أنا بائع الحبّ، أحملُ زجاجةَ ماءٍ فارغة، وقطعة صابون، ومنديلًا مستعملًا، وأنتظرُ أن تمطر! أشعل شمعةً، ثم أنفخُ عليها كما كنتُ أنفخُ على الطعامِ الساخنِ حين كنتُ آكله، وأصنع من رائحة الشمع وجبةً دسمة، أمامكم بكامل عبثيّتي التي تسمّونها قذارة، لم أسرّح شعري منذ أن اشتريتُ آخر فرشاةٍ رغم أني أجلس قبالةَ المرآة لساعات، ولكنني لا أراني!
أنا بائع الحبّ، من أخبركم عن ديني ولم يخبركم عن اسمي؟ كيف يعرف ديني من لا يعرفني؟ أنا أنا، لا شيء أكثر، جسدٌ هزيلٌ بعظامٍ طريّة وجلدٍ من زجاج، عيونٌ لا يميّزها إلّا الخوف، شاماتٌ بعدد اللواتي أحببتهنّ، وتجاعيدُ بدأت تعلن تعطّل شيءٍ ما هناك، في البعيد، بين قضبانِ القفص الصدري المرهق!
كنتُ أسرعَ من الآن، بوجهٍ أملس، وعينين لامعتينِ تملكان نظرةً خبيثةً أتقنتْ فنّ اصطياد الحبّ، أشعرُ الآن بالعجزِ تمامًا، أجلسُ بفمٍ مفتوحٍ وعينين زائغتين وذهنٍ غائبٍ في فراغ كبير لا يصل إلى شيء، وتجلس أمامي صبيّةٌ لا تتقن لغتي، ولا أتقنُ لغة عينيها التي كنتُ أعرفها سابقًا، تنظرُ إلي، أنتبه، تهرب بعينيها، وينتبه الناس إليّ وأنا أحدّق كأنّني متحرّش! تضحك دون أن تحرّك شفتيها بعد أن تلاحظ كيف احمرّتْ منطقة صغيرة من خدّي هي الوحيدة التي بقيت عارية ولم يصل الشعر إليها، تكرر النظر، وأنا؛ نسيتُ كيف تكون المبادرة، فألبس معطفًا ليس على مقاسي وأمضي، من سمّى المعطف بهذا الاسم؟
أنا بائع الحبّ المصاب بالوحدة، ألتصق بالسرير وأسكنه كرحم أمي، سبعةُ كؤوس كبيرة للقهوة، فارغةٌ، مؤخرًا أحضرت ماكينة القهوة إلى جانب السرير، زجاجة كولا في آخر لحظاتها بلا غاز، أغلفة حبات شوكلاتة مضادة للاكتئاب، منفضة سكائر ممتلئة، ومناديل ورقيّة في كلّ مكان لكلّ منها قصّة، بائع الحبّ الذي صار زبونَ خيالٍ وعشيق مناديل ورقيّة، حَبّ الشباب بدأ يظهر فجأة على وجهي كمراهق، اللحية كانت خيارًا استراتيجيًا أيضًا، بيني وبين السرير علاقة غريبة، هو الوحيد القادر على احتمال أطواري الغريبة، بعتُ حبًا كثيرًا سابقًا لكنني لن أبيع سريري الآن! من يبيعُ ذاته؟ سرير متعدد الاستعمالات، مربّع الشكل، شغل منصب طاولة كتابة لفترة زمنية طويلة، وشهد معارك غراميّة بيني وبين خيالاتي، يشرب القهوة معي صباحًا، ويأكل معي كلّ وجباتي التي أتخيّلها، سرير مدمن على التدخين، يعرفُ أسماء كثيرة لا تعرفه ولم تقترب منه، ويعرف أصواتًا لا تعرفها أذن! ويعرف أسرار الناس التي أخشى البوح بها لأحد، فضائح بالجملة، وقصص جميلة وغريبة، ويكره الأضواء مثلي، من يبيع هذا الكنز الوفي؟
أنا بائع الحب الذي سيموت يومًا، حينها لا تبوحوا لسريري بأسرار جديدة –من جعل الكلمتين قريبتين هكذا؟ سر، سرير، أسرار أسرّة!- لا تحمّلوه فوق طاقته، نفذوا وصيّة (سورينتينو) لامرأة علّمها: "عليك احترام طقوس الجنازة، اذهبي إلى أقرب شخص للفقيد، احضني يديه بيديك، وقولي باختصار: "في الأيام القادمة، عندما تشعر/ ين بالوحدة؛ يمكنك الاعتماد علي".
لا تبكي أكثر من أقربائه .. لا تخطفي أضواء الحزن منهم، هذا أمر ممنوع تمامًا". لا تفعلوا أكثر من ذلك، نفذوا وصيّته فقط، وإذا أردتم خيرًا أكثر، ففصّلوا منه تابوتًا، أو احرقونا وانثروا رمادنا سويّة! هكذا يرتاحُ بائع الحبّ المتعب وسريره!
(سورية)
أنا بائع الحبّ، من أخبركم عن ديني ولم يخبركم عن اسمي؟ كيف يعرف ديني من لا يعرفني؟ أنا أنا، لا شيء أكثر، جسدٌ هزيلٌ بعظامٍ طريّة وجلدٍ من زجاج، عيونٌ لا يميّزها إلّا الخوف، شاماتٌ بعدد اللواتي أحببتهنّ، وتجاعيدُ بدأت تعلن تعطّل شيءٍ ما هناك، في البعيد، بين قضبانِ القفص الصدري المرهق!
كنتُ أسرعَ من الآن، بوجهٍ أملس، وعينين لامعتينِ تملكان نظرةً خبيثةً أتقنتْ فنّ اصطياد الحبّ، أشعرُ الآن بالعجزِ تمامًا، أجلسُ بفمٍ مفتوحٍ وعينين زائغتين وذهنٍ غائبٍ في فراغ كبير لا يصل إلى شيء، وتجلس أمامي صبيّةٌ لا تتقن لغتي، ولا أتقنُ لغة عينيها التي كنتُ أعرفها سابقًا، تنظرُ إلي، أنتبه، تهرب بعينيها، وينتبه الناس إليّ وأنا أحدّق كأنّني متحرّش! تضحك دون أن تحرّك شفتيها بعد أن تلاحظ كيف احمرّتْ منطقة صغيرة من خدّي هي الوحيدة التي بقيت عارية ولم يصل الشعر إليها، تكرر النظر، وأنا؛ نسيتُ كيف تكون المبادرة، فألبس معطفًا ليس على مقاسي وأمضي، من سمّى المعطف بهذا الاسم؟
أنا بائع الحبّ المصاب بالوحدة، ألتصق بالسرير وأسكنه كرحم أمي، سبعةُ كؤوس كبيرة للقهوة، فارغةٌ، مؤخرًا أحضرت ماكينة القهوة إلى جانب السرير، زجاجة كولا في آخر لحظاتها بلا غاز، أغلفة حبات شوكلاتة مضادة للاكتئاب، منفضة سكائر ممتلئة، ومناديل ورقيّة في كلّ مكان لكلّ منها قصّة، بائع الحبّ الذي صار زبونَ خيالٍ وعشيق مناديل ورقيّة، حَبّ الشباب بدأ يظهر فجأة على وجهي كمراهق، اللحية كانت خيارًا استراتيجيًا أيضًا، بيني وبين السرير علاقة غريبة، هو الوحيد القادر على احتمال أطواري الغريبة، بعتُ حبًا كثيرًا سابقًا لكنني لن أبيع سريري الآن! من يبيعُ ذاته؟ سرير متعدد الاستعمالات، مربّع الشكل، شغل منصب طاولة كتابة لفترة زمنية طويلة، وشهد معارك غراميّة بيني وبين خيالاتي، يشرب القهوة معي صباحًا، ويأكل معي كلّ وجباتي التي أتخيّلها، سرير مدمن على التدخين، يعرفُ أسماء كثيرة لا تعرفه ولم تقترب منه، ويعرف أصواتًا لا تعرفها أذن! ويعرف أسرار الناس التي أخشى البوح بها لأحد، فضائح بالجملة، وقصص جميلة وغريبة، ويكره الأضواء مثلي، من يبيع هذا الكنز الوفي؟
أنا بائع الحب الذي سيموت يومًا، حينها لا تبوحوا لسريري بأسرار جديدة –من جعل الكلمتين قريبتين هكذا؟ سر، سرير، أسرار أسرّة!- لا تحمّلوه فوق طاقته، نفذوا وصيّة (سورينتينو) لامرأة علّمها: "عليك احترام طقوس الجنازة، اذهبي إلى أقرب شخص للفقيد، احضني يديه بيديك، وقولي باختصار: "في الأيام القادمة، عندما تشعر/ ين بالوحدة؛ يمكنك الاعتماد علي".
لا تبكي أكثر من أقربائه .. لا تخطفي أضواء الحزن منهم، هذا أمر ممنوع تمامًا". لا تفعلوا أكثر من ذلك، نفذوا وصيّته فقط، وإذا أردتم خيرًا أكثر، ففصّلوا منه تابوتًا، أو احرقونا وانثروا رمادنا سويّة! هكذا يرتاحُ بائع الحبّ المتعب وسريره!
(سورية)