انسحاب أميركي من العراق بأهداف انتخابية: التخفيض لا يوقف هجمات "الولائيين"

10 سبتمبر 2020
قررت أميركا خفض عدد قواتها في العراق إلى 3000 جندي (علي غريب/الأناضول)
+ الخط -

على بعد أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب محاولة إثبات أنه قد أوفى بالوعود التي قطعها قبل أربع سنوات، في مسعى جديد لاستقطاب الناخبين الأميركيين في إطار الجهود المضنية التي يبذلها لنيل ولاية رئاسية ثانية. وليس قراره الأخير بخفض المزيد من عديد القوات الأميركية في العراق فضلاً عن التوجه للإعلان عن خفض إضافيّ للقوات الأميركيّة في أفغانستان في الأيام المقبلة بحسب التسريبات، بعيداً عن هذه الأجواء، على الرغم من أنّ الفصائل العراقية الموالية لإيران تظهر وأنها غير معنية بقرارات واشنطن وتواصل استهدافها للقوات الأميركية بشكل متصاعد. ويأتي القرار الأميركي بالتزامن مع إعلان ألمانيا كذلك عزمها تخفيض عدد جنودها في العراق إلى 500 جندي كحد أقصى.
وأعلن قائد القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال كينيث ماكينزي، أمس الأربعاء، أنّ الولايات المتحدة قررت تخفيض عديد قواتها في العراق من 5200 إلى 3000 جندي. وقال من بغداد: "بعد الاعتراف بالتقدم الكبير الذي أحرزته القوات العراقية والتشاور والتنسيق مع الحكومة العراقية وشركائنا في التحالف، قررت الولايات المتحدة تخفيض وجودها العسكري في العراق من حوالى 5200 إلى 3000 جندي خلال شهر سبتمبر/أيلول الحالي". وتابع: "نواصل توسعة برامج دعم قدرات شريكنا لتمكين القوات العراقية، بما يسمح لنا بتقليص وجودنا في العراق".
وتعتزم الحكومة الألمانية بدورها، خفض عدد جنودها في العراق إلى 500 جندي كحد أقصى. ووافق مجلس الوزراء الألماني أمس الأربعاء في برلين، على هذا الحد الأقصى الجديد، والذي كان يبلغ في السابق 700 جندي.
وقالت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيغريت كرامب-كارنباور عقب القرار: "تنظيم الدولة يواصل أنشطته الإرهابية أيضاً خلال جائحة كورونا. لذلك، يتعيّن الإبقاء على الضغط العسكري على التنظيم". وأشارت إلى أنّ الحكومة العراقية ترغب في استمرار تدريب قوات الأمن العراقية عبر مهمة حلف شمال الأطلسي، مضيفةً أنّ بلادها "ستفي بمساهمتها على نحو مناسب بالحد الأقصى الجديد للقوات المشاركة في المهمة".

ويأتي هذا الخفض الجديد، فيما ارتفعت خلال الأسابيع الأربعة الماضية وتيرة الهجمات الصاروخية على مطار بغداد الدولي والمنطقة الخضراء التي تضم مقر الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية فضلاً عن البعثات الدبلوماسية المهمة، وأبرزها السفارتان الأميركية والبريطانية وبعثة الأمم المتحدة وسفارات دول الاتحاد الأوروبي، بالتزامن مع تطور لافت في عدد الهجمات التي تستهدف الأرتال التابعة لقوات التحالف الدولي، والتي تأتي عادة من البصرة بعد مرورها عبر الموانئ العراقية وتحمل معدات ومواد غير عسكرية لصالح التحالف.
وبحسب مسؤولين عراقيين، فإنّ 22 هجوماً صاروخياً وبواسطة عبوات ناسفة نُفّذ منذ مطلع أغسطس/ آب الماضي وحتى التاسع من سبتمبر/ أيلول الحالي، من قبل المليشيات المرتبطة بإيران، وهي الهجمات التي تأتي عادة تحت غطاء مقاومة الوجود الأميركي والثأر لاغتيال الولايات المتحدة قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، بغارة أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي.

وتواصلت الهجمات على الرغم من التأكيدات الأميركية والحكومية العراقية (قبل القرار الأميركي الأخير)، على أنه سيجري خفض عديد القوات الأميركية الموجودة في العراق إلى الثلث، ووضع جدول زمني للانسحاب الكامل خلال ثلاث سنوات. إذ تعتبر القوى المسلحة والسياسية الموالية لإيران في العراق، وأبرزها تحالفا "الفتح" بزعامة هادي العامري، و"دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، أنّ فترة السنوات الثلاث التي تم الإعلان عنها، مماطلة أميركية، وتطلب الانسحاب الفوري والكامل لهذه القوات. غير أنّ حكومة مصطفى الكاظمي تعتبر وجود التحالف الدولي في العراق ضرورياً لدعم جهود مكافحة بقايا تنظيم "داعش" وتدريب القوات العراقية.


22 هجوماً صاروخياً وبواسطة عبوات ناسفة نُفّذ منذ مطلع أغسطس/ آب الماضي

وأول من أمس، الثلاثاء، أعلنت وزارة الدفاع العراقية عن مقتل عنصر أمن عراقي وإصابة اثنين آخرين من زملائه بهجوم بعبوة ناسفة استهدف رتلاً محملاً بالمعدات لصالح التحالف الدولي قرب بلدة الديوانية، جنوبي العراق، آتياً من البصرة ومتجهاً إلى بغداد، ليعقبه في وقت لاحق من اليوم نفسه، هجوم آخر أدى لإصابة عنصر أمن وآخر مدني، بعد انفجار عبوة ناسفة برتل تابع للشركات المتعاقدة مع قوات التحالف الدولي في منطقة النباعي، شمال العاصمة بغداد. وبهجومي الثلاثاء، يرتفع عدد التفجيرات التي استهدفت إمدادات التحالف إلى 6 خلال أسبوع، إذ استهدف تفجير، الإثنين الماضي، رتلاً في منطقة التاجي، شمالي بغداد، وقبلها بيوم استهدف تفجير رتلاً شمال غربي بغداد، والجمعة استهدف تفجير رتلاً آخر بمحافظة بابل، فيما استهدف تفجير، الخميس، رتلاً بين محافظتي ذي قار والمثنى.

وحول تصاعد الهجمات، قال عضو في البرلمان العراقي ومقرب من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ الأطراف المتورطة في هذه الأعمال تنحصر بعدة جماعات مسلحة، أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء"، مضيفاً أنّ "الإيرانيين يدّعون أنهم لم يطلبوا من أحد مهاجمة القواعد والأرتال الأميركية أو المنطقة الخضراء والمطار، وأن ما تفعله هذه الجماعات يأتي في إطار رفضها للوجود الأميركي، وثأراً للقائدين (أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني)، لكنهم في الوقت نفسه يمارسون ضغوطاً على الحكومة بحال تحركت ضدّ أي من عناصر هذه الفصائل".

وأكد المصدر نفسه أنّ الهجمات "ستستمر حتى مع الإعلان عن التخفيض الجديد للقوات الأميركية، إذ إنّ الكتل السياسية والفصائل المسلحة تعتبر بقاء قاعدتي عين الأسد (بمحافظة الأنبار)، وحرير (بمحافظة أربيل)، حتى لو لم يبقَ فيهما غير بضعة جنود، مرفوض، لأنّ المشكلة ليست في عديد تلك القوات، بل بوجودها العسكري نفسه".


مصدر: الهجمات ستستمر حتى مع الإعلان عن التخفيض الجديد للقوات الأميركية

وتابع المصدر أنّ "الاستهداف المتكرر لمطار بغداد يتضمن أهدافاً أخرى غير تلك المتعلقة بوجود الأميركيين في جزء منه (غربي المطار)، وهي محاولة تخويف الشركات الأمنية الأجنبية، ومنها الأميركية والبريطانية، والسعي إلى إبعادها عن المطار واتخاذ مقرات أخرى في محافظات أو أحياء أخرى من بغداد". وأوضح أنّ "هذه الشركات تعمل على تأمين المطار ومنع استخدامه لأي غرض من أغراض التهريب، وهو ما عطّل مشاريع بعض الفصائل التي تسعى إلى استخدام مطار بغداد كمحطة عبور إلى سورية، إضافة إلى التلاعب بإيراداته واتخاذه ساحة للصراع الفصائلي والحزبي المسلح".

ولفت إلى أنّ "الهجمات تنطوي أيضاً على رفض ومعارضة لخطوات الكاظمي، ومحاولات لابتزازه في ملفات وقضايا أمنية وأخرى اقتصادية حرّكها رئيس الحكومة وللفصائل مصالح فيها، مثل خطة السيطرة على المنافذ الحدودية، واستعادة مباني ومقرات الدولة والأملاك العامة، وتدقيق أسماء أعضاء الفصائل واستبعاد ما يعرف بالفضائيين منهم أو الوهميين، والحصول على مناصب أيضاً في مؤسسات الحكومة".

وعقب كل حادثة قصف والتي باتت تتبناها مليشيات وهمية جديدة، برزت أسماؤها أخيراً على الساحة العراقية، مثل "أصحاب الكهف" و"عصبة الثائرين" و"قبضة المهدي"، يوجه الكاظمي بفتح تحقيق من دون أي نتيجة لتلك التحقيقات التي شكلت من أجلها لغاية الآن أكثر من 30 لجنة، وكانت آخرها بهدف التحقيق بالهجوم الصاروخي الذي تعرض له مطار بغداد الدولي، الإثنين الماضي، وهو الهجوم الثاني من نوعه في غضون أقل من أسبوع، استهدف مقر الشركة البريطانية الأمنية G4S، التي تعتبرها الفصائل المسلحة المسؤولة عن حماية رئيس الوزراء العراقي شخصياً.

من جانبه، شدد القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، في حديث مع "العربي الجديد"، على أنّ "من واجب الحكومة العراقية معرفة الجهات التي تقصف مطار بغداد، لأنها تتسبب برعب لأهالي العاصمة وتقلّل من هيبة الدولة والقوات الأمنية، كما أنه من المفترض معرفة لمن تعود الصواريخ التي تطلقها هذه الجماعات، التي لا تتبرأ منها الفصائل المسلحة المعروفة، ولا بدّ من ضبط الأمن وحصر السلاح بيد الدولة". لكن الزاملي أكّد في الوقت نفسه أنّ "البرلمان العراقي الذي يمثّل الشعب كان قد صوّت على قرار إخراج القوات الأميركية غير المرغوب بها في البلاد، ولا بدّ من تطبيق هذا القرار واحترام مشاعر ملايين العراقيين الذين يرفضون وجود أي قوة أجنبية على أرضهم".

أما عادل الكرعاوي، المتحدث باسم جماعة "أنصار الله الأوفياء"، وهي جماعة مسلحة توالي علناً المرشد الإيراني علي خامنئي، فتنصّل من الهجمات التي يتم تنفيذها، لكنه في الوقت نفسه قال إنه "يُباركها ويبارك كل الجهود التي تقاوم المحتلين، وترفض وجود القوات المحتلة في أرض العراق بأي شكل من الأشكال". وأضاف الكرعاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهجمات لا تتم تحت غطاء الحشد الشعبي، لأنه بات مؤسسة رسمية لا تتصرف من دون العودة للقائد العام للقوات المسلحة الذي هو رئيس الوزراء".


الكرعاوي: الهجمات لا تتم تحت غطاء الحشد الشعبي

من جهته، أشار عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي، إلى أنّ "استمرار استهداف المنطقة الخضراء التي تعتبر منطقة حكومية وتحتوي على المقرات المهمة والمنظمات والسفارات، أضاع هيبة الدولة العراقية، وبالتالي على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مواجهة الجهات التي تقف وراء هذه العمليات، ومنعها من الاستمرار بخطف هيبة الدولة". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "أطرافاً حكومية ليست بالقليلة، تعرف الجهات التي تقصف المنطقة الخضراء ومطار بغداد، ولكن لا أحد يجرؤ على قول أسماء هذه الجهات، لأنها تمتلك السلاح وقادرة على اغتيال أي شخصية تقف في وجهها، لذلك لا بدّ من إنهاء هذا الرعب".

بدوره، رأى المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي أنّ "الكاظمي غير قادر على مواجهة أصغر مليشيا مسلحة في العراق"، وأنه "يسعى دائماً إلى عدم المواجهة مع المسلحين ويحاول أن يصل إلى تسويات"، مضيفاً "ولكن منذ زيارته إلى واشنطن واتفاقه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جدولة جديدة لانسحاب القوات الأميركية، زادت الهجمات، في إشارة إلى رفض هذه الفصائل لحراك الكاظمي". وأكّد الشريفي في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "موقف الكاظمي صعب جداً، فهو ليس قادراً على المواجهة من جهة، وليس قادراً على التوصل إلى تسويات مع هذه الجهات من جهة ثانية، وبالتالي لا بدّ من الاستمرار بالمناورة إلى حين حدوث تطورات جديدة في المشهد السياسي أو الأمني العراقي".

المساهمون