أن تضع وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، تركيا قيد المراجعة بهدف تخفيض تصنيفها، فهذا خبر وربما بداية لتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وعدد السياح، وقد لا يكون الرد عليه كافياً، عبر الطمأنة اللفظية التي قالها رئيس وكالة الترويج ودعم الاستثمار، أو حتى من خلال تخفيض سعر الفائدة أكثر من 25 نقطة .
والسؤال هنا، أينجح مؤيدو الانقلاب التركي الفاشل، ومن هم خارج الحدود خاصة، بإدخال تركيا بدوامة "التطهير" والسياسة والعلاقات الخارجية، ليلهوها عن الاقتصاد، الذي كسبت منه قوتها ودخلت كنمر اقتصادي صاعد، لم تقف أحلامه عند الـ 16 الكبار عالمياً، أم ثمة أولويات لا يمكن القفز عليها، تبدأ من السياسة والأمن الداخلي، وإن كانت بعض قطاعات الاقتصاد لا تحتمل التأجيل.
يمكن وفق مراقبة ومتابعات القول، إن ثمة حيفاً طاول الاقتصاد، سرعان ما بدأ الأتراك تلافيه، قبل أن يرمي بظلاله على النمو والإنتاج وثقة المناخ الاستثماري التي دفعت، ولم تزل، له تركيا الكثير.
فما إن اختبر صناع القرار التركي نوايا رجال الأعمال، بعد موجة التورط بالانقلاب، التي دفعتهم ربما لينفخوا على اللبن بعد أن أحرقهم حليب المقربين، حتى من الرئيس التركي ذاته، وتأكدوا أن الليرة وسوق المال "البورصة" بخير.
ولم تحدث انهيارات كما خال البعض، بل ربما العكس، تحسن سعر الليرة وأداء سوق الأوراق المالية، بعد وقوف أصحاب الاستثمارات والرساميل إلى جانب الديمقراطية، راح المسؤولون، ليقينهم أن قوة تركيا باقتصادها لا بعسكرها، إلى بقية الأولويات الاقتصادية، وإن بتؤدة، بعد أن هدأت نسبياً حمى السياسة والاعتقالات... وإن كانت عقابيلها لا تزال قائمة.
ولأن الطاقة البشرية هي حامل التنمية، وكل ما عداها محمول، رأينا التركيز فور الاطمئنان على الأمن والنقد، ينصب على موظفي الدولة، فتقرر تعليق الإجازات السنوية لأكثر من ثلاثة ملايين موظف في تركيا، ودعوة من هم بإجازة إلى العودة سريعاً لأعمالهم، بعد الشلل النسبي الذي بدا خلال أول يوم دوام "الاثنين" بعد يومي عطلة تلت الانقلاب الفاشل، اثر تجميد مهام 8777 موظفا، للاشتباه بعلاقتهم بالمحاولة الانقلابية.
ربما كان العدد الأكبر من المشتبه بهم ليسوا في قطاعات إنتاجية وخدمية، وجلهم في قطاعي الشرطة والدرك والقضاء، بيد أن الرقم الذي رمته وزارة المالية ومن ثم وزارة التعليم، للاشتباه بصلتهم بالداعية، فتح الله غولن، وما يمكن أن تزيده التحقيقات من تورط آخرين، قد يكون عصا قوية تعيق عجلة الإنتاج عن الدوران، والتي أصيبت ببعض مسامير من ذي قبل، إن لجهة العقوبات الروسية أو ما يتعلق بتراجع الصادرات.
جاءت الخطوة المتممة، عبر تخفيض أسعار الفائدة على الاقراض بنحو 25 نقطة، علها، وإن أقل من المتوقع، تخفّض من تكلفة الأموال وتزيد من العرض النقدي بالسوق، وتجذب ولو بعض الاستثمارات المتوقع هروبها أو تورطها بالانقلاب، لأن من يعرف بنية الاقتصاد التركي، قد لا يستهين برأس المال والاستثمارات التي يديرها التيار الموازي أو التي يمكن أن تخرج، اثر المواقف الغربية والأميركية التي تعلن استهدافها لتركيا وتتدخل حتى بطريقة معاقبة الانقلابيين.
نهاية القول: المؤشرات جميعها تدلل على عدم قرب انتهاء تداعيات الانقلاب الفاشل وما يمكن أن تحدثه، حتى برسم ملامح علاقات تركية خارجية جديدة، فإن أقر البرلمان، على سبيل المثال، عقوبة الإعدام، فهذا يعني تلاشي أمل تركيا بالدخول للاتحاد الأوروبي.
وإن استمرت واشنطن بالتدخل، أو ثبت ضلوعها بالانقلاب، فذلك سيفرض تعاطياً جديداً، لن يقف عند حدود السياسة والدبلوماسية، ما يعني، وهذا ليس بالأحجية ولا شك أن الأتراك بصورته، إدخال أنقرة بدوامة الإلهاء والتعطيل، لتكون أنقرة بمواجهة انقلابات جديدة وحركات ارتدادية، تستهدف داخلها واقتصادها بكل قطاعاته، وليس السياحة أو الاستثمار الأجنبي المباشر فقط.
وقد تفوق تلك العقابيل بآثارها، ما تأتى عن زلزال الانقلاب نفسه، ولعل نسبة النمو المرتفعة التي وصلتها تركيا وإعاقة حلم 2023، ستكون أول أهداف الانقلابين الجدد .