04 مايو 2016
انحراف في الواقع السياسي الأميركي
عندما تتحوّل المعارضة إلى عناد وتصلّب، وتعطيل للمؤسسات الدستورية، كما هو حاصل في الكونغرس الأميركي في هذه المرحلة، عندئذ تفقد المعارضة شرعيتها. فمعارضة الجمهوريين الرئيس باراك أوباما تخلت، بشكلٍ غير مسبوق، عن واجباتها وصلاحياتها ومسؤولياتها الدستورية، خصوصاً في الظرف الراهن، في ما يتعلق بحق الرئيس أوباما في تعيين قاضٍ للمحكمة العليا، يحل مكان القاضي أنطوني سكاليا الذي توفي قبل أسابيع.
جدير بالتوضيح أن المحكمة العليا في أميركا تضم تسعة قضاة. برحيل سكاليا، يتوزع الباقون بالنصف بين أربعةٍ محسوبين على الصف الليبرالي، وبالتالي مقربين من الحزب الديمقراطي، وأربعةٍ على صف المحافظين المحسوبين على الحزب الجمهوري. وبحكم هذا التساوي، صارت القرارات المهمة مرشحة للتجميد، إذ لا يوجد صوت مرجح. وكان رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ومعه كثيرون من زملائه الجمهوريين، قد سارع معلناً رفضه النظر في تعيين أي قاض بديل يختاره الرئيس أوباما. وبالتالي، لن تبت اللجنة العدلية في مجلس الشيوخ التي يسيطر عليها الجمهوريون في التعيين لمنحه الموافقة المطلوبة. بذلك هم يساهمون مباشرةً في شل عمل المحكمة العليا إلى حدّ ما. وحجة الجمهوريين أن الرئيس أوباما صار في عامه الأخير، وبالتالي ينبغي ترك أمر هذا التعيين للرئيس الذي يجري انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
هذا الموقف من الجمهوريين غير مسبوق، ويشكل محاولة قد تكون الأولى من نوعها، إذ تُنكر الأكثرية في مجلس الشيوخ على الرئيس ممارسة صلاحياته الدستورية، وهو في منصبه حتى 21/1/2017. كما أنه تحدّ مباشر لحق رئيس الدولة بتحمّل مسؤولياته وممارسة صلاحياته. وفيه استفزاز عدائي لشرعية الرئيس الذي يحق له القيام بمسؤولياته حتى اليوم الأخير من مدته، فكيف إذا كانت المدة المتبقية عشرة أشهر.
يضاف إلى ذلك أن إعلان رئيس الأكثرية الجمهورية، السيناتور ميتش ماكونيل، رفض النظر في أي ترشيح، يشكل خرقاً فاضحاً للدستور، وينطوي، بقصدٍ أو من دونه، على تشكيكٍ بصلاحيات رئيس انتخب مرتين. كما أنه ينطوي على رغبة في أن يكون القاضي البديل محسوباً على المحافظين، كما كان سكاليا، لكي يضمن ترجيح القرارات التي تناسب المحافظين، في القضايا المهمة. وكان الرئيس قد انكبّ على دراسة ملفات عدد من القضاة، واختار واحداً سبق أن نال تأييد المحافظين، عند تعيينه في مركز سابق قاضياً للاستئناف. وباختياره هذا، فاجأ الجمهوريين وأحرجهم، لأن رفضه قد يؤثر عليهم في الانتخابات المقبلة، من باب أنهم تعمّدوا تعطيل مؤسسات الدولة.
والقاضي الذي اختاره الرئيس مشهود له بكفاءاته العالية، وبنزاهته وتجرّده، ويعترف الجميع بمزاياه المتميّزة، لكن قيادة الجمهوريين على موقفها المتصلّب المعطّل. صحيح أن هناك بوادر حلحلة لدى أعضاء في مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين وافقوا على الاجتماع بالقاضي المرشح للمنصب، لكن من دون إعلان أي موقف مؤيد له، كما أن موقف رئيس الأكثرية في المجلس لا يزال على عناده ورفضه إعطاء المرشح فرصة للمثول أمام اللجنة للنظر في تعيينه.
الغريب أن تتحوّل المعارضة، كما يمارسها ميتشل، إلى شططٍ يتميّز بالكراهية والحقد المعيبين. هبط الحزب الجمهوري من كونه الحزب الثاني الحاكم تارة، والمعارض تارة أخرى، إلى حد تشويه صورته التاريخية. تحول من حزبٍ فاعلٍ في الحياة السياسية الأميركية إلى حزبٍ مشاكسٍ، وبما يتعارض مع تقاليد الديمقراطية الأميركية المستنيرة. من هذا المنطلق، انتقد رئيس المحكمة، القاضي جون روبرتس، الذي كان جرى تعيينه أيام الرئيس بوش، التعطيل من زاوية أن المحكمة ليست مؤلفةً من ديمقراطيين وجمهوريين، بل من قضاة أميركيين، مهمتهم الحفاظ على الدستور، والتأكد من حسن تطبيقه. لكن رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ لا يعمل من هذا المنطلق، بل من موقع الخصومة الحاقدة على أوباما، ومن منطلق الحسابات السياسية. ولا بد هنا من التساؤل عمّا إذا كانت هذه المعارضة المطلقة ناجمةً عن أن أوباما أول رئيس من أصل أفريقي أميركي يتميّز بذكائه، كما بعدد من الإنجازات المهمة. وقد يكون في ذلك ما يفسّر هذا الكره له من الجمهوريين عامة، كما هذا البروز لمرشحين جمهوريين للرئاسة محسوبين على أقصى اليمين المتطرف، من أمثال دونالد ترامب وتيد كروز اللذين أخرجا الحزب الجمهوري من تقاليده السياسية المعهودة، وأدخلاه في متاهات عنصرية متشددة.
تعكس هذه الأزمة ليس فقط الهبوط السياسي الحاصل في أميركا، بل أيضاً الهبوط الدستوري، بل الأخلاقي. فالمعارضة التي تشكل أحد أركان الديمقراطية، تحولت عبثية وتعطيلاً في العمل السياسي، وأيضاً بالنسبة إلى دور أميركا في العالم، لما يستولده من فوضى في النظام السياسي العام. وهذا أمر خطير يمس التوقعات المنتظرة من دولةٍ بأهمية الولايات المتحدة.
جدير بالتوضيح أن المحكمة العليا في أميركا تضم تسعة قضاة. برحيل سكاليا، يتوزع الباقون بالنصف بين أربعةٍ محسوبين على الصف الليبرالي، وبالتالي مقربين من الحزب الديمقراطي، وأربعةٍ على صف المحافظين المحسوبين على الحزب الجمهوري. وبحكم هذا التساوي، صارت القرارات المهمة مرشحة للتجميد، إذ لا يوجد صوت مرجح. وكان رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ومعه كثيرون من زملائه الجمهوريين، قد سارع معلناً رفضه النظر في تعيين أي قاض بديل يختاره الرئيس أوباما. وبالتالي، لن تبت اللجنة العدلية في مجلس الشيوخ التي يسيطر عليها الجمهوريون في التعيين لمنحه الموافقة المطلوبة. بذلك هم يساهمون مباشرةً في شل عمل المحكمة العليا إلى حدّ ما. وحجة الجمهوريين أن الرئيس أوباما صار في عامه الأخير، وبالتالي ينبغي ترك أمر هذا التعيين للرئيس الذي يجري انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
هذا الموقف من الجمهوريين غير مسبوق، ويشكل محاولة قد تكون الأولى من نوعها، إذ تُنكر الأكثرية في مجلس الشيوخ على الرئيس ممارسة صلاحياته الدستورية، وهو في منصبه حتى 21/1/2017. كما أنه تحدّ مباشر لحق رئيس الدولة بتحمّل مسؤولياته وممارسة صلاحياته. وفيه استفزاز عدائي لشرعية الرئيس الذي يحق له القيام بمسؤولياته حتى اليوم الأخير من مدته، فكيف إذا كانت المدة المتبقية عشرة أشهر.
يضاف إلى ذلك أن إعلان رئيس الأكثرية الجمهورية، السيناتور ميتش ماكونيل، رفض النظر في أي ترشيح، يشكل خرقاً فاضحاً للدستور، وينطوي، بقصدٍ أو من دونه، على تشكيكٍ بصلاحيات رئيس انتخب مرتين. كما أنه ينطوي على رغبة في أن يكون القاضي البديل محسوباً على المحافظين، كما كان سكاليا، لكي يضمن ترجيح القرارات التي تناسب المحافظين، في القضايا المهمة. وكان الرئيس قد انكبّ على دراسة ملفات عدد من القضاة، واختار واحداً سبق أن نال تأييد المحافظين، عند تعيينه في مركز سابق قاضياً للاستئناف. وباختياره هذا، فاجأ الجمهوريين وأحرجهم، لأن رفضه قد يؤثر عليهم في الانتخابات المقبلة، من باب أنهم تعمّدوا تعطيل مؤسسات الدولة.
والقاضي الذي اختاره الرئيس مشهود له بكفاءاته العالية، وبنزاهته وتجرّده، ويعترف الجميع بمزاياه المتميّزة، لكن قيادة الجمهوريين على موقفها المتصلّب المعطّل. صحيح أن هناك بوادر حلحلة لدى أعضاء في مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين وافقوا على الاجتماع بالقاضي المرشح للمنصب، لكن من دون إعلان أي موقف مؤيد له، كما أن موقف رئيس الأكثرية في المجلس لا يزال على عناده ورفضه إعطاء المرشح فرصة للمثول أمام اللجنة للنظر في تعيينه.
الغريب أن تتحوّل المعارضة، كما يمارسها ميتشل، إلى شططٍ يتميّز بالكراهية والحقد المعيبين. هبط الحزب الجمهوري من كونه الحزب الثاني الحاكم تارة، والمعارض تارة أخرى، إلى حد تشويه صورته التاريخية. تحول من حزبٍ فاعلٍ في الحياة السياسية الأميركية إلى حزبٍ مشاكسٍ، وبما يتعارض مع تقاليد الديمقراطية الأميركية المستنيرة. من هذا المنطلق، انتقد رئيس المحكمة، القاضي جون روبرتس، الذي كان جرى تعيينه أيام الرئيس بوش، التعطيل من زاوية أن المحكمة ليست مؤلفةً من ديمقراطيين وجمهوريين، بل من قضاة أميركيين، مهمتهم الحفاظ على الدستور، والتأكد من حسن تطبيقه. لكن رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ لا يعمل من هذا المنطلق، بل من موقع الخصومة الحاقدة على أوباما، ومن منطلق الحسابات السياسية. ولا بد هنا من التساؤل عمّا إذا كانت هذه المعارضة المطلقة ناجمةً عن أن أوباما أول رئيس من أصل أفريقي أميركي يتميّز بذكائه، كما بعدد من الإنجازات المهمة. وقد يكون في ذلك ما يفسّر هذا الكره له من الجمهوريين عامة، كما هذا البروز لمرشحين جمهوريين للرئاسة محسوبين على أقصى اليمين المتطرف، من أمثال دونالد ترامب وتيد كروز اللذين أخرجا الحزب الجمهوري من تقاليده السياسية المعهودة، وأدخلاه في متاهات عنصرية متشددة.
تعكس هذه الأزمة ليس فقط الهبوط السياسي الحاصل في أميركا، بل أيضاً الهبوط الدستوري، بل الأخلاقي. فالمعارضة التي تشكل أحد أركان الديمقراطية، تحولت عبثية وتعطيلاً في العمل السياسي، وأيضاً بالنسبة إلى دور أميركا في العالم، لما يستولده من فوضى في النظام السياسي العام. وهذا أمر خطير يمس التوقعات المنتظرة من دولةٍ بأهمية الولايات المتحدة.