انكماش خليجي كبير بسبب كورونا والنفط

12 يونيو 2020
إجراءات تقشفية في السعودية تزيد الأعباء المعيشية (فرانس برس)
+ الخط -

تُلقي التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا بظلال سلبية على دول الخليج العربي، التي يتوقع أن تشهد انكماشاً كبيراً خلال العام الجاري، 2020، لا سيما مع تراجع عائدات النفط.

وجاءت توقعات البنك الدولي، التي كشف عنها مساء الاثنين الماضي، صادمة، حيث رجح انكماش اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي الست بشكل عام بنحو 4.1 في المائة، لتكون الكويت الأكثر تأثراً، بينما يتوقع أن تكون قطر الأقل تضرراً.

ووفق البنك الدولي، يتوقع أن ينكمش اقتصاد الكويت بنسبة 4.5 في المائة، تليها البحرين بنسبة 4.4 في المائة، ثم الإمارات 4.3 في المائة وسلطنة عُمان 4 في المائة والسعودية 3.8 في المائة وأخيراً قطر 3.5 في المائة.

وفي ظل هذه التوقعات، حذر خبراء اقتصاد من تأثير الانكماش على ميزانيات الدول الخليجية، حيث يتوقع تفاقم عجز الموازنات مع انحسار الإيرادات، ما يلقي بظلال قاتمة على أسواق العمل في البلدان التي تستقطب ملايين العاملين الأجانب.

استنزاف موارد السعودية

تصاعدت المخاوف بشأن قدرة السعودية على تجاوز أزمة عجز الميزانية في ظل تراجع الإيرادات النفطية واستمرار المملكة في الانخراط في صراعات خارجية، خصوصا التدخل العسكري في اليمن، الذي يستنزف مواردها المالية.

ومطلع العام الحالي، أعلنت السعودية عن موازنة 2020 قبل جائحة كورونا بإنفاق 272 مليار دولار، مقابل إيرادات بـ222 مليار دولار، متوقعة عجزاً قيمته 50 مليار دولار، إلا أن خبراء اقتصاد يتوقعون تفاقم عجز الميزانية بسبب تفشي الفيروس رغم إغلان وزير المالية محمد الجدعان، في مايو/ أيار الماضي، عن إجراءات تقشفية واسعة.

وقال عبد العزيز الفهيد، أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة الكويت، لـ"العربي الجديد"، إن توقعات مجموعة البنك الدولي بشأن انكماش الاقتصاد السعودي بنسبة 3.8 في المائة تعزز المخاوف بشأن المخاطر الكبيرة التي تواجهها المملكة، خصوصا مع فشل إجراءات السلطات في العودة التدريجية للحياة الطبيعية مع زيادة معدلات الإصابة بفيروس كورونا، مضيفا أن "إطالة أمد الأزمة ستضع السعودية أمام خيارات اقتصادية ومالية صعبة ومؤلمة".

وبدأت المملكة في تطبيق إجراءات مؤلمة، على حد وصف وزير المالية محمد الجدعان، في تصريحات إعلامية، مطلع مايو/ أيار الماضي، لمواجهة تهاوي عائدات النفط والخسائر الناجمة عن كورونا.

وقررت المملكة إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر يونيو/ حزيران الجاري، وكذلك رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها من 5 في المائة إلى 15 في المائة، بدءاً من الأول من يوليو/ تموز المقبل، الأمر الذي يزيد الأعباء المعيشية على المواطنين.

ولا تقتصر الإجراءات الحكومية على إلغاء بدل غلاء المعيشة وزيادة ضريبة القيمة المضافة ورفع الرسوم الجمركية، وإنما قد تطاول رواتب الموظفين، حيث كشفت الحكومة، في 11 مايو/ أيار الماضي، عن تشكيل لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية التي تصرف لجميع العاملين والمتعاقدين، وينتظر الكشف عن توصياتها.

وتتعرض السعودية، التي تشهد إنفاقاً كبيراً على شراء الأسلحة، لضغوط مالية كبيرة بفعل تداعيات جائحة كورونا وتهاوي عائدات النفط، ما دفع الحكومة إلى السحب من الاحتياطي النقدي، وتقليص استثماراتها في أدوات الدين الأميركية.

وأظهر رصد لـ"العربي الجديد"، نشر في الأول من يونيو/ حزيران، أن المملكة سحبت نحو 51 مليار دولار من أصولها الاحتياطية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، من أجل تغطية الخسائر الناجمة عن تهاوي أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا اللذين أطاحا استثمارات المملكة في صناديق ومشروعات عالمية تبناها وليّ العهد محمد بن سلمان.

وكشفت البيانات الواردة في نشرات مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، عن تراجع إجمالي الأصول الاحتياطية في إبريل/ نيسان الماضي إلى 1.682 تريليون ريال (448.5 مليار دولار)، مقابل 1.873 تريليون ريال بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2019.

هشاشة القطاع الخاص بالإمارات

وحول الوضع في الإمارات، قال الخبير الاقتصادي الإماراتي يوسف اليعقوبي، خلال اتصال عبر سكايب مع "العربي الجديد"، إن جائحة كورونا ساهمت في تباطؤ أنشطة القطاع الخاص غير النفطي بشكل أكبر، بينما كان يعاني بالأساس قبل الأزمة لتصل أوضاع الشركات إلى أضعف مستوى لها على الإطلاق.

وقدر اليعقوبي خسائر الاقتصاد الإماراتي في ظل الجائحة بنحو 52 مليار دولار، بسبب تراجع الناتج الإجمالي المحلي وتوقف الأعمال وانهيار أسعار النفط وخسائر دبي التي تعتمد على السياحة وتجارة العقارات والخدمات اللوجيستية وقطاعات التصدير والاستثمار في ظل انحسار مستويات الثقة العالمية والمحلية.

وفق تقرير حديث صادر عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، فإن تأثير جائحة كورونا غير المباشر على النمو العالمي والتجارة الدولية يشكل صدمة كبيرة للنمو الاقتصادي في الإمارات.

وتوقعت موديز أن تعاني الإمارات من انكماش حاد، كما أكد أن ديون الكيانات المرتبطة بحكومة دبي لا تزال أكثر عرضة للمخاطر بسبب حيازاتها في قطاعات العقارات والنقل والسياحة.

تحديات كبيرة للكويت

ومع الانكماش الكبير المتوقع للعام الحالي بنسبة 4.5 في المائة، فإن توقعات النمو للعام المقبل تبدو ضعيفة جدا لتصل إلى 1.1 في المائة، وفق البنك الدولي، ما يضع الكويت أمام تحديات لإقالة الاقتصاد من عثرته.

وقال الخبير الاقتصادي الكويتي عبد العزيز المبارك، لـ"العربي الجديد"، إن توقف الأعمال والاستمرار في الإجراءات الاحترازية وعزل المناطق والحظر الجزئي وتعليق الطيران والانهيار غير المسبوق لأسعار النفط، الذي تسبب في تراجع الإيرادات المالية، أدى إلى تفاقم عجز الميزانية، حيث من المتوقع أن يبلغ 61 مليار دولار، فيما تشكل الإيرادات النفطية نحو 93% من إجمالي الناتج المحلي للدولة.

وحذر المبارك من ارتفاع معدلات البطالة بسبب تسريح الشركات للعاملين وعجز الاقتصاد عن توفير وخلق فرص عمل جديدة، وزيادة المخاطر التي تواجه الشركات وأصحاب الأعمال الذين سيواجهون الإفلاس بسبب انخفاض الطلب وتراجع الإيرادات المالية في ظل الاستمرار في الوفاء بالالتزامات المختلفة.

وفي وقت سابق، كلف مجلس الوزراء الكويتي وزارة المالية بتخفيض ميزانية الجهات الحكومية بحد أدنى 20 في المائة، كما يعكف على دراسة بعض الإجراءات لمعالجة الوضع الاقتصادي المتأزم، من بينها إقرار قانون يسمح باقتراض نحو 65 مليار دولار، فضلا عن فرض ضرائب واسعة.

ديون وعجز للبحرين

فاقمت جائحة كورونا من الصعوبات المالية التي تواجهها البحرين التي تعاني بالأساس من تراجع عائدات النفط، ما يضاعف أزمتي الديون وعجز الموازنة.

وقررت السلطات البحرينية، في وقت سابق، تخفيض إنفاق المؤسسات الحكومية والهيئات التابعة لها بنسبة 30 في المائة، فضلا عن إعادة جدولة عدد من مشاريع البنية التحتية بسبب زيادة الإنفاق بشأن مواجهة تفشي فيروس كورونا.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة البحرين سعد الرماح، لـ"العربي الجديد"، إن تأثير الانكماش الاقتصادي سيؤثر على عجز الميزانية وسيمتد لسنوات، في ظل تراخي الحكومة وقراراتها المتخبطة بشأن الإصلاحات الاقتصادية، مشيرا إلى أن توقعات البنك الدولي بشأن معدلات الانكماش تعد جرس إنذار للحكومة.

وتحتاج الدولة إلى مساعدات خليجية إضافية هذا العام، بينما جيرانها الأكثر ثراء قد يكونون هم أنفسهم في حالة عسر، بسبب تهاوي أسعار النفط والتداعيات الاقتصادية لكورونا، واستمرار الحرب باهظة الكلفة التي تخوضها السعودية والإمارات ضد الحوثيين في اليمن، فضلاً عن التوترات في منطقة الخليج وعلى رأسها حصار قطر، المستمر منذ الخامس من يونيو/ حزيران 2017.

وفي عام 2018، تعهدت السعودية والإمارات والكويت بتقديم مساعدات للبحرين بقيمة 10.25 مليارات دولار على خمس سنوات من أجل تفادي أزمة مالية، مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية تشمل خفض الدعم وتقليص الرواتب.

إجراءات عمانية لتجاوز الأزمة

تتزايد الإجراءات العمانية لمواجهة تأثيرات الجائحة التي أضرت بمختلف القطاعات فضلا عن تراجع أسعار النفط الذي يعد أهم مصادر الدخل في السلطنة.

ورغم توقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد العماني بنسبة 2.2 في المائة في العام 2021، إلا ان نسبة الانكماش الكبيرة للعام الجاري البالغة 4 في المائة، تخلف الكثير من الصعوبات التي يرى خبراء اقتصاد أنها تحتاج إلى وقت لتدراكها.

وأقرت عُمان إجراءات تحفيزيةٍ عدة تبلغ قيمتها نحو 20.8 مليار دولار، لمساعدة الاقتصاد على التغلب على تأثيرات جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط.

قطر الأقل تضرراً

أظهرت توقعات البنك الدولي أن قطر ستشهد أقل الأضرار وسط دول مجلس التعاون الخليجي، بفضل سياسات حكومية لتحفيز الاقتصاد والعمل من أجل رفع مستوى التنمية في البلاد.

وقال المستشار الاقتصادي لمركز الخليج العربي للاستشارات الاقتصادية تميم المناعي، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة القطرية تمكنت من توفير مصدات كافية للصمود في وجه التداعيات الاقتصادية من دون الإفراط في فرض الإجراءات الاحترازية، مشيرا إلى أنها اتخذت قرارات سريعة مكنتها من تجاوز الأزمة بأقل الأضرار بفضل التنويع في الاقتصاد والاعتماد على الذات.

وتبدأ قطر، في منتصف يونيو/ حزيران الجاري، المرحلة الأولى من رفع القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، لتعاود المجمعات التجارية ومحلات التجزئة فتح أبوابها تدريجياً، وفقاً لعدد من الشروط والضوابط الاحترازية، فيما أكدت وزارة التجارة والصناعة، مساء الاثنين الماضي، استمرار الإعفاءات والتسهيلات المقدمة من الدولة للمستثمرين، حتى بعد الفتح التدريجي للأنشطة الاقتصادية، للتأكد من متانة وقوة القطاع الخاص.