باعة غزة المتجولون.. عمل لسد الرمق

13 نوفمبر 2016
الظاهرة إحدى نتائج الحصار الإسرائيلي على غزة(عبدالحكيم أبورياش)
+ الخط -

يستقل الثلاثيني، صهيب خليفة، من حي الزيتون جنوبي مدينة غزة صباحاً عربة الخضار التي يجرها حصانه الأبيض، ويبدأ بالنداء على بضاعته في شوارع وأزقة الحي والأحياء المجاورة، دون أن يمنعه عن عمله اليومي حر الصيف أبو برد الشتاء.

"خليفة" ليس البائع الوحيد الذي يستفتح يومه بالركض خلف لقمة عيش أطفاله، بل يرافقه في ذلك عشرات الباعة المتجولون، الذين تضج بهم ساعات الصباح الأولى في قطاع غزة، بعد أن ضاقت بهم الأحوال، وتقطعت بهم السبل.

ظاهرة الباعة المتجولين، التي زادت نسبتها بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، كانت إحدى نتائج الحصار الإسرائيلي المُحكم على قطاع غزة، والذي بدأ قبل عشر سنوات، وأدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانعدام فرص العمل نتيجة منع دخول مواد البناء، والمواد الأساسية.

في قطاع غزة، لا تكاد تمر لحظة دون أن ترى باعة المنظفات والأدوات المنزلية، الخضروات، الفواكه، الحلويات، الكعك، المُسليات، الملابس، السجاد والموكيت، العطور وأدوات الزينة، إضافة إلى المفروشات، وباقي المستلزمات المنزلية والشخصية.

ويقول خليفة لـ"العربي الجديد": يبدأ يومي الساعة الخامسة صباحاً، عندما أذهب إلى الخان برفقة ابن عمي شريف، لشراء الخضروات الطازجة، ننتهي من شرائها عند الساعة السابعة، ويذهب كل منا في طريقه من أجل البحث عن رزقه.

ويضيف: "بدأت هذا العمل منذ خمسة أعوام، بعد أن فقدت مصدر رزقي الأساسي في النجارة وتركيب الأبواب الخشبية للمنازل والشقق السكنية، حيث توقف العمل نتيجة الأوضاع التي يمر بها قطاع غزة، وتوقف البناء والإنشاءات، وتأثرت باقي الحرف".

ويوضح خليفة أنّ العمل في قطاع غزة عموماً منذ عدة سنوات لا يكفي إلا لتوفير الطعام والشراب والاحتياجات الأساسية للمنزل، رغم الإرهاق الذي يصيب العاملين خلال ساعات العمل التي تبدأ منذ الفجر حتى نهاية اليوم، إلا أن ذلك التعب أهون عليه من مد يده للناس.

ولم يمنع الهواء البارد صباحاً، مع تقلبات الجو، البائع سمير خلة (45 عاماً) من التجوال بعربته في منطقة تل الهوا، منادياً عبر مكبر الصوت على "الكلور ومنظفات الغسيل والأدوات المنزلية" برفقة ابنه الذي يساعده في النداء بطريقة مميزة، تشد انتباه الزبائن.

ويوضح خلة لـ"العربي الجديد" أنه يعمل في هذه المهنة منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاماً، قائلاً: "كنت أعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وتوقفت بعد أن تعرضت لموقف سيئ في العمل، فاشتريت عربة يدوية الدفع، وبدأت ببيع الكلور".

ويتابع خلة: "كان العمل جيداً في بداية الأمر والربح وفير، تمكنت بعد فترة من شراء حمار وعربة كبيرة، وقمت بزيادة بضاعتي"، مستدركاً: "منذ سبعة أعوام تقريباً بدأت تتزايد أعداد العربات التي تبيع نفس البضاعة، ما أثر بشكل كبير على العائد اليومي".

ويوضح أن انتشار تلك الظاهرة ترجع إلى الأوضاع الصعبة للمواطنين، مضيفاً: "هناك الكثير من الخريجين العاطلين عن العمل، إضافة الى مئات آلاف العُمال العاطلين الذين يتجهون إلى العمل بهذا المجال، لكن ما يساعدني على الاستمرار في العمل هو وجود زبائن خاصة بي، تنتظرني لشراء مستلزماتها".

من جانبه، يُرجع أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر، معين رجب، ظاهرة انتشار وزيادة أعداد الباعة المتجولين في شوارع وأزقة ومخيمات قطاع غزة الى عدة أسباب، أولها أنها وسيلة ميسرة للربح، دون الحاجة الى تراخيص ورأس مال كبير.

وعن هذه المهنة، يضيف رجب لـ"العربي الجديد": "من الطبيعي انتشار هذه الظاهرة التي تصنف تحت اسم العمالة غير الرسمية التي يلجأ إليها الكثير من المتعطلين لوجود إمكانية تحقيق الكسب والعائد اليومي، حتى وإن كان محدوداً، إلا أنه يلبي طلبات أسرته".

وينبه الخبير الاقتصادي إلى ضرورة تنظيم مثل هذه المهن والأعمال، عبر جهات خاصة لترتيب عملهم، بدلاً من ملاحقتهم في بعض الأحيان، لافتاً الى أن ظاهرة الباعة المتجولين منتشرة في كل أرجاء العالم، لكن نسبتها متفاوتة، وفقاً للأوضاع الاقتصادية للمدينة.

ويوضح رجب أن نسبة البطالة وصلت في قطاع غزة مؤخراً إلى 43%، وأعداد المتعطلين عن العمل وصلت إلى ما يزيد عن 300 ألف شخص، أكثر من 60% منهم من فئة الشباب، مضيفاً: "تندرج هذه الحالة تحت خط الفقر والفقر الشديد، ويتم فيها الاعتماد بشكل أساسي على الهبات والمساعدات الإغاثية".


المساهمون