في بيته في قرية الرامة، المطل على جبل الكمانة، ومن ورائه جبل حيدر، يتحدث النائب الفلسطيني في الكنيست، باسل غطاس، بكل حرية، بلغة واضحة، متماسكة، لغة من يؤمن بقضية شعبه ويعمل من أجل الدفاع عن حقوق هذا الشعب بوجه الاحتلال الإسرائيلي. وفي مقابلة مع "العربي الجديد"، يتحدث عن لحظة "إطباق الفخ" عليه خلال زيارته قبل أسبوعين للأسيرين وليد دقة وباسل البزرة، وما تبع ذلك من حملة صهيونية ضده، لقيامه بنقل أغراض للأسير وليد دقة في مغلف كان يحتوي أيضاً على أوراق ومطبوعات سياسية مختلفة. وتدعي شرطة الاحتلال أنه كان يضم نحو 12 هاتفاً خليوياً، وما تبع ذلك من حملة تحريض عنصري، وتهويل للشبهات والتهم ضد النائب غطاس، التي سمع عنها عبر وسائل الإعلام، والتي تحولت الأخبار والتقارير بشأنها إلى أنباء غير دقيقة ومغرضة. وفي ما يلي نص المقابلة:
اليوم، بعدما خرجت من المعتقل، كيف تستعيد من ذاكرتك الأجواء التي سبقت توقيفك واعتقالك وتوجيه التهم إليك؟
أنا شعرت بما حصل ثم أدركت جيداً أن الأمور كانت مرتبة والمصيدة جاهزة وشعرت كيف أطبق الفخ عليّ. خلال لقائي بالأسير وليد دقة، أبلغوني فجأة بأن الزيارة قد انتهت، وعندما خرجت من بوابة السجن وجدت أفراد شرطة. وكان واضحاً أنهم ليسوا من المعتقل، وليسوا محليين بل قدموا من مكان آخر، وأنهم كانوا بانتظاري، وطلبوا مني أن أرافقهم. أبلغتهم بأن الحصانة تحول دون ذلك، وتركوني بالفعل. لكن ما أن ركبت السيارة، وبعد 15 دقيقة فقط وأنا في طريقي إلى القدس، اتصل بي الرفيق موسى ذياب، يسأل عما حدث، وأن القناة الثانية تتحدث عن توجيه تهم أمنية خطيرة لي. عندها أدركت أبعاد ما يدبر.
وماذا حصل في جلسة التحقيق؟
يوم الثلاثاء اكتشفت ما يتهموني به، واكتشفت أن التحقيق ليس فقط في ما ينسب من تهريب (الهواتف المحمولة) إنما يحاولون أن يلصقوا بي تهما أمنية وكأنني ارتكبت جرائم خطيرة تمس بأمن الدولة وتهدد المواطنين، وبهدف إرهابي. خلال التحقيق نفيت كل هذه الادعاءات وأعطيت روايتي، وقلت إنني أدخلت للسجن مغلفات، من شخص أثق فيه، وهو مبعوث من قبل الأسير وليد دقة، قلت الحقيقة كما هي. بل قلت لهم: إذا أنتم تملكون كل هذه المعلومات الاستخباراتية، كان مفروضا أن تعلموا بذلك بل وأن تنذروني، باعتباري عضو برلمان، وأن تبلغوني بذلك. ولاحقاً تبين أن كل هذا كان مصيدة، وباعتراف وزير الأمن الداخلي الذي أوعز لمصلحة السجون بالسماح لي بالقيام بالزيارة. وفي ما يتعلق بطلب نزع الحصانة البرلمانية عني، في سابقة قضائية، كان واضحاً أن هدفهم من نزع الحصانة ليس التفتيش وإنما الاعتقال.
كيف كانت لحظة الاعتقال في التحقيق الثاني مساء الخميس؟
أنا ذهبت للتحقيق الثاني يوم الخميس بمحض إرادتي، وكان مقرراً في اللد في الرابعة والنصف. وبعدما بدأ سريان نزع الحصانة البرلمانية عني، الخميس، وأنا في التحقيق، أبلغوني في البداية أنهم سيخرجون لاستراحة لبعض الوقت. وكنا أنهينا التحقيق في العاشرة ليلاً. وبعد ذلك أبلغني المحقق بأنهم قرروا اعتقالي، مع أنه قبل ذلك بلحظات كان قد قال إنه يريد إجراء مشاورات ثم يبلغني بالقرار. لاحقاً تبين لي أن وسائل الإعلام نشرت وتناقلت خبر اعتقالي من الساعة التاسعة، فيما كنت لا زلت أخضع للتحقيق. طبعاً كنت جهزت نفسي من الصباح وأحضرت ما يلزمني من دواء ولم أفاجأ.
وكيف مضت أول ليلة اعتقال؟
وصلنا المعتقل عند الثانية عشرة والنصف، وتم إدخالي لزنزانة في الحبس الانفرادي في جناح شبه فارغ من السجناء، جناح 7، في غرفة اعتقال مزروعة بالكاميرات. المشكلة التي واجهتني هي البرد، في غرفة بدون شبابيك.
لكن تجربة الاعتقال هذه كانت سابقة، وبالتالي ما هي رسالة هذه الملاحقة؟
أعتقد أن هذه كانت رسالة سياسية واضحة للعرب في الداخل، وهي أن التجمع الوطني الديمقراطي هو رأس الحربة، ولكن العرب هم التهديد المركزي لإسرائيل، والرسالة التي حاولوا توجيهها من خلال هذا الملف هي أن التعامل مع العرب يبقى من خلال المنظور الأمني، حتى لو كان العربي عضواً في الكنيست. وأن القضية بيننا وبين الدولة ليست قضية شارع وميزانيات ولكن هذا كله يبقى التفاصيل مقابل القضية المركزية وهي علاقة الدولة الاستعمارية بك، وأن المشروع الاستعماري الكولونيالي لم ينته ولا يزال متواصلا. وتجربة قرية أم الحيران أكبر دليل، إذ يتم طرد أهالي قرية عربية كاملة ليقيموا على أنقاضها بلدة يهودية محض. هذا مشروع استعماري مستمر، علينا مواجهته، وهنا يجب توحيد خطابنا نحن ومفرداتنا وليس مفرداتهم. هنا أريد أن أذكر أن ما ينسب لي هو تقديم مساعدة لأسير صديق، يقضي أكثر من 30 عاماً في السجن. الأسير وليد دقة هو كاتب مثقف ومسيّس ونشر كتباً، وهو أصلاً فرض على السجون الإسرائيلية أن يتم الاعتراف به كمستقل وغير تابع لأي من الفصائل الفلسطينية.
من خلال متابعتك لملف الأسرى الفلسطينيين، هل ترى أن التعاطي معهم من قبل السلطات، مشابه لما يتمتع به نظراؤهم اليهود على صعيد الحقوق؟
الأسرى الفلسطينيون في السجون ممنوعون من الاتصالات الهاتفية ومن أي ظروف حياتية توفر لهم الحق الأدنى من الحقوق، بينما يسمح للسجناء اليهود بمن فيهم قاتل (رئيس الوزراء الإسرائيلي) إسحق رابين نفسه الزواج وأن يختلي بزوجته مرة كل شهر، ناهيك عن تسهيلات في الاتصالات مع العالم الخارجي. بالتالي، فإن تصرفي كان هو التصرف المسؤول بعينه، فماذا قدمنا لرجل يقضي أكثر من 30 سنة من عمره في السجن؟ بعض الأسرى محرومون من زيارة أسرهم لهم، لأن أزواجهم أو أفراد عائلاتهم لا يملكون أحياناً ثمن تذكرة الحافلة للوصول إلى السجن، ويتشاركون (أحياناً) في تكاليف سيارة الأجرة. من هنا، فإن ما قمت به ليس معيباً ولا أخجل به. قد يكون كل ما هناك أنني خالفت أوامر داخلية لمصلحة السجون. وما قمت به هو في قمة المسؤولية، بالنظر إلى أن الثمن الذي ندفعه مقابل هذا التواصل لا يقارن بما دفعوه هم وما يدفعونه في سبيل حلم بالحرية والاستقلال الفلسطيني. وجزء من هذا الثمن سيكون المحكمة التي علينا أن نديرها على أعلى مستوى، وأن ندافع عن حقنا وعن الحقيقة، ولن نقبل أن يضعوا رأسنا تحت المقصلة.
الحادثة والاعتقال هما بمثابة فرصة للفلسطينيين في الداخل، ويرتبط ذلك بحق النواب العرب في زيارة هؤلاء الأسرى، وهو نوع من الدعم المعنوي. الأسير وليد دقة كان من المفروض أن يتحرر من السجن في إبريل/نيسان من العام الماضي، وفق المفاوضات السابقة مع (وزير الخارجية الأميركي) جون كيري. وبعد إفشال (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو (للأمر) وخرقه للتعهدات بالإفراج عن الأسرى القدامى، وهو تعهد كان قد سبق جولة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية عام 2014، لا أستبعد استمرار التحريض ضدي وضد حزبي، والزج بنا أيضاً ضمن مسلسل تقييد العرب في الداخل ومحاولات فرض سقف لنضالهم وتحركهم السياسي. فنتنياهو وإسرائيل تحت قيادته، لم تعد بحاجة إلى ورقة التين للتستر على حقيقة النظام في إسرائيل، واستخدام مشاركة العرب في الانتخابات للتدليل على الديمقراطية. هي مرحلة جديدة من تغول الفاشية وسيطرتها كلياً على إسرائيل.
سوسن غطاس: شعبك بيحميك
في حديث مع زوجة النائب باسل غطاس، الشاعرة سوسن غطاس، تقول: "من ساعة الاعتقال، الأمور تغيرت، دخلنا في حالة استنفار كاملة داخلية في البداية، وخارجية. فاتجاه أي أزمة معينة مثل أي أزمة نمر بها، نحن بحاجة لطاقات حتى نستوعب الأمر. منذ بداية الحدث، كان هناك إجماع كبير ومواكبة جماهيرية، وحصل التفاف من شباب العائلة، وتنظموا بشكل داعم ومحب لباسل ولي ولابنتنا سهيلة. التفّ حولنا أبناء شعبنا، الشباب مثل أبنائنا، ولم نشعر أننا لوحدنا لدقيقة. لقد ناموا في بيتنا وقاموا بحراسة البيت، ومثل ما قالوا، باسل يحمل راية (شعبك بيحميك) وهو حمى شعبه. وشعبه حماه في هذه الأزمة بشكل محب وداعم، وهذا التكاتف والالتفاف له أهمية ودور".
وتضيف: "منذ الحبس المنزلي نتوقع أن يصل مئات وآلاف الداعمين والمهنئين بالسلامة، كل يوم هناك مئات الزائرين، من الساعة العاشرة صباحاً حتى منتصف الليل. وجود الناس معنا مشجع ويرفع المعنويات. ويرفع سقف قضية باسل لمكانة بأنه ليس لوحده وأن هذه قضية شعب. الضيوف من جميع الأطراف والهيئات والأحزاب. هذا الالتفاف لأن قضيته إنسانية وتخدم الأسرى. هم أبناء شعبنا وواجبنا أن نحمي أسرانا الموجودين في السجن. صحيح أن باسل اعتقل ولكن هناك، مئات وآلاف السجناء الأمنيين الموجودين بالسجون وعائلاتهم تعاني باستمرار. نحن نقطة في بحر من هذا الكم الجماهيري الذي يعيش تحت القمع والظلم والاحتلال في السجون وبرد السجون. الحالة الشخصية تؤلم كل إنسان، ولكن إيماننا في صدق القضية وإنسانيتها يجعلنا متفهمين أقوياء وصامدين".