قبل ثلاثة أسابيع لم يكن أحد في ولاية شليسفيغ هولشتاين الألمانية، يتوقع خسارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية المحلية، وهو الممسك بمقاليد الحكم في الولاية منذ 12 عاماً. لكن ما لم يكن في الحسبان حصل، وتدهورت أسهم الحزب بطريقة دراماتيكية بعدما مني، ورئيس وزرائه في الولاية تورستن ألبيغ، بهزيمة فادحة في انتخابات يوم الأحد الماضي. وأظهرت صناديق الاقتراع فوز الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل بنسبة 32 في المائة من أصوات الناخبين، في مقابل 27 في المائة للاشتراكي الذي فقد بذلك رئاسة الحكومة في الولاية والأغلبية البرلمانية مع حلفائه من الخضر وحزب الأقلية الدنماركية.
وعلى الرغم من أن عدد سكان الولاية الواقعة على بحري الشمال والبلطيق، أقلّ من 3 في المائة من سكان ألمانيا، إلا أن انتصار دانيال غونتر، مرشح حزب ميركل، برئاسة الحكومة في الولاية وحصول الحزب على 24 مقعداً من أصل 69، شكّل هدية لها ولحزبها، قبل الانتخابات التشريعية العامة المقررة في 24 سبتمبر/ أيلول المقبل على المستوى الاتحادي. وهذه الهزيمة الثانية للاشتراكي بعد ولاية زارلاند نهاية مارس/ آذار الماضي، بعد تبنّي الحزب بداية هذا العام ترشيح زعيمه الجديد مارتن شولتز لمنصب المستشارية. وأقرّ شولتز بأداء حزبه الضعيف بعد الانتخابات قائلاً "أنا غاضب، وكنا جميعاً نتوقع نتيجة أفضل". ثم عاد يوم الاثنين، وطالب في مؤتمر صحافي في برلين، محازبيه بـ"مواصلة المواجهة"، فيما وصف المرشح الخاسر تورستن ألبيغ يوم الانتخاب بـ"المرير" له وللديمقراطية الاجتماعية ولحكومته.
ومن أسباب خسارة ألبيغ أن الناخب لم يكن مقتنعاً بالمواضيع الرئيسية للاشتراكي في شليسفيغ هولشتاين، ومنها سياسة التعليم والنقل، كما أن حصة حزب الخضر من الناخبين وتبادله الأصوات مع الاشتراكي انخفضت نسبياً، في حين تمكن الديمقراطي الحر من حشد الأصوات للمسيحي الديمقراطي. كما سجّل "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، أسوأ نتيجة له على مستوى انتخابات الولايات، ولم يحصل إلا على 4 مقاعد في برلمان الولاية.
في المقابل، اعتبرت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي كاترينا بارلي، في تصريح إعلامي، أن "أخطاء فردية تسببت بالخسارة. وهذا لا ينتقص بالضرورة من فرص الحزب في الانتخابات العامة، وأن ناخبي الولاية كانوا مؤيدين للسياسة العامة للحزب من دون انقطاع، وحافظت على نسبة 30 في المائة. وأن انخفاضها خلال الأسابيع الأخيرة نتيجة بعض الهفوات، ومنها مقابلة ألبيغ التي تطرق فيها إلى حياته الخاصة وسبب انفصاله عن زوجته في يناير/ كانون الثاني 2016".
وكان ألبيغ قد أوضح في المقابلة أنه "في مرحلة ما تطورت حياته بشكل أفضل من حياتها"، واصفاً دور زوجته السابقة بـ"ربة المنزل والأم". وأعلن نيته الزواج من صديقته الجديدة الأم لثلاثة أبناء في سن المراهقة. ما استدعى نقاشاً اجتماعياً حول صورة المرأة بالنسبة إليه، وهو ما انعكس سلباً في صناديق الاقتراع. وبيّنت الأرقام لاحقاً أن النساء انتخبن بنسبة أقل لصالح الحزب.
وانطلاقاً من هذه النتيجة، سيطر القلق على الحزب الاشتراكي وزعيمه شولتز، الواقع تحت ضغوط هائلة لتحقيق النجاح، خشية من ضربة قاضية وهزيمة ثالثة خلال شهرين، في حال نجح المسيحي الديمقراطي في الفوز بولاية شمال الراين فستفاليا، في الانتخابات المحلية المقررة يوم الأحد المقبل. وهو الأمر الذي من شأنه أن يشكل كارثة لشولتز وطموحه بالوصول إلى مقر المستشارية نهاية سبتمبر المقبل، خصوصاً أن حضور الحزب المسيحي الديمقراطي في الولاية بقيادة الاشتراكي، قوي.
وذكر مرشح الحزب في الولاية أرمين لاشيت، في حديث صحافي، أن "وضع الاشتراكي أسوأ مما كان عليه في شليسفيغ هولشتاين"، علماً أن استطلاعات الرأي تعطي التعادل بالنقاط للحزبين في ولاية شمال الراين ـ فستفاليا بنسبة 34 في المائة، أي بزيادة 8 في المائة عن انتخابات عام 2012 لحزب ميركل، بينما تراجع الاشتراكي الديمقراطي بنسبة 5.1 في المائة عن 2012.
في المقابل، أعطى محللون الكثير من الحق لميركل التي آثرت عدم الرد على شولتز، عندما حاول التصويب على إخفاقاتها وتبيّن لهم أنها كانت على حق. وذكروا أن "الحزب الاشتراكي لا يكفيه تبديل الوجوه في زعامة الحزب وعليه تحسين مهارات قيادييه".
وحلم شولتز كان قصير الأجل بعد هزيمتين متتاليتين، ومن الطبيعي أن يسجل الانتصار لميركل وحزبها. وذكرت تقارير صحافية أنه "بات على شولتز استخدام شعارات ضد الإحباط، بينها العدالة والابتكار في حملته الانتخابية، وهي التي ساهمت بنجاح المستشار الاشتراكي السابق غيرهارد شرودر عام 1998".
إلى ذلك، فإن الخلافات والصراعات الداخلية لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، في شأن خياراته المستقبلية تفاقمت بعد أن سقطت شعاراته المتعلقة بأزمة اللاجئين، وأعطت حزب ميركل من جديد التفوق في استطلاعات الرأي على الاشتراكي، وجاءت فضيحة الضابط الألماني اللاجئ الذي استحصل على حق اللجوء بصفته مواطناً سورياً، وهو المنتمي إلى الفكر اليميني المتطرف، لتصب في مصلحة ميركل. وذكرت التحقيقات أن "الضابط كان يخطط لإحداث خضة في البلاد من خلال التحضير لعمل إرهابي وإلصاق التهمة باللاجئين السوريين". وهذه القضية شكلت صدمة لدى الرأي العام الألماني، ما سيؤدي إلى إعادة تموضع لكثير من الفئات الحزبية، التي ثارت في وقت سابق ضد ميركل وخياراتها تجاه اللاجئين.