انتحار نجوم بريطانيين: أن تلقي نفسك من أعلى منصة رقمية

21 فبراير 2020
انتحرت كارولين فلاك بعد حملات تنمر (تولغا أكمن/فرانس برس)
+ الخط -
ينتحر قرابة 800 ألف شخص سنوياً في العالم. وقد بلغ عدد حالات الانتحار في المملكة المتحدة ما يزيد عن الستة آلاف في عام 2018، (بمعدل 11.2 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص).

تشير الدراسات إلى التأثير الكبير لوسائل الإعلام في رفع حالات الانتحار في العالم. ففي عام 1774، تم حظر رواية Goethe’s The Sorrows of Young Man Werther، حيث انتحر البطل بسبب علاقة حب فاشلة، بعدما اعتبر الناس أنّها المسؤولة عن حالات انتحار مشابهة لها في بلدان مثل إيطاليا، وألمانيا، والدنمارك.

يبيّن عدد من الدراسات أنّ انتحار نجمة الأفلام الشهيرة مارلين مونرو، كان له أكبر تأثير على تقليد الناس لها. فخلال الشهر الذي انتحرت فيه، أغسطس/ آب 1962، انتحر ما يقارب الـ300 شخص. وهو ما يظهر أنّ القصص التي يغطيها الإعلام بشكل كبير تزيد من معدل الانتحار.

اليوم تأتي وسائل التواصل الاجتماعي لتزيد من حالات الانتحار، حيث يستخدمها الكثيرون كمنصّات للتنمّر، وعادة ما يذهب ضحيتها الضعفاء الذين يعانون من حالات نفسية جرّاء صدمة أو مشاكل اجتماعية أو فقدان شخص عزيز أو انهيار علاقة أو تشويه سمعة وغيرها.
ينشغل الإعلام والمجتمع البريطانيان منذ أيّام بحادثة انتحار المقدّمة السابقة لبرنامج "لوف آيلاند" (جزيرة الحب)، كارولين فلاك. فبعد اتّهامها بضرب صديقها واعتقالها ثم الإفراج عنها بكفالة لمحاكمتها في مارس/ آذار المقلا، تعرّضت إلى موجة من التنمّر على وسائل التواصل الاجتماعي وكانت، كما ذكر الإعلام، تعاني من حالة اكتئاب في الماضي.



اعتبر كثيرون، من بينهم نجوم ومشاهير، أنّ انتحارها جاء نتيجة التنمّر الذي واجهته. نشر المغني الإنكليزي جيمس بلاك، على تويتر، تغريدة يقول فيها: "ارقدي بسلام كارولين فلاك. هذا هو تأثير البلطجة عبر الإنترنت والمطبوعات. هذا هو ما يصل إليه الناس عندما نجرّدهم من إنسانيتهم ونتعقّبهم". وحثّ المجتمع على إظهار تعاطفه، لافتاً إلى أنّنا لا نعرف ما يمر به الآخرون الذين قد يمثلون أنّهم بخير دائماً.


وفي مكان آخر، شارك ليام غلاغير، وهو مغن وكاتب أغان إنكليزي، أيضاً تعليقه على وفاة فلاك، وممّا جاء فيه: "أرى حثالة تحمل الدماء على أيديها مجدّداً".



كذلك، تحدّث دان ووكر، وهو مذيع من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، عن ثقافة الإلغاء التي يمارسها المجتمع، وعلّق على تويتر قائلاً: "ثقافة الإلغاء لدينا أصبحت وحشية".
هذا الإلغاء اختبرته المغنية الأميركية تايلور سويفت، حين انطلقت في عام 2016 حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى إلغائها، بعد خلافها العلني مع كيم كارداشيان وكاني ست. وانتشر هاشتاغ #taylorswiftisover لعدّة أيام.

تحدّثت سويفت عن تجربتها لمجلة "فوغ"، العام الماضي، وقالت إن تلقّي هذا النوع من الرسائل هو بمثابة مطالبتك بقتل نفسك. وأضافت أنّ إلغاء شخص ما لا يشبه إلغاء عرض تلفزيوني. إنه إنسان. وأكملت: "لا أعتقد أن الكثير من الناس يستطيعون بالفعل فهم معنى إعلان الملايين كراهيتهم لك".

بدورها، كانت ميغان ماركل قد اعترفت في مقابلة مع توم برادبي، من قناة "آي تي في"، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بأنها "لم تكن على ما يرام" في أعقاب ملاحقة وسائل الإعلام والوسائط الاجتماعية لجوانب مختلفة من حياتها. وأوضحت أنّها تخلّت هي والأمير هاري عن حياتهما في العائلة المالكة، وانتقلا إلى كندا في محاولة لحماية صحتهما العقلية وسعادتهما كعائلة.



ومن المعلوم أنّ قناة "آي تي في" قد ألغت برنامجها الأكثر شعبية خلال النهار، "ذا جيريمي كايل شو"، العام الماضي، بعد إقدام أحد ضيوف البرنامج على الانتحار. وأعلنت آنذاك كارولين مكول، الرئيسة التنفيذية في القناة، أنّهم قرّروا إيقاف البرنامج بسبب خطورة الأحداث التي نتجت عنه.

وبالعودة إلى فلاك، التي أبدت تأثّرها بعد انتحار صديقتها صوفي جرادون وزميلها المتسابق مايك ثالاسيتيس، ودعت الناس قبل وفاتها إلى أن يكونوا "أجمل قليلاً، وأكثر لطفاً". لكنّها دافعت آنذاك عن العرض، وقالت: "إنه أمر خطير وأنا غاضبة حقًا. لا يقتصر الأمر على توجيه الملامة لبرنامج تلفزيوني، بل أنت تلقي اللوم على الناس وعلى وظائفهم". وتطرّقت إلى ثالاسيتيس، موضحة أنّه من الخطر للغاية توجيه أصابع الاتّهام خلال ساعات ودقائق من حدوث أمر ما إلى برنامج.

ويعتبر ثالاسيتيس (26 عاماً)، ثاني شخص ينتحر من برنامج "لوف آيلاند"، في أعقاب وفاة صوفي جرادون (32 عاماً)، في يونيو/ حزيران 2018، التي ظهرت في البرنامج في العام الذي سبقه.

ووفق تقارير وسائل الإعلام في ذلك الوقت، يُعتقد أن ثالاسيتيس حزن على وفاة جدته البالغة من العمر 94 عاماً وكان يواجه ديوناً متزايدة قبل وفاته. بيد أنّ النقاد قالوا إنّ المسؤولين عن برنامج "لوف آيلاند" لم يقدّموا الرعاية الكافية للمتسابقين.

من جهتها، أعلنت والدة جرادون أنّ حالات الانتحار المرتبطة بالبرامج الواقعية، تمّ التستّر عليها من قبل النواب. وتحدّثت ديبورا جرادون إلى الإعلام بعد وفاة فلاك، وقالت إنّ تحقيق اللجنة الرقمية والثقافية والإعلامية والرياضية، حول تلفزيون الواقع الذي جرى العام الماضي بعد وفاة صوفي ومايك وانتحار ضيف برنامج جيريمي كايل ستيف ديمون، لم يأت بالحقائق وطالبت بإعادة فتح التحقيق.

وكانت صوفي، ملكة جمال بريطانيا السابقة، قد عبّرت خلال مقابلة على الراديو، عن مدى استيائها من التعليقات على الإنترنت، وقالت إنها ضحية للتنمر السيبراني الشديد. "إنهم يعلقون على الطريقة التي تنظر بها، والطريقة التي تتحدث بها. ويعطون رأيهم بك في برنامج تلفزيوني حيث يشاهدونك لمدة 45 دقيقة".

هكذا، يطاول الانتحار الناس في كل ركن من أركان المجتمع، من المشردين والعاطلين من العمل إلى البنائين والأطباء ونجوم الواقع ولاعبي كرة القدم. إنه أكبر قاتل للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، وأكثر فتكاً من حوادث السيارات والسرطان.
دلالات
المساهمون