29 مارس 2018
انتحار الفكر البشري
تبدأ حرب وتنتهي أخرى لكن ما يتبقى من كل ذلك هو العقل البشري وأفكاره، لماذا لا نسائل أنفسنا عن ما حققناه وما لم نحققه، نحن بنو بشر أليس كذلك؟ لماذا كل هذه الحروب وقتل الضعفاء؟
كل المؤسسات الدولية وما حققه الإنسان من تقدم، يظل عاجزاً كل العجز عن التحكم في أفعاله التي تجرده من الصفة البشرية، ويظل يهتف بشعارات لا تمت بصلة لحقوق البشر أو الحياة الفاضلة.
كل يوم نرى أطفالاً أبرياء ينحرون في حروب طاحنة بسبب الأطماع الدولية وفي ظل الصمت الدولي، نرى أيضاً الآلاف من المهاجرين يلقون مصرعهم كل دقيقة بقوارب الموت والأصح أنها قوارب الحلم الفاضل لأنهم يبحثون عن الحياة وليس الموت، ذنبهم الوحيد أنهم يبحثون عن لقمة عيش وراحة نفسية بعيدة عن الحروب والكره. لكن للأسف حتى الزمان لا ينصف فالبحث عن الحرية والأمن والاستقرار لم يعد من شيم بني البشر، لأن كل هذه المفاهيم أصبحت في ظل الظرفية الراهنة عبارة عن مفاهيم مجردة لا تمت بأي صلة للواقع، فالإنسان الذي كان فيما مضى يبحث عن الحرية انطلاقا من الفكر، أصبح الآن مجرد مستعبد إرادياً ونزع جلبابه البشري لأجل تحقيق النزوات الشيطانية دون إدراك تام لما يقوم به.
فيما مضى كان معيار قياس قوة الأمم هو ما حققته بالفكر، لكن الآن وبعد "صناعة الغباء" وتنميط المجتمعات يلاحظ تراجع كل ما من شأنه أن يعبر عن الكائن البشري.
نهبت ثروات العالم من طرف فئة لم تتجاوز 20% من سكان العالم على حساب فئة فاقت 80% فأي عدالة أصبح العالم يتحدث عنها وأي ديمقراطية هذه، العالم بحاجة إلى من يفكر عوضاً عنه الآن لأنه منهك بسبب الكره والبغض الذي تغلغل في قلوب الشعوب وذلك بسبب الفئات المهيمنة.
أفق يا إنسان فما بعد السبات آفات، كن لرأيك مؤيداً وللحقيقة مناصراً وللمعرفة قنديلاً تنير درب البشر كما أناره من سبقك في هذه الحياة، إذا كنت موجودا فأثبت نفسك لأن الصمت هو دليل على قبول الوضع، والخضوع، والخوف.. لكن بالإرادة يصبح المستحيل حقيقة تصنع بها المجد.
كلنا يرى نسبياً ما يحدث بالعالم من أحداث تبكي العين دما لها، ومثل ذلك ما وقع ولا زال مستمرا وسيستمر في غياب حركات فكرية قوية تعيد إحياء الفكر البشري في معظم الدول العربية وخاصة الشرق الأوسط الذي أصبح مرتعا لبعض الدول المفترسة، أو الدول الغربية أيضاً وخاصة تلك التي أصبحت تتجه في إطار إنجاح مخططات كبرى على فائدة مجتمعاتها دون رفض أو إبراز رأي بخصوص ذلك وهو ما تجلى من خلال الانتخابات التي مرت بها مجموعة من الدول، وكيف قامت بالتحكم بعقول مجتمعاتها والسيطرة عليها وربما يمكن القول إن المفكرة حنة أرندت، كانت محقة عندما تحدثت عن الدولة الشمولية والأسس التي تستقي منها مشروعيتها وكيف تقوم بتوجيه الإنسان الذي تجرده من إنسانيته وتوجهه عن طريق الكره، والبغض، وعدم تقبل الغير.
كما أنه يمكن القول أيضاً إن القاضي الفرنسي أتين دي لابويسيه، كان محقاً عندما قال إن الإشكال الذي يصعب فهمه في الإنسان، هو أنه يولد حراً لكنه يذهب نحو العبودية طواعية، والحيوان عكسه يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة.
ربما لا يمكن القول إن البشرية في أرقى فتراتها لأن الذي ليس له نزعة إنسانية يدافع بها عن إنسانيته لا مكان له في حياة البشر، ربما يكون موجوداً لكنه ليس إنساناً.
والأخطر من ذلك عندما نجد أن تنميط الأفراد يتم من خلال المنظومات التعليمية، التي غالباً ما ظلمت أعظم العلماء والمفكرين، الذين لم يتعلموا فيها شيئاً وذهبوا للبحث عن الموجود وليس الوهم الذي ترسخه هذه الأخيرة في عقول المتعلمين منذ الصغر، ليطاولهم التنميط في جميع مجالات الحياة الأخرى، وهو ما أشار إليه مفكر علم الاجتماع الفرنسي الذي ظلمه الفرنسيون بعد أن نزع جلباب الوهم وأظهر حقيقة ما يحدث في المنظومة تحت مسمى "العنف الرمزي".
إذا، عن أي إنسان نتحدث؟ خاصة بعدما أصبحت اللوبيات الاقتصادية الكبرى تعيد صناعة "الغباء البشري" من خلال برامج موجهة لشرائح المجتمع، وقد أعلنت هذه اللوبيات أنها قامت بتمويل حملات إعلامية كبرى لإقناع المجتمعات بأن القضايا المهمة هي في الأصل قضايا غير مهمة أو العكس صحيح، إذ أصبحت ظاهرة صناعة شهرة الأغبياء هي الرائجة الآن، لكن دون أي معارضة لذلك، حيث بدأت معالم طمس الفكر البشري تظهر في الأفق.
لم يسبق أن شهد العالم موتاً فكرياً كالذي هو عليه الآن، بل لوحظ تراجع تام للإنتاج الفكري من طرف المفكرين، وأيضاً من طرف المجتمعات، وتظل أسباب هذا العزوف الفكري مبهمة. وعادة ما تعقب فترة الحروب الكبرى مراحل من الثورات والانقلابات الفكرية التي تغير مجريات الحضارة، وتقوم بإعطائها دفعة قوية.
إن تكريس التقسيم الجديد للعالم يفصل بين النخبوية المتجاوزة للتاريخ وبقية العالم القابع في أسر الحلقة التاريخية، وهذا التقسيم مبني على أساس عنصرية جديدة، موشحة بالهالة الثقافية والانتماءات الفلسفية، مأخوذاً هذه المرة في اليمين المتطرف، بعد أن تم استهلاك اليسار منه الماركسية. فالنخبوية تعلن خلاصها من التاريخ وأهله معا. وتشرع في بناء ايديولوجيا السيطرة على عالم مقسم إلى فريقين، الأول ميئوس منه لكن لا يمكن الاستغناء عنه، والثاني يتنعم بكمال التاريخ، لكن خطاب النهاية يسبح داخل أسوار التاريخ عينه.
أخيراً، هل هي مرحلة الموت الفكري وبالتالي موت البشرية وإنسانيتها؟
كل المؤسسات الدولية وما حققه الإنسان من تقدم، يظل عاجزاً كل العجز عن التحكم في أفعاله التي تجرده من الصفة البشرية، ويظل يهتف بشعارات لا تمت بصلة لحقوق البشر أو الحياة الفاضلة.
كل يوم نرى أطفالاً أبرياء ينحرون في حروب طاحنة بسبب الأطماع الدولية وفي ظل الصمت الدولي، نرى أيضاً الآلاف من المهاجرين يلقون مصرعهم كل دقيقة بقوارب الموت والأصح أنها قوارب الحلم الفاضل لأنهم يبحثون عن الحياة وليس الموت، ذنبهم الوحيد أنهم يبحثون عن لقمة عيش وراحة نفسية بعيدة عن الحروب والكره. لكن للأسف حتى الزمان لا ينصف فالبحث عن الحرية والأمن والاستقرار لم يعد من شيم بني البشر، لأن كل هذه المفاهيم أصبحت في ظل الظرفية الراهنة عبارة عن مفاهيم مجردة لا تمت بأي صلة للواقع، فالإنسان الذي كان فيما مضى يبحث عن الحرية انطلاقا من الفكر، أصبح الآن مجرد مستعبد إرادياً ونزع جلبابه البشري لأجل تحقيق النزوات الشيطانية دون إدراك تام لما يقوم به.
فيما مضى كان معيار قياس قوة الأمم هو ما حققته بالفكر، لكن الآن وبعد "صناعة الغباء" وتنميط المجتمعات يلاحظ تراجع كل ما من شأنه أن يعبر عن الكائن البشري.
نهبت ثروات العالم من طرف فئة لم تتجاوز 20% من سكان العالم على حساب فئة فاقت 80% فأي عدالة أصبح العالم يتحدث عنها وأي ديمقراطية هذه، العالم بحاجة إلى من يفكر عوضاً عنه الآن لأنه منهك بسبب الكره والبغض الذي تغلغل في قلوب الشعوب وذلك بسبب الفئات المهيمنة.
أفق يا إنسان فما بعد السبات آفات، كن لرأيك مؤيداً وللحقيقة مناصراً وللمعرفة قنديلاً تنير درب البشر كما أناره من سبقك في هذه الحياة، إذا كنت موجودا فأثبت نفسك لأن الصمت هو دليل على قبول الوضع، والخضوع، والخوف.. لكن بالإرادة يصبح المستحيل حقيقة تصنع بها المجد.
كلنا يرى نسبياً ما يحدث بالعالم من أحداث تبكي العين دما لها، ومثل ذلك ما وقع ولا زال مستمرا وسيستمر في غياب حركات فكرية قوية تعيد إحياء الفكر البشري في معظم الدول العربية وخاصة الشرق الأوسط الذي أصبح مرتعا لبعض الدول المفترسة، أو الدول الغربية أيضاً وخاصة تلك التي أصبحت تتجه في إطار إنجاح مخططات كبرى على فائدة مجتمعاتها دون رفض أو إبراز رأي بخصوص ذلك وهو ما تجلى من خلال الانتخابات التي مرت بها مجموعة من الدول، وكيف قامت بالتحكم بعقول مجتمعاتها والسيطرة عليها وربما يمكن القول إن المفكرة حنة أرندت، كانت محقة عندما تحدثت عن الدولة الشمولية والأسس التي تستقي منها مشروعيتها وكيف تقوم بتوجيه الإنسان الذي تجرده من إنسانيته وتوجهه عن طريق الكره، والبغض، وعدم تقبل الغير.
كما أنه يمكن القول أيضاً إن القاضي الفرنسي أتين دي لابويسيه، كان محقاً عندما قال إن الإشكال الذي يصعب فهمه في الإنسان، هو أنه يولد حراً لكنه يذهب نحو العبودية طواعية، والحيوان عكسه يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة.
ربما لا يمكن القول إن البشرية في أرقى فتراتها لأن الذي ليس له نزعة إنسانية يدافع بها عن إنسانيته لا مكان له في حياة البشر، ربما يكون موجوداً لكنه ليس إنساناً.
والأخطر من ذلك عندما نجد أن تنميط الأفراد يتم من خلال المنظومات التعليمية، التي غالباً ما ظلمت أعظم العلماء والمفكرين، الذين لم يتعلموا فيها شيئاً وذهبوا للبحث عن الموجود وليس الوهم الذي ترسخه هذه الأخيرة في عقول المتعلمين منذ الصغر، ليطاولهم التنميط في جميع مجالات الحياة الأخرى، وهو ما أشار إليه مفكر علم الاجتماع الفرنسي الذي ظلمه الفرنسيون بعد أن نزع جلباب الوهم وأظهر حقيقة ما يحدث في المنظومة تحت مسمى "العنف الرمزي".
إذا، عن أي إنسان نتحدث؟ خاصة بعدما أصبحت اللوبيات الاقتصادية الكبرى تعيد صناعة "الغباء البشري" من خلال برامج موجهة لشرائح المجتمع، وقد أعلنت هذه اللوبيات أنها قامت بتمويل حملات إعلامية كبرى لإقناع المجتمعات بأن القضايا المهمة هي في الأصل قضايا غير مهمة أو العكس صحيح، إذ أصبحت ظاهرة صناعة شهرة الأغبياء هي الرائجة الآن، لكن دون أي معارضة لذلك، حيث بدأت معالم طمس الفكر البشري تظهر في الأفق.
لم يسبق أن شهد العالم موتاً فكرياً كالذي هو عليه الآن، بل لوحظ تراجع تام للإنتاج الفكري من طرف المفكرين، وأيضاً من طرف المجتمعات، وتظل أسباب هذا العزوف الفكري مبهمة. وعادة ما تعقب فترة الحروب الكبرى مراحل من الثورات والانقلابات الفكرية التي تغير مجريات الحضارة، وتقوم بإعطائها دفعة قوية.
إن تكريس التقسيم الجديد للعالم يفصل بين النخبوية المتجاوزة للتاريخ وبقية العالم القابع في أسر الحلقة التاريخية، وهذا التقسيم مبني على أساس عنصرية جديدة، موشحة بالهالة الثقافية والانتماءات الفلسفية، مأخوذاً هذه المرة في اليمين المتطرف، بعد أن تم استهلاك اليسار منه الماركسية. فالنخبوية تعلن خلاصها من التاريخ وأهله معا. وتشرع في بناء ايديولوجيا السيطرة على عالم مقسم إلى فريقين، الأول ميئوس منه لكن لا يمكن الاستغناء عنه، والثاني يتنعم بكمال التاريخ، لكن خطاب النهاية يسبح داخل أسوار التاريخ عينه.
أخيراً، هل هي مرحلة الموت الفكري وبالتالي موت البشرية وإنسانيتها؟