انقلاب مع وقف التنفيذ في عدن بأوامر إماراتية

17 أكتوبر 2018
المخطط كان يشمل الاستيلاء على المؤسسات الإيرادية(كريم صهيب/فرانس برس)
+ الخط -
يثير تراجع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً عن مخططه لبسط السيطرة على عدن وباقي مناطق جنوب اليمن، وطرد الحكومة الشرعية، والاستيلاء على المؤسسات الإيرادية في مختلف المدن، والذي كان من المقرر تنفيذه يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول، في الذكرى الـ55 لطرد الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن، تساؤلات عدة حول السبب الحقيقي خصوصاً بعدما فشلت تبريرات المجلس في إقناع أنصاره.

ووفقاً لمقربين من المجلس تواصلت معهم "العربي الجديد" فإن قرار وقف التصعيد اتخذ بناء على أوامر واضحة من الإمارات طلبت إلغاء المشاركة في فعالية أكتوبر، فضلاً عن عدم إصدار بيان أو تصعيد جديد لفترة مؤقتة، بسبب الأزمة التي تمرّ بها السعودية على خلفية تورطها في تصفية الصحافي السعودي جمال خاشقجي.



ومع أن المجلس الانتقالي لم يوضح ما إذا كان ألغى بشكل كامل تحركاته أم أرجأها مؤقتاً فقط، إلا أنه وفقاً لمقربين منه لن يتوقف، خصوصاً أن المخطط جاهز لكن التطورات التي تسارعت خلال الأيام العشرة الماضية جعلت من غير الملائم تنفيذه في 14 أكتوبر، خصوصاً بعد أن تأجل لأكثر من يوم.
ووفقاً لمصادر خاصة وبعضها مقرب من الانتقالي، تواصلت معها "العربي الجديد" بشكل منفصل، فإن الشروع في المحاولة الانقلابية الثانية كان مقرراً في ٥ أكتوبر، للسيطرة على المؤسسات الإيرادية، وطرد الحكومة الشرعية، والاستيلاء على قصر المعاشيق (مقر الرئاسة في عدن). وعملت الإمارات والانتقالي على الحشد والدفع بالجماهير، وتحريك القوات العسكرية الموالية لهما في كل المناطق وبغطاء إعلامي كبير.
لكن لم تكن هناك رؤية واضحة للانتقالي لما بعد طرد الحكومة، فضلاً عن كيفية مواجهة الشارع الذي بدأ ينحاز إلى أطراف أخرى. لذلك حاول الإماراتيون إصلاح الخلل، وتأجّل التنفيذ لموعد جديد كان محدداً بين 8 و9 أكتوبر، لكن تم استدعاء قيادة الانتقالي إلى أبو ظبي، وهناك تغيرت الخطة.
فقد عقد المسؤولون الإماراتيون لقاءات مكثفة مع قيادات الانتقالي، ونائب الرئيس السابق، رئيس الوزراء السابق خالد بحاح في أبو ظبي، لمناقشة خطوات الانتقالي التصعيدية ضد الشرعية، وتغيّر تاريخ نقطة الصفر للتحرك إلى يوم 14 أكتوبر. وبدأت الحملة الإعلامية من أبو ظبي، وخاصة من قناة أبو ظبي. ووفق الخطة تنهج وسائل الإعلام نهج قناة أبوظبي نفسه، ودفعت بقيادات الانتقالي إلى الظهور الواحد تلو الآخر، بمن فيهم قادة القوات والمجموعات العسكرية والأمنية، الموالية للانتقالي والإمارات.

وترافق ظهور القيادات السياسية والعسكرية مع إطلاق التهديد والوعيد ضد الحكومة الشرعية. وخرج المتحدث باسم المجلس الانتقالي سالم ثابت العولقي في منشور على صفحته، في فايسبوك، يتحدث عن "الاستقلال الثاني"، بنفس مناسبة الاستقلال الأول في ١٤ أكتوبر.
وحسب المصادر فإن الخطة التي تم الاتفاق عليها كانت تقضي بانتظار رئيس المجلس الانتقالي، اللواء عيدروس الزبيدي، حتى انتهاء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من خطابه السنوي في ذكرى 14 أكتوبر (عادة يلقي في 13 أكتوبر) وبعدها بساعة يلقي بياناً يدعو إلى بدء السيطرة على المؤسسات الإيرادية، ثم بعد ذلك السيطرة على قصر المعاشيق، وهي المنطقة التي قد تنحصر فيها المواجهات، إلى جانب أماكن تواجد المعسكرات الموالية للشرعية.
ووفق المصادر فإن المؤسسات الأخرى تقع عملياً تحت سيطرة الإمارات وحلفائها بواسطة قوات الحزام الأمني ومجموعات موالية لها حتى قبل محاولة الإمارات والانتقالي تنفيذ الانقلاب الأول الذي حدث في يناير/كانون الثاني الماضي، إذ تبسط القوات الموالية للانتقالي والإمارات السيطرة على المنافذ البرية والبحرية والجوية، فضلاً عن المباني الحكومية في عدن، بما فيها المؤسسات الإيرادية.
وكان من المخطط في 14 أكتوبر أن يعلن عن الاستحواذ على هذه المؤسسات رسمياً، من خلال إصدار بيانات متتالية، بشكل متسلسل عن سيطرة قواتهم على مؤسسة بعد أخرى، على أن تبدأ عملية السيطرة بعد بيان رئيس المجلس الانتقالي مباشرة. وبحسب المخطط كان يفترض أن يعلن أنه تمت السيطرة على هذه المؤسسات دون مواجهات، وأنه تم تسليمها من قبل القوات الموجودة فيها، بنفس الوقت الذي يتم فيه تجهيز القوات لمهاجمة قصر المعاشيق والمعسكرات التابعة للشرعية، فضلاً عن السيطرة على الثروات النفطية في حضرموت وشبوة، بمساعدة مباشرة من الإمارات.
وإلى جانب ذلك، خرج اجتماع أبو ظبي بمخطط جديد، وهو الإعلان عن حكومة جنوبية مصغرة من عدن، وتعيين شخصيات موالية للإمارات والانتقالي تتولى إدارة المحافظات والمؤسسات الإيرادية. ولوح قادة الانتقالي أثناء وصولهم إلى عدن، آتين من الإمارات بذلك. وكانت مهمة الإمارات إعطاءهم الغطاء السياسي والعسكري، كما حدث في مصر وليبيا، لكنها لن تدعمهم في الانفصال.
لكن المفاجآت بدأت تتوالى منذ يوم 12 أكتوبر، أي قبل يومين من الموعد الجديد للتحرك، إذ عقد المجلس الانتقالي لقاء بين هيئاته، وخرج بخبر صحافي قال فيه إنه تقرر "عدم تنظيم فعالية مركزية في الرابع عشر من أكتوبر".
وجاء التبرير مستغرباً إذ ربط القرار بـ"الأوضاع المعيشية والإنسانية الصعبة التي يشهدها الجنوب ويعانيها أبناؤه في كل المحافظات نتيجة الانهيار الاقتصادي الكبير وانهيار العملة المحلية وغيرها من صور الانهيار الناتجة عن الفساد الحكومي والسياسات الاقتصادية الكارثية". مع العلم أن الوضع الاقتصادي كان ذريعة الانتقالي للتصعيد ضد الحكومة.
كذلك ألغى رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي كلمته. وهو ما ربطته المصادر بالأوامر الإماراتية بوقف أي تصعيد.



وأشار مصدر مطلع على علاقة الإمارات والانتقالي في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن بعض قادة الانتقالي كانوا منزعجين من منعهم للمرة الثالثة من إصدار البيان، وحاولوا إقناع الإماراتيين في التصعيد، حتى لا يفقدوا مزيداً من شعبيتهم في ظل حراك شعبي ضاغط، بسبب الوعود المتكررة، لكن الإماراتيين طلبوا منهم التأجيل والتحمل.
وترافق ذلك بحسب ما يقوله مسؤولون في الشرعية وآخرون في الانتقالي، تواصلت معهم "العربي الجديد"، مع إبلاغ السعودية الأطراف المعنية، بما في ذلك الانتقالي، أن الاعتداء على الشرعية في عدن هو بمثابة اعتداء عليها، وهو ما يفسر في جزء منه حالة الغضب بين أنصار الانتقالي على السعودية.
وشكل القرار صدمة وسط أنصار المجلس من نشطاء وصحافيين، وتباينت ردود الفعل حيال ذلك.
واعترف العديد من أنصار المجلس الانقلابي في وسائل التواصل الاجتماعي، بأن الانتقالي خذلهم بسبب ارتهانه للإمارات. وكان الانتقالي يعد الأكثر شعبية في الجنوب، لكن بسبب ارتباطه بقرارات خارجية، لا سيما الإمارات التي باتت تتحكم في قراراته، وتكرار الفشل، تراجعت شعبيته إلى حد كبير.
من جهة أخرى شنّ صحافيو الانتقالي ونشطاؤهم هجوما يعد الأكبر من نوعه على المملكة العربية السعودية، في وسائل الإعلام الاجتماعي، واتهموها بأنها سبب ما يتعرض له الانتقالي وبأنها تقف مع الشرعية ضد الانتقالي، وتحرّض الشارع ضد السعودية. لكن بعد اتصالات من قيادات في الانتقالي، سحب عدد من أعضائه والصحافيون المحسوبون عليهم منشوراتهم ضد السعودية، فيما رفض آخرون التراجع واستمروا في الهجوم.

في المقابل فإن خصوم الانتقالي، اعتبروا فشل الانتقالي في تنفيذ وعوده، نتيجة طبيعية، بحجة أن القرار ليس بيده، وأنه مجرد أداة، وربطوا بين محاولته عرقلة إقامة فعالية ١٤ أكتوبر التي نفذتها قوى جنوبية أخرى، من خلال شن حملة اعتقالات لمنظمي الفعالية، إلى جانب منع وفود مشاركة من خارج عدن من دخولها للمشاركة، وبين مساعيه لتقديم نفسه كممثل وحيد للجنوب، وهكذا يدفع داعميه حتى ينفذوا مخططهم.
ولم تكن الشرعية اليمنية غائبة عما تخطط له الإمارات والمجلس الانتقالي. ووفقاً لمسؤول في الحكومة الشرعية، تحدث مع "العربي الجديد"، إنهم "كانوا يدركون لمخطط الانقلاب، وكانت تصلهم معلومات حول الاستعدادات، وبكل التفاصيل، وما كان من الحكومة إلا رمي الكرة في ملعب السعودية، وتداعيات أي انقلاب ثان على مستقبل التحالف في اليمن".

ضمن هذا السياق جاء خطاب الرئيس اليمني عبد ربه منصور عشية ذكرى 14 أكتوبر، الذي اتهم فيه ضمناً الانتقالي بالتبعية لإيران بقوله "لن أسمح على الإطلاق باقتتال الجنوبيين فيما بينهم، وما يجري في صنعاء لن يتكرر في الجنوب وعلى الذين يفكرون به أن يبتعدوا لأنني لن أسمح به وعليهم أن يغلقوا حسابهم الذي تمده إيران".
وتواجه قيادات في الانتقالي اتهامات بأنها كانت موالية لإيران وأن البعض منهم لا يزال على علاقة بها. وكان رئيس المجلس الانتقالي الحالي، اللواء عيدروس الزبيدي، زعيم مجموعة مسلحة موالية لإيران، قبل الحرب، تنشط في جنوب اليمن، وعددها بالآلاف. ووفق المعلومات المؤكدة من مصادر عدة تحدثت مع "العربي الجديد" فإن تلك المجموعة انضمت تحت لواء عسكري يسمى لواء الجن، ومقره في جبل حديد وسط عدن، وهذا اللواء مازال يتبع بشكل مباشر لعيدروس الزبيدي، فيما رئيس الدائرة السياسية في الانتقالي، الدكتور ناصر الخبجي، الذي يتواجد في القاهرة، كان الشخص الذي كان يتم الترويج له في وسائل الإعلام الموالية لإيران قبل الحرب، كرئيس وزراء في الجنوب، أثناء ما كانت إيران تدعم انفصال جنوب اليمن. وتوجد له، مثل الزبيدي، تصريحات سابقة تعود إلى فترة ما قبل الاجتياح الحوثي لصنعاء ومن ثم التمدد نحو المحافظات الجنوبية يدافع فيها عن التقارب مع إيران في مقابل مهاجمة الدور السعودي.