيراً على امرأة تعيش بلا "رَجُلها، يفعلون ذلك أكثر مما يتطلبه الأمر. كأنهم لا يريدون لها أن تنجو وحدها، كأن الضعف و الانهيار يرضيهم أكثر. أذكر جيداً كيف طلبت مني خالتي أن أعود لانتظر لم الشمل في سورية رغم الخطر، قالت لي ببساطة "الله هو الحامي".
توقع زوجي مفرط التفاؤل ألا تتجاوز مدة انتظار لم الشمل الأربعة أشهر، أما أنا، المتشائمة، كنت أجهّز نفسي لتسعة، كنت أميل لافتراض أسوأ الاحتمالات لأتجنب خيبات الأمل. لكن الواقع كان أشد تشاؤماً منّي.
اقرأ أيضاً: سورية.. ميلاد ولجوء