انتخابات الكونغرس المقبلة: الأولوية للاقتصاد و"الإرهاب"

08 أكتوبر 2014
أوباما بنظر غالبية الأميركيين ليس رئيساً قوياً (فرانس برس)
+ الخط -

يتوجّه الناخبون الأميركيون، في الرابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لانتخاب ممثليهم في مجلسي الشيوخ والنواب، وفيما يتخوّف الحزب "الديمقراطي" من احتمال خسارته للغالبية التي يتمتع بها في مجلس الشيوخ، تبدو الاحتمالات مرتفعة لاحتفاظ الحزب الجمهوري بسيطرته على مجلس النواب، ما يعني سيطرة كاملة لـ "الجمهوريين" على حجرتي الكونغرس.

وفي حال حصول ذلك، فإنّ حكومة الرئيس باراك أوباما، ستصاب بشلل كامل حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2016، علماً أنّ المنافسة تدور على جميع مقاعد مجلس النواب الـ435 وعلى 36 مقعداً من أصل مائة في مجلس الشيوخ. ومن بين 36 مقعداً سوف يتمّ إعادة انتخاب نوابها في مجلس الشيوخ، يمسك "الديمقراطيون" بـ21 مقعداً، فيما يحتفظ الجمهوريون بـ15 مقعداً.

وعلى الرغم من أنّ استطلاعات عدّة للرأي، تشير إلى هبوط شعبيّة أوباما، وحزبه "الديمقراطي" في الأشهر الأخيرة، لكنّ بعض الأخبار الإيجابيّة عن انخفاض البطالة وتحسّن الاقتصاد، منذ بداية العام الجاري، بشكل يفوق التوقّعات قد يحسّن وضع أوباما وحزبه. 

فقد تراجع معدّل البطالة في الولايات المتحدة، للمرّة الأولى منذ ست سنوات، ليصل إلى نسبة 5.9 في المائة، بحسب التقرير الدوري لوزارة العمل الأميركية الذي أعلنته بداية الشهر الحالي. وشهد الاقتصاد الأميركي نمواً، إذ تمكّنت السوق الأميركيّة من خلق حوالي ربع مليون وظيفة جديدة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي. كما أدّى الارتفاع في حجم الصادرات مقابل الواردات إلى انخفاض في العجز التجاري الذي وصل إلى 4.1 مليار دولار، مقابل عجز وصل إلى 4.3 مليار دولار في شهر يوليو/تموز الماضي. وكان الخبراء الاقتصاديون قد توقعوا عكس ذلك، أي زيادة في العجز التجاري، وقدّروا أن يصل إلى 4.9 مليار دولار.

ويركّز "الديمقراطيون" في حملاتهم الانتخابيّة على الوضع الاقتصادي والتأمين الصحي والتقدّم الذي أحرزه حزبهم في هذا المجال. فقد خاطب أوباما، يوم الخميس الماضي، طلاب جامعة "نورث ويستيرن"، مركّزاً على الاقتصاد بالذات، إذ قال إنّ إدارته تمكّنت في السنوات الأربع ونصف الأخيرة، من خلق أكثر من عشرة ملايين فرصة عمل، وهو أكثر ممّا تمكنت كل من اليابان والدول الأوروبية وبقية الدول الصناعيّة المتقدمّة، في الفترة نفسها.

ويرى بعض المحللين أنّ هذا التركيز ربما بدا دفاعياً أكثر من اللازم، في ظلّ تدني شعبيّة أوباما واعتقاد الكثير من الأميركيين أنّ الاقتصاد الأميركي، لا يظهر تقدماً ملموساً في حياتهم الشخصيّة، على الرغم من أنّ الاحصائيات الرسميّة تثبت العكس. وحاول أوباما، التركيز على هذا "الشعور" والتصدّي له، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن 40 في المائة من الأميركيين فقط راضون على سياسته الاقتصادية. ويعود ذلك إلى أنّ غالبية المواطنين لا يشعرون بهذا التحسّن تحت وطأة غلاء المعيشة والتضخم المالي، إذ لا تنعكس الزيادة في الأرباح التي يحقّقها القطاع الخاص، بالضرورة على معاشات الموظفين العاديين، بصورة نسبية.


من هنا تأتي محاولة أوباما، للتركيز على الخطّ الاقتصادي العام والذي يحاول فيه زيادة حجم المعونات التي تقدّمها الدولة للبرامج التأهيليّة، إضافة إلى تمكين ومساعدة عدد أكبر من المواطنين للحصول على تعليم أفضل ورفع الحدّ الأدنى للأجور على المستوى الفدرالي من 7.25 دولار إلى 10.10 دولار في الساعة. وهو ما يعارضه "الجمهوريون" بشدّة مدعين أن ذلك سيؤدي إلى زيادة في معدلات البطالة.

لكنّ هناك قضايا مفصليّة متعلّقة بالسياسة الخارجيّة تأخذ حيزاً أكبر من المتوقع في هموم الناخب الأميركي، وهي التي من المتوقّع أن يركز عليها "الجمهوريون". إذ خيم في الأسابيع الأخيرة شبح "الإرهاب" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وقطع الرؤوس. وعاد موضوع الحرب على الإرهاب ليكون مفردة أساسية على جدول أولويات الكثير من المتنافسين في انتخابات النواب المقبلة لدى الحزبين. وعلى الرغم من تأييد الأميركيين لرئيسهم في شنّ هجمات جوية وكذلك في عدم استخدام قوات عسكرية أميركيّة على الأرض السورية والعراقيّة، لكنّ النظرة العامة لسياسة أوباما الخارجية سلبية، إذ لا يراه الأميركيون عموماً رئيساً قوياً. كما أنّه لم يحرز أيّ تقدم ملموس وجذري في الملف الأوكراني، والفلسطيني الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني.

وبحسب تقارير لخبراء حول الانتخابات الأميركية، فإنّ أولويات الانتخابات الحالية تبدّلت مقارنة بانتخابات الكونغرس النصفية الماضية، حين احتلت القضايا الخارجية كالعراق وافغانستان درجات منخفضة جداً في سلم أولويات الناخب الأميركي، مقارنة بالقضايا الخارجيّة. لكن اليوم، تعود القضايا الخارجية لتحتل مراتب هامة. وبدأ "الجمهوريون" باستغلال هذا الوضع بالتركيز على نقاط الضعف في سياسة أوباما، ويبثون الرعب لدى الناخب الأميركي من المخاطر المحدقة ويصورون الرئيس الحالي وادارته وحزبه على أنهم غير قادرين على حماية البلاد من "الإرهاب".
وتساهم الحملات الدعائية، التي تكلّف ملايين الدولارات، ووسائل الإعلام اليمينية والمحافظة والشعبوية، بدورها في تضخيم الخطر. وستظهر نتائج الانتخابات مدى إمكانية شبح الخوف في التحكّم بخيارات الناخبين الأميركيين، كما جرى سابقاً عهد الرئيس السابق جورج بوش، وأن يتجاهل الأولويات المحلية والاقتصاد الذي بدأ يشهد انفراجاً في الآونة الأخيرة، ومدى إيمانهم بخطط رئيسهم وحزبه. وستظهر الأسابيع المقبلة كذلك، إلى أي مدى سينجح "الديمقراطيون" في استثمار الأخبار الإيجابيّة حول تدنّي نسبة البطالة وتحسّن الاقتصاد في حملاتهم الانتخابية والدعائية.

المساهمون