انفراجة دبلوماسية في العلاقات المغربية الموريتانية

26 أكتوبر 2014
أنباء عن زيارة مرتقبة للملك المغربي إلى موريتانيا(كريس جاكسون/Getty)
+ الخط -
شهدت العلاقات الموريتانية المغربية تحسناً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، بعد مرحلة جفاء استمرت سنوات عدة. فبعد أيام من زيارة وزير الداخلية الموريتاني أحمد ولد تكدي إلى المغرب، ردّ وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار، بزيارة موريتانيا الخميس الماضي، والتقى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. ووصف الوزير المغربي علاقات بلاده بموريتانيا بأنها "تاريخية، متميزة واستثنائية".

ويؤكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، إيزيد بيه ولد محمد محمود، عمق العلاقات المغربية الموريتانية، معلناً عن قرب تعيين سفير موريتاني في المغرب بعد سنتين من شغور المنصب. كما رشحت أنباء عن زيارة مرتقبة للعاهل المغربي محمد السادس، إلى موريتانيا قبل نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

تأتي هذه التطورات بعد عامين من التدهور في العلاقات بين البلدين، وصل إلى حافة القطيعة على الرغم من حرص الطرفين رسمياً على نفي ذلك.

من القمة إلى حافة القطيعة

يعتبر المغرب من أقوى الداعمين للنظام الموريتاني برئاسة محمد ولد عبد العزيز، بعد انقلاب الثامن من أغسطس/آب عام 2008، على أول رئيس مدني منتخب لموريتانيا سيد محمد ولد الشيخ عبد الله. وشهدت تلك الفترة مرحلة متميزة في علاقات البلدين. ودافع المغرب في المحافل الدولية عن نظام ولد عبد العزيز الذي واجه حينها عزلة دولية كادت تنتهي بحصار سياسي واقتصادي.

ويرتبط ولد عبد العزيز، بعلاقات شخصية واجتماعية بالمغرب، إذ تلقى تكوينه العسكري كضابط في الأكاديمية العسكرية الملكية في مكناس. كما خضع لدورات عسكرية في المدرسة الوطنية للأركان في المغرب عام 1993. كذلك، فإن زوجته تنتمي لإحدى القبائل المغربية، وتربطه علاقات صداقة مع عدد من المسؤولين المغاربة. هذه العوامل ساهمت في التطور الكبير في العلاقات الموريتانية المغربية خلال بداية حكم ولد عبد العزيز، لكن مسار هذه العلاقة انعطف باتجاه آخر دخلت معه مرحلة اتسمت بالفتور والتوتر، وإن حرصت الأوساط الرسمية على نفي ذلك.

وقد شكلت حادثة اعتذار المغرب عن زيارة ولد عبد العزيز، بداية مرحلة الفتور بين البلدين. وعلى الرغم من أن المغرب حدد سريعاً موعداً آخر للزيارة، لكن موريتانيا اعتذرت من جديد بحجة عدم مناسبة الموعد للجدول الزمني للرئيس الموريتاني. ثم جاءت حادثة سحب السفير الموريتاني من المغرب فيما قيل إنه امتعاض من تصريحات منسوبة للعاهل المغربي، وعلى الرغم من نفي وزير الخارجية الموريتاني لسحب السفير وقوله إن "السفير عين في دولة أخرى، فإن بقاء السفارة في المغرب من دون سفير طيلة سنتين، يعد أكبر دليل على وجود أزمة بين البلدين".

وتوالت بعد ذلك مظاهر التوتر في العلاقات بين البلدين، فقد طردت موريتانيا في شهر ديسمبر/كانون الأول 2011، مدير الوكالة المغربية للأنباء في نواكشوط حفيظ البقالي، بتهمة التجسس. كما لم يتم استقبال رسمي لوزير الدولة المغربي عبد الله باها، خلال زيارته لموريتانيا بدعوة من بعض الأحزاب الموريتانية، لتصل العلاقات إلى أسوأ مراحلها بعد ورود أنباء غير رسمية عن وقوف المغرب وراء محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس الموريتاني في 13 من أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، وما تردد عن رفض ولد عبد العزيز استقبال القائم بأعمال السفارة المغربية في باريس، حين جاء لزيارته في مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي، حيث كان يخضع للعلاج.

وعلى الرغم من التوتر الذي طبع العلاقات السياسية بين البلدين، فإن العلاقات الاقتصادية بقيت قوية حيث توجد استثمارات مغربية في قطاعات موريتانية عدة أبرزها قطاع الاتصالات. ويُدرك المغرب أهمية المعبر الحدودي مع موريتانيا باعتباره المعبَر البرّي الوحيد للمغرب باتجاه القارة الأفريقية، وخصوصاً في ظل التوتر المستمر في العلاقات المغربية الجزائرية.

الجزائر والصحراء الغربية

حرصت موريتانيا منذ انتهاء حربها مع الصحراء عام 1978 على اتباع سياسة "الحياد الإيجابي" في ما يتعلق بالنزاع على الصحراء الغربية. وعلى الرغم من أن ولد عبد العزيز لم يقم بما يدل على تغير هذه السياسة "الحيادية"، إلا أن بعض الخطوات التي أقدم عليها بدت أقرب إلى الانحياز والخروج من الحياد. فقد استقبل ولد عبد العزيز، العديد من المسؤولين الصحراويين كما حضر وفد برلماني رفيع من جبهة "البوليساريو"، أشغال البرلمان الأفريقي الذي عقد في نواكشوط خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي. وتم تعيين مسؤول في الاتحاد الأفريقي مكلفاً بالقضية الصحراوية، في الوقت الذي يترأس فيه الرئيس الموريتاني الاتحاد الأفريقي. وهو ما استفز المغاربة وجعل الصحافة المغربية تشنّ حملة عنيفة على موريتانيا. كما عادت بعض الأوساط المغربية للحديث عن مغربية موريتانيا، فيما بدا رداً على الخطوات الموريتانية واستدعاء لمرحلة قديمة من الصراع بين موريتانيا والمغرب إبان الاستقلال.

ومن المعروف، أن الجزائر لعبت دوراً كبيراً في حصول موريتانيا على الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، حيث تمتلك الجزائر نفوذا واسعا داخل الاتحاد، وتنازلت عن حقها في رئاسته الدورية وكافأت الرئيس الموريتاني على تقاربه معها، ودخوله في تنسيق معها في القضايا الإقليمية سياسيا وأمنياً، وخصوصاً في ما يتصل بملف محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء والصراع بين الأفرقاء في الشمال المالي.
كل ذلك جعل المغرب، الخصم التقليدي للجزائر، يتخذ موقفاً سلبياً من النظام الموريتاني ويلجأ لإجراءات عقابية، رداً على الخيارات الموريتانية الجديدة كتخفيض نسبة الطلبة الموريتانيين الذين يدرسون في الجامعات المغربية، واتخاذ إجراءات أمنية مشددة على الحدود بين البلدين، فضلاً عن تشديد إجراءات حصول الموريتانيين على تأشيرة الدخول إلى المغرب.

ومع تبادل الزيارات أخيراً بين المسؤولين الموريتانيين والمغاربة، والتصريحات الإيجابية بخصوص عودة السفير الموريتاني إلى المغرب، والزيارة المرتقبة للعاهل المغربي إلى موريتانيا، يُتوقع أن تحدث انفراجة في العلاقات بين البلدين.

المساهمون