انهيار النّظام السّوري واقع

26 سبتمبر 2015
+ الخط -
لا عتب على السّوري إن لم ير بعينيه، بل بقلبه، وبما اختزنته نفسه من ظلم ومأساة. ليس عيباً عليه أن يكون جاهلاً بالأمور، ويقدّم حياته فداءَ لا شيء أحياناً، ويضيع بين الحقيقة والشّعارات.
لو تجاوزنا مقولات السّوري حول الإله بعل الذي كان، بالدّرجة الأولى، محارباً انتزع السّلطة بالقوّة، ثم قال: "احمل معولك واتبعني"، ولو اعترفنا بأنّنا لا نملك من الحقيقة سوى الجهل، لاستطعنا الاجتماع على هدف ما، ولو كان هدفاً سياسياً.
نحن مختلفون، وهذا إغناء للحياة الاجتماعيّة، لكّنّنا مخالفون ما تراه أعيننا، وتسمعه آذاننا، وكلّ ما نسمعه عن تلك الآمال التي يسعى إليها ملايين السّوريين في مكان ما خارج سوريّة هو الدّفاع الأخيرعن الحياة، فقد استفاق السوريون من موتهم، ومن عزّة الرّوح، نهضوا وساروا مغادرين، وسقط بعضهم ميتاً.
الموت يتزايد في البحر، ويمكن القول إنّ خمس الرّحلات تغرق، وبعضها يغرقه الجانب التّركي أو اليوناني عمداً.
لو اعترفنا أنّ أنصار النّظام السّوري في دول اللجوء يستطيعون إدارة الحياة بشكل جيد، كونهم لم يأتوا من الفقر، بل أتوا من المعرفة الكاملة بقوانين الغرب، وثغراته القانونيّة، ويستطيعون تبييض الأموال، والتّجسس على الملايين من الفقراء الذين وصلوا أخيراً، وإخافتهم.
لو اعترفنا أنّ كثيرين من أنصار المعارضة إسلاميون مع داعش، وأنّ السّوري واقع تحت مراقبتهم، لعرفنا أنّنا في دوامة اسمها استمرار النّظام.
ماذا على الأرض؟ لا نظام على الأرض. يوجد حواجز مواليّة للنّظام. لكن، عندما تتعارض مصالحها المادّية مع منظومته لا مانع لديها من إطلاق النّار على تلك المنظومة، حتى لو كانت مخفر شرطة.
هناك بعض السّماسرة في سوريّة لا يغادرونها، أرسلوا عائلاتهم بالطّائرات، وبقوا في الأقبية الأمنية يسمسرون على حساب تلك الأجهزة، وقد يقبضون أكثر من الأجهزة نفسها، حيث لا تسمع الأجهزة إلا بالسّمسرة التي يفصح عنها العميل. في سوريّة اليوم أغنياء جدد بمرتبة أمير.
النّظام السّوري انهار منذ عام، وما التّدخل الروسي سوى للحفاظ على ماء وجهه، وجلب نظام بديل يسكت عنه الشّعب السّوري.
تلقيّنا في المدارس والجامعات السّورية جهلاً ممنهجاً، وتمّ إذلالنا وإيصالنا إلى الحدّ الأدنى من الفقر، فتخلّفنا، وارتبطنا مع الوهم. لم نسأل أنفسنا: لماذا يبقى الزّعماء العرب في مناصبهم حتى سنّ الثمانين، ولا يفكّرون بالمغادرة؟
لماذا تظهر العناصر الإسلامية الإرهابية في الدّول الدكتاتوريّة العربية، مع أنّ الإسلام في تلك الدول متسامح؟ في سورية، استقبل مسلموها الأرمن واليونانيين والأوروبيين في بيوتهم منذ أكثر من مائة عام، وتاريخهم يقول إنّهم إنسانيون. لكن، عندما تقسّم البلد بين مسلم يستحقّ القتل وغير مسلم، وتفرغ المناطق العربية من ساكنيها بالقتل والتهجير، لن يجد النّاس أمامهم سوى داعش كي يأخذ حقّهم، وهو حقّ لا يتعدى القصاص، فالقلوب المحروقة عندما تقتل عائلاتها أمامها تفقد كثيراً من إنسانيتها.
تسن الأقليّات الطائفية والقوميّة أسنانها كي تشكل دولاً، أو مناطق ذات حكم ذاتي. هم يصدّقون وعود أميركا، ولو أرادت لفعلت، ولن يستطيع السّوريون فعل شيء حينها، لكنّها لن تفعل، لأنّ مصلحتها في سورية واحدة ومقسّمة في الوقت نفسه.
ليس الإرهاب هدف الدّول القادمة بطائراتها، فالهدف الحقيقي وضع المصالح الدّوليّة على الأرض في ظل انهيار النّظام الذي لم يبق منه سوى شخص بشار الأسد، وهذه مهمة لاحقة للغرب.
avata
avata
ناديا خلوف (سورية)
ناديا خلوف (سورية)