07 نوفمبر 2024
انقلابات تنام على وسادة واحدة
في هذا الجو المشحون بالعجز من المحيط إلى الخليج، ويراه حتى الأعمى، مؤتمراتٌ لا تقول شيئا، وعسكرٌ يستغلون صمت الجميع والاستيلاء على إرادة الجميع بقوة السلاح الذي هو من مال تلك الشعوب المغلوبة على أمرها، وإعلام يكذب ليل نهار مغنيا على ليله الأسود، فطالما رجل الأعمال يكسب، فالإعلامي يكذب مقابل الفلوس. تجمعات انقلابية تتآلف في "ليل" واحد، يشبه إلى حد كبير ليل اللصوص. جنرال عجوز في ليبيا بجواز سفر أميركي، فيه من علامات العته ما يخفي أي ملمح لنجابةٍ أو تعقُّل، أو حتى إلمامة بالعسكرية، وتاجر جِمال من السودان يذكرني "بالِنمَر الكوميدية" في تلفزيون الأبيض والأسود حول عبد الغني قمر أو عبد الغني النجدي. كل هذا العته "ابن المرحلة بامتياز" يأخذ حقن غلكوزه وسلاحه ومرقة دجاجه وتغطيته الإعلامية، صمتا أو تصريحا أو ألغازا، ومحاباته دوليّا، من القاهرة، وبالطبع الذي سرق جمل مصر يداري على من سرق ضبعا من ليبيا، أو زرافة من الخرطوم. الكل منهم أحسّ بالفطنة أنهم في مركبٍ واحد، ولا أمل لهم في البقاء إلا بالتساند حتى آخر قطرة من دم.
صحيح أن مصر، صاحبة أول انقلاب استطاعت، بحكم عدم ترحيب الغرب بحكم الإخوان المسلمين، أن يتحرّك دوليا، حتى وإن تعثرت أمنيا أو اقتصاديا، أو لم يجد نظامها له من هيبة تُثبت في أركانه سوى بسجن الآلاف، وبناء السجون الجديدة والاعتقالات المستمرة، إلا أنه استطاع أن يصل إلى منتصف البحر. صحيح أن "الشيلة ثقيلة"، وخطاب السلطة قد شبع استهلاكا وتمزيقا، ولم تعد العاطفة الممتزجة بالوعود و"تسبيل العين" والدموع أحيانا، واحتضان الأطفال الصغار في الملمات، أو تقبيل رؤوس السيدات العجائز، ولا حتى حلقاتهن أو خلاخيلهن بفائدتها نفسها وبومردودها الأول نفسه، بعدما أفاق الناس على نظامٍ يحاول، في كل يوم، أن يزيد من خزينته على حساب جيوب الفقراء، إلا أنه، على الرغم من كل مصائب النظام، لا بد من أن يتحمل "ثورات وقفزات جمله في السودان"، أو عته حفتر في ليبيا، وحتى الجيش الأول في بوادي دمشق.
نحن أمام كتلةٍ من العناد تعرف جيدا أن التهاون في تماسكها وتساندها سيكلفها وجودها نفسه. ومن "اتلسع" من شباب ثورة يناير شتاءً يبني مزيدا من السجون صيفا وشتاء، ويشتري مزيدا من السلاح، إلا أن هناك ذلك الشيء المدهش على الجهة المقابلة من الأمر، فكما أن الانقلابات تتساند على بعضها، فالثورات أيضا تجدّد دماء بعضها بعضا، وتصل ما انقطع من بعضها، في تناغمٍ وكأنه متفق عليه، وهذا أيضا يزيد من وتيرة جنون المنقلبين على الطرف الآخر من المشهد، فمن كان يدري من خمسة أشهر فقط أن جحافل بالملايين ستملأ ميادين الجزائر بعد عشرين سنة، ومن كان يتصوّر أن عمر البشير الذي رقص بالعصا من أشهر، نكاية وغيظا للشعب وثورته الأولى، ستطوى صفحته تماما بعد ثلاثين سنة من المواءمات الإقليمية والتأرجح من بين شريعةٍ معلنةٍ ودماء تسيل أنهارا في دارفور، يحرّكها "تاجر جمال"، تمتد قبيلته ما بين تشاد والسودان؟ ومن كان يقول إن علي عبد الله صالح الذي قال للملايين "فاتكم القطار" فاته هو القطار مع القذافي وبن علي ومبارك أيضا.
أدلة دامغة تقول إن الناس لم ولن تموت في بلاد مقهورة بعسكرها من ستين أو خمسين سنة، وعلّ هذا الرعب الأخير هو ما جعل رد فعلهم أكثر من المتوقع، وخصوصا في فض الميادين في الخرطوم، أو شراسة حفتر في محاولته اليائسة لاقتحام طرابلس، عرين الثورة، وكأنهم على اتفاق.. "أن نصيب أي ثورة أن لن تجد سوى الفض"، وأن "رابعة" سترونها مغموسة في أي ميدان بالدماء في الخرطوم أو في الجزائر أو في تونس أو في البحرين أو طرابلس.
الخوف يسيّرهم حتى في كل خطواتهم الفاشلة، وما الحكم بسجن الأمراء في الرياض سوى إعلان رهبةٍ موجّه لكل أمير وخفير، وحتى سجن العلماء وقتلهم، وحتى قتل جمال خاشقجي، كلها مخاوف لطي تلك الصفحة التي أطاحت بهدوء مُلكهم. ولكن هيهات، فقد انفتح البحر، وصارت الشهادة وساما على صدر المغدور، ومذلةً أبديةً في وجه القاتل.
نحن أمام كتلةٍ من العناد تعرف جيدا أن التهاون في تماسكها وتساندها سيكلفها وجودها نفسه. ومن "اتلسع" من شباب ثورة يناير شتاءً يبني مزيدا من السجون صيفا وشتاء، ويشتري مزيدا من السلاح، إلا أن هناك ذلك الشيء المدهش على الجهة المقابلة من الأمر، فكما أن الانقلابات تتساند على بعضها، فالثورات أيضا تجدّد دماء بعضها بعضا، وتصل ما انقطع من بعضها، في تناغمٍ وكأنه متفق عليه، وهذا أيضا يزيد من وتيرة جنون المنقلبين على الطرف الآخر من المشهد، فمن كان يدري من خمسة أشهر فقط أن جحافل بالملايين ستملأ ميادين الجزائر بعد عشرين سنة، ومن كان يتصوّر أن عمر البشير الذي رقص بالعصا من أشهر، نكاية وغيظا للشعب وثورته الأولى، ستطوى صفحته تماما بعد ثلاثين سنة من المواءمات الإقليمية والتأرجح من بين شريعةٍ معلنةٍ ودماء تسيل أنهارا في دارفور، يحرّكها "تاجر جمال"، تمتد قبيلته ما بين تشاد والسودان؟ ومن كان يقول إن علي عبد الله صالح الذي قال للملايين "فاتكم القطار" فاته هو القطار مع القذافي وبن علي ومبارك أيضا.
أدلة دامغة تقول إن الناس لم ولن تموت في بلاد مقهورة بعسكرها من ستين أو خمسين سنة، وعلّ هذا الرعب الأخير هو ما جعل رد فعلهم أكثر من المتوقع، وخصوصا في فض الميادين في الخرطوم، أو شراسة حفتر في محاولته اليائسة لاقتحام طرابلس، عرين الثورة، وكأنهم على اتفاق.. "أن نصيب أي ثورة أن لن تجد سوى الفض"، وأن "رابعة" سترونها مغموسة في أي ميدان بالدماء في الخرطوم أو في الجزائر أو في تونس أو في البحرين أو طرابلس.
الخوف يسيّرهم حتى في كل خطواتهم الفاشلة، وما الحكم بسجن الأمراء في الرياض سوى إعلان رهبةٍ موجّه لكل أمير وخفير، وحتى سجن العلماء وقتلهم، وحتى قتل جمال خاشقجي، كلها مخاوف لطي تلك الصفحة التي أطاحت بهدوء مُلكهم. ولكن هيهات، فقد انفتح البحر، وصارت الشهادة وساما على صدر المغدور، ومذلةً أبديةً في وجه القاتل.