باعة جائلون إيرانيون يغزون شوارع بغداد والمحافظات الجنوبية

26 مايو 2019
إيران تستهدف زيادة تجارتها مع العراق (Getty)
+ الخط -

 تشهد شوارع العاصمة العراقية بغداد والعديد من المحافظات الجنوبية، انتشاراً للباعة الجائلين الإيرانيين، في ظاهرة غير مسبوقة، الأمر الذي أرجعه مسؤولون وخبراء اقتصاد إلى استغلال الكثير من الوافدين بغية الزيارات الدينية، فترات وجودهم في العراق للتجارة وتحقيق عوائد مالية، من شأنها تقليص تداعيات العقوبات الأميركية، التي تلقي بظلال سلبية على الظروف المعيشية في إيران.

على امتداد الأرصفة والميادين في بغداد والنجف والبصرة وكربلاء وسامراء، يفترش إيرانيون الأرصفة ويجوبون الشوارع ببضاعة متنوعة، ما دعا باعة عراقيين إلى إبداء امتعاضهم لمزاحمة الإيرانيين لهم في مصادر رزقهم.

عمار حسين، أحد العاملين في سوق النجف (جنوب بغداد)، يقول لـ"العربي الجديد" إن بعض الإيرانيين يستغلون وجودهم في النجف من أجل زيارة المراقد الدينية، ويقومون بالتجارة، حيث يقبل المشترون على بضائعهم لرخص أسعارها في الغالب.

ويضيف حسين: "الباعة الإيرانيون أضحوا ظاهرة ملازمة لأرصفة وشوارع المدينة"، مشيراً إلى أن بعض الزائرين الايرانيين يقومون بجلب بضاعتهم معهم في نفس الحافلات والشاحنات، التي تقلهم إلى العراق مستغلين التسهيلات على المنافذ الحدودية.


ويتوافد مئات آلاف الإيرانيين على زيارة العراق، حيث تقتصر السياحة على المجال الديني، وتتمركز بصورة رئيسية في محافظات النجف وكربلاء وبغداد وسامراء، التي تضم مراقد الأئمة، الإمام علي، والحسين، والإمام الكاظم، ومرقدي الإمامين العسكريين في سامراء.

ووفق تصريحات صحافية لرئيس لجنة الحج والزيارة الإيرانية حميد محـمدي، في يونيو/ حزيران الماضي، فإن نحو 2.3 مليون إيراني يزورون العراق سنوياً.

ويقول تجار عراقيون بأن بعض الإيرانيين بدأوا في رفع شعار "هم زيارة وهم تجارة"، للهرب من آثار العقوبات التي تتعرض لها بلادهم، مشيرين إلى إلغاء السلطات العراقية رسوم تأشيرة دخول الإيرانيين (40 دولاراً) بداية من إبريل/ نيسان الماضي، والسماح بعبورهم بسياراتهم الشخصية، ما تسبب في زيادة أعدادهم.

وتواجه إيران ضغوطاً اقتصادية، بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات عليها، في أعقاب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/ أيار من العام الماضي 2018.

وتسعى واشنطن إلى تضييق الخناق على إيران، عبر تصفير صادراتها من النفط. وأظهرت بيانات لتتبع الناقلات، وفق رويترز، في وقت سابق من مايو/ أيار الجاري، أن صادرات إيران من النفط الخام هبطت إلى 500 ألف برميل يومياً أو أقل خلال هذا الشهر.

وأنهت الولايات المتحدة مطلع الشهر الجاري، إعفاءات كانت منحتها لثمانية مستوردين للنفط الإيراني، من حظر شراء النفط الإيراني، الذي فرضته في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بهدف خفض صادرات الخام الإيراني إلى الصفر.

وكثفت إيران من تحركاتها خاصة لدى دول الجوار، لتعزيز تجارتها والبحث عن بدائل لتوفير العملة الصعبة، في ظل الخناق الذي تفرضه الولايات المتحدة على بيع النفط.

ويقول عضو غرفة تجارة النجف قاسم المعموري لـ"العربي الجديد"، إن عدد الباعة الإيرانيين المتجولين في شوارع النجف وأسواقها في تزايد، وخاصة بعد إلغاء رسوم التأشيرة وتسهيل دخولهم إلى العراق.

ويوضح المعموري أن مدينتي النجف وكربلاء، تمثلان أهم المدن التي يقصدها الباعة الإيرانيون بسبب الحركة التجارية النشطة فيهما، موضحاً أن هؤلاء الباعة لا يتعاملون بالعملة الإيرانية بسبب تدني قيمتها، وإنما يشترطون البيع بالعملة العراقية التي يحولونها في ما بعد إلى دولارات أميركية يصحبونها معهم إلى بلادهم، لأنها تباع هناك بمبالغ إيرانية مرتفعة.

وسجل الريال الإيراني تراجعاً بأكثر من 150 في المائة، منذ فرض العقوبات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ليصل في تعاملات مطلع الأسبوع الجاري إلى نحو 145.5 ألف ريال مقابل الدولار الواحد.

ويقول حسن عبد الجبار، أحد الباعة المتجولين في مدينة النجف، إن "السلطات المحلية في المدينة تمنح الباعة الإيرانيين تسهيلات كبيرة، وتتجاهل سؤالهم عن الإقامة".

وكان الجانبان الإيراني والعراقي، قد اتفقا خلال مباحثات بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بالعاصمة الإيرانية طهران في إبريل/ نيسان الماضي، على تطوير العلاقات التجارية والمالية، ليصل حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة المقبلة إلى 20 مليار دولار، بعد أن بلغ في العام الماضي 12 مليار دولار.

وخلال زيارة روحاني، وقع الجانبان على أكثر من عشرين اتفاقية، وصفتها المصادر العراقية والإيرانية بـ"المهمة" في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، في مقدمتها اتفاقية للتبادل التجاري، وإلغاء رسوم التأشيرة بين البلدين.

ويقول سلام شهيد، وهو صاحب أحد المجمعات التجارية في شارع الرشيد وسط بغداد، إن أرصفة الشارع التي تكتظ بالباعة والزبائن صباح كل يوم، شهدت الشهر الماضي وجود العشرات من البائعات والباعة الإيرانيين، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن البضاعة التي يتم تداولها تتمثل في الأكسسوارات النسائية مثل الأساور.

ويضيف شهيد: "انتشارهم بهذا الشكل على أرصفة بغداد ومدن أخرى، يبدو منظماً ومدعوماً من بعض الجهات، فأغلبهم لا يمتلكون تصاريح أو إقامة عمل، بل دخلوا كسيّاح دينيين، إلا أن السلطات العراقية والشرطة تغض الطرف عن ذلك".

وفي هذا السياق، يقول مصدر حكومي عراقي إن تصريح العمل يكون للأشخاص الذين لديهم سمات إقامة دائمة من دائرة الجوازات والإقامة في وزارة الداخلية، بينما أغلب الإيرانيين يدخلون العراق لغرض الزيارات الدينية.

وبجانب انتشار الباعة الإيرانيين، تزايد العمال الإيرانيين في الكثير من الأنشطة الإنتاجية، وسط ارتفاع عدد الشركات الإيرانية التي تستثمر في قطاعات عدة.

وشهدت مدن عراقية خلال الفترة الماضية عدة وقفات احتجاج لشبان عراقيين، بينهم حملة شهادات عليا، يحتجون على توظيف الإيرانيين في مشروعات عديدة بمدينتي السماوة والبصرة جنوبي العراق. ويتراوح أجر العامل الإيراني في العراق بين 800 و1000 دولار، فيما يبلغ الحد الأدنى للأجور في إيران نحو 105 دولارات شهرياً، وفق سعر الصرف الحالي.

وكان القنصل العام الإيراني في إربيل، مرتضى عابدي، قد قال في وقت سابق من مايو/ أيار الجاري، إن إقليم كردستان العراق غير ملتزم بالحظر الأميركي على إيران، مضيفاً أن "المسؤولين الأميركيين يحاولون إخافة التجار في الإقليم من التجارة مع إيران، لكن كل هذه المحاولات كانت بلا فائدة وذهبت سدى". ولفت عابدي إلى أن "نحو 40 بالمائة من تجارة إيران مع العراق، تتم عبر إقليم كردستان من خلال 7 منافذ حدودية".

المساهمون