باعة الصحف في العراق... مشهد جميل غيّبته التكنولوجيا

19 يوليو 2019
صحف تنتظر من يشتريها (العربي الجديد)
+ الخط -
عند تقاطعات الطرقات الرئيسيّة وشارات المرور في مختلف المدن العراقية، لطالما انتشر باعة الصحف الجوالون، الذين يعرضون ما يحملون من صحف ومجلات على أصحاب السيارات.
لكن هذا المشهد تلاشى وأصبح عدد قليل من الأشخاص يمتهن بيع الصحف. كما أنّ المكتبات والأكشاك التي كانت تعتمد بشكل أساسي في عملها على بيع الصحف والمجلات، تحول بعض أصحابها إلى مهن أخرى، أو أضافوا بضائع جديدة من أجل الاستمرارية. والسبب هو انحسار متابعة وسائل الإعلام المطبوعة لصالح تلك الإلكترونية.
على مقربة من جسر الشهداء في بغداد، كان وحيد راضي قبل خمسة أعوام يتخذ موقعاً لبيع الصحف. يخرج في الصباح الباكر ليحصل على حصّته من مجموعة من الصحف اليومية والمجلات المختلفة. ما هي إلا ثلاث ساعات حتى يكون قد باع كل ما في حوزته من صحف، ليذهب بعد ذلك إلى كليته.
يقول راضي لـ"العربي الجديد" إن بيع الصحف والمجلات مكنه من توفير مصروفه الجامعي. لذلك، يعتبر أن للصحف المطبوعة فضلاً عليه لن ينساه. يضيف: "على الرغم من حبي لمطالعة الصحف قبل بيعها في أثناء فترة دراستي الجامعية، إلا أنني أحببتها أكثر حين أصبحت بائع صحف. خلال وقت قصير، كنت أبيع ما لدي من نسخ، وكان لدي عدد كبير من الزبائن من سائقي السيارات والموظفين الذين كانوا يذهبون إلى عملهم ويشترون مني الصحف والمجلات".

يؤكد راضي أن المنافسة كانت كبيرة بين بائعي الصحف والمجلات "في بعض الشوارع والتقاطعات المزدحمة، تجد عدداً من الباعة الجوالين. لكن على الرغم من هذه المنافسة، فإن بيع الصحف كان مصدر دخل جيد لمن يبحث عن عمل".
ما يُحزن راضي أنه بعدما أصبح موظفاً حكومياً لم يعد يرى الكثير من باعة الصحف الجوالين، وهم يتنافسون لبيع ما يحملونه عند شارات المرور كما في السابق، مبيناً "أن عدد قراء الصحف المطبوعة قلّ بشكل كبير".
لكن على الرغم من انحسار عدد قراء الصحف الورقية، يمكن إيجاد بعض الباعة الجوالين الذين يبيعون الصحف. يقول محمد طارق (16 عاماً) لـ"العربي الجديد" إن بعض الزبائن يشترون منه الصحف منذ بدأ العمل في هذا المجال حين كان عمره عشرة أعوام.
يضيف: "أبيع نصف الصحف تقريباً لزبائني من أصحاب المحال التجارية، وعند التقاطع هناك أشخاص يمرون بسياراتهم منذ سنوات وقد اعتادوا على شراء الصحف مني. لا يقل ربحي اليومي من الصحف عن 20 ألف دينار (نحو 16 دولاراً)".

لازال للصحيفة زبون

يلفت محمد إلى أن زبائنه يتعاطفون معه فيواظبون على شراء الصحف منه، ويشير إلى أنهم دائماً يسألون عن حاله وحال أسرته ووالده الذي يعاني من الشلل، ما أجبر محمد على العمل في سن مبكرة. يقول: "البعض منهم يقول لي إنه يشتري الصحف محبة بي وليس بالصحيفة نفسها، ويدفع أكثر من ثمنها".
كانت أحياء بغداد، ومنذ عشرات السنوات، تشتهر بوجود أكشاك صغيرة تبيع الصحف والمجلات، فضلاً عن مكتبات تبيع الكتب والقرطاسية. لكن بيعها للصحف والمجلات يعد الأساس، بحسب حارث الحسيني الذي يملك مكتبة في حي الجامعة في بغداد. يقول لـ "العربي الجديد" إنه اضطر إلى إدخال بضائع جديدة إلى مكتبته ليحافظ على تاريخها الذي يعود إلى 37 عاماً.

يضيف: "منذ افتتحت المكتبة في عام 1981، كنت أبيع الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية ومواد تتعلق بالكتابة كالأقلام والدفاتر المختلفة. وكانت الصحف المحلية اليومية تباع خلال وقت قصير، وهناك حجز مسبق للصحف من قبل بعض الزبائن إضافة إلى المجلات المحلية المعروفة".
ويؤكد أن "الصحف والمجلات كانت تعد مصدر الدخل الأساسي كما أن أرباحها جيدة. اليوم، أضفت بضائع عدة لا علاقة لها بالمكتبة مثل الهدايا والمواد المنزلية، التي أصبحت مصدر الدخل الأساسي، في وقت باتت أرباح الصحف والمجلات قليلة. وما زلت أستمر في بيع الصحف والمجلات بسبب اعتزازي بتاريخ المكتبة، وهذا ما يحزنني".

الصحف الإلكترونية

يتابع: "تغيّر الحال كثيراً بسبب اختلاف الأذواق، إضافة إلى التكنولوجيا التي مكنت الناس من الحصول على أي خبر ومعلومة بشكل سريع وسهل ومجاني" عبر الإنترنت. ويشير إلى أن "البعض ما زال يقرأ الصحف والمجلات ورقياً. هؤلاء يحبون المطبوعات الورقية ويجدون في تصفحها متعة كبيرة".
من جهته، يقول ناجح السلطاني، وهو رجل سبعيني اعتاد على قراءة الصحف منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من معرفته بكل الأحداث واطلاعه على آخر الأخبار على مختلف الساحات المحلية والعربية والعالمية من خلال تطبيق على جواله، ما زال يصر على شراء الصحف يومياً.
ويوضح أنّه "بمجرد أن أتصفح الجريدة خلال جلوسي في المقهى أو أي مكان آخر، أشعر براحة نفسية كبيرة. على مدى عشرات السنين، واظبت على قراءة الصحف اليومية. إنه طقس جميل بل من أجمل الطقوس أن ألمس أوراق الصحف التي تفوح منها رائحة حبر الطباعة، وأقلب صفحاتها وأتنقل بين أخبارها وأطالع عناوينها وأبدأ بقراءة الأعمدة التي أفضلها، ثم أعيد طيها فأحملها في يدي أو أضعها تحت إبطي وأنا أمشي عائداً إلى بيتي".
المساهمون