اهتمامات بن لادن... مؤلفات هيكل وفيسك والتغيرات المناخية

18 مارس 2016
تعمّد بن لادن عدم نشر بيانات بالانتخابات الأميركية 2008(Getty)
+ الخط -

لا تحتوي أوراق تنظيم "القاعدة"، الكثير عن آخرين خارج إطار "المشروع الجهادي". يخصّص قادة التنظيم، بحسب وثائق "أبوت آباد" بنسختها الثالثة التي نشرتها الاستخبارات الأميركية، أخيراً، وقتهم في نقاشات "الحالة الجهادية" في العالم. إلّا أن هناك إشارات إلى أشخاص مؤثرين هنا أو هناك، كتّاب وعلماء دين، منها إشارات إيجابية، وأخرى سلبية، بحسب مواقف هؤلاء الأشخاص من الحالة "الجهادية".

ونُشر في وثائق "أبوت آباد"، على سبيل المثال، دعوات للتواصل مع الكاتبَين، الصحافيَين البريطاني روبرت فيسك، والفلسطيني عبدالباري عطوان، باعتبارهما أكثر تفهماً للحالة "الجهادية"، أو من الممكن أن يعرضوا "الرأي الأخر" الذي يمثّل تنظيم "القاعدة"، وهذا تكرر في الدفعات السابقة من وثائق "أبوت آباد". ورد في إحدى الوثائق، أنّه "كما أرى أن ترسلوا إلى عبد الباري عطوان وروبرت فيسك بأنّ الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ستكون قريبة، والتي هي حصاد عشر سنوات من الحرب الضروس بين المجاهدين وأميركا، وأنتم ترفعون شعار الرأي والرأي الآخر. فهذه فرصة لإيضاح دوافعنا لمواصلة الحرب".

كما أنّ هناك وثيقة موجّهة إلى "الشيخ محمود" من زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، على الأرجح، تطلب ترجمة كتاب للصحافي فيسك، من دون أن يُذكر العنوان، قد يكون محذوفا من المصدر أو من الاستخبارات الأميركية. وبما أن الوثيقة تتحدث عن اقتراب "الذكرى العاشرة لأحداث سبتمبر" أي أنها قبل أشهر من سبتمبر/ أيلول 2011، فعلى الأرجح أن يكون كتاب فيسك المطلوب ترجمته هو "حرب الحضارة الكبرى: احتلال الشرق الأوسط"، الصادر باللغة الإنكليزية عام 2005.

تحتوي إحدى الوثائق، التي من المحتمل أن يكون بن لادن كاتبها، والمؤرخة بـ17 ديسمبر/كانون الأول، توجيهات بالدفاع عن "الدولة الإسلامية" في العراق. الرسالة الموجهة إلى "أبي عبدالله الحاج عثمان" تحوي توجيهاً بالرد على الشيخ السعودي، د. سلمان العودة، باعتباره من المناوئين للتنظيم. يرد في الوثيقة أنه يجب مناصرة "دولة العراق الإسلامية"، "وتفنيد الشبه التي تثار حولها، كما يتولى الرد على جبهة المخذلين والمثبطين والمرجفين بقيادة سلمان العودة ومن شابهه. على أن تكون الردود هادئة غير مستفزة، وعلمية، وموضوعية منضبطة بالضوابط الشرعية ومقتصرة على بعض من ينبغي الرد عليهم".

ومن التوجيهات التي وجدت في وثائق "القاعدة"، من دون أن يتّضح كاتبها، وهو على الأرجح بن لادن، بسبب سياق الخطاب، الدعوة إلى قراءة كتابات الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، كمثال على الكتابات التي يجب أن تُقرأ لفهم الأنظمة العربية، مع مشاهدة برنامج "شاهد على العصر". جاء في الوثيقة، "كما ينبغي الاطلاع على الوثائق والشهادات التي من داخل هذه الأنظمة من وزرائها وضباطها السابقين. وقد ورد بعض منها في عدد من حلقات شاهد على العصر، وتجربة حياة مع هيكل، وهو وزير سابق كان مطلعاً على الكثير من الحقائق خلف الأبواب المغلقة. وأفاد هيكل بكثير منها في كتبه في فصلَين بكتابه (كلام في السياسة)، فصل عن الأردن، وآخر عن المغرب. فعلى أهل كل قُطر أن يطلعوا على ما يخص قُطرهم ليدركوا الحقائق ويقوموا بواجبهم تجاهها".

اقرأ أيضاً وثائق بن لادن: هواجس وملايين مفقودة وشؤون عائلية

وتشير الوثائق إلى إشكاليات مع الشيخ يوسف القرضاوي. لكن تتضمن محاولة لتجنب الرد عليه، أو ربما الرد من دون مهاجمته، بسبب حضوره في العالم الإسلامي. وجاء في الوثيقة، "بخصوص ما أشرتم إليه من أفعال القرضاوي، فثبتت أم لم تثبت، أرى الترفق معه لكثرة أبناء الأمة الذين لا علم لهم بحقيقة حاله. ولا يخفى ما سينعكس على المجاهدين من آثار سلبية إن دخلنا مع أمثاله في مشادات صريحة لا سيما في هذه المرحلة".

والمثير في وثائق "أبوت آباد"، إشارة تظهر اهتمام بن لادن بظاهرة الاحتباس الحراري، وتأثيرها على مستقبل البشر، وربطها بالصراع بين الحضارتَين الإسلامية والغربية. يدعو بن لادن في الوثيقة إلى أن "تعاد الحقوق إلى أصحابها ويتفرغ العالم للسعي إلى إنقاذ البشرية بالقيام بكل ما من شأنه أن يخفف انبعاث الغازات". ويضيف، "فنحن ليس أمامنا خيار إلّا مواصلة القتال للدفاع عن أمتنا، والخيار لدى من يواصل الاعتداء عليها. فهذا صراع بين حضارتَين من أكبر حضارات الأرض في أوضاع مناخية خطرة". ولا تفهم هذه الإشارة إلى "الظروف المناخية"، و"انبعاث الغازات" إلّا في سياق محاولة بن لادن إظهار "القاعدة" كتنظيم مهتم بالعالم أيضاً، ويسعى لإصلاحه، ويملك مشروعاً لـ"إعادة حقوق العالم الإسلامي المسلوبة"، لا مجرد تنظيم دموي يهدف للقتل، ولا يعبأ بالحضارة والإنسانية.

وهنا، في خطاب بن لادن حول "صراع أكبر حضارات الأرض"، يظهر تبني "القاعدة" لرؤية العالم السياسي، الكاتب الأميركي صامويل هنتنغتون حول "صراع الحضارات". الأمر الذي بدا واضحاً بعد أحداث سبتمبر، وحديث بن لادن عن "فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر"، وتوصيف الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، للمعركة بأنها "بين فريقَين لا التقاء بينهما، فإما معنا أو ضدنا". بوش وبن لادن يتقاسمان سوية الإيمان بأفكار هنتنغتون حول صراع الحضارات، وأن الحضارة الإسلامية هي النقيض للحضارة الغربية. الفكرة التي تعرّضت لانتقادات ومراجعات كثيرة، وكان المفكر الفلسطيني ـ الأميركي، إدوارد سعيد، من نقّادها.

كما يتحدث بان لادن في إحدى الوثائق، أنه "تعمّد" عدم إصدار أي بيانات قبيل الانتخابات الأميركية الرئاسية عام 2008، حتى لا يستغل الجمهوريون الخطاب لصالحهم. وجاء في الوثيقة، "بخصوص البيانات والإصدارات من طرفي، فقد تعمدت عدم إصدار أي شيء منها خلال فترة الانتخابات الأميركية خشية أن يوظّفها الجمهوريون لصالحهم بشكل أو بآخر كما قيل في انتخابات 2004". كما تظهر الوثائق اهتماماً دقيقاً من بن لادن بالمسائل الاقتصادية، وحرصه على الربط ما بين الأزمة الاقتصادية التي عانت منها الولايات المتحدة عام 2008، وبين هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

اقرأ أيضاً: هيكل... تاريخ يمشي على قدمين

المساهمون