كان واضحاً أن فيروس كورونا الذي وصل إلى البلاد سيضعنا أمام الامتحان. امتحان لأنفسنا وامتحان للطريقة التي سنتعامل فيها مع هذه الحالة الصحية المستجدة. إذ ما إن أعلن وزير الصحة اللبناني عن أول حالة إصابة، حتى انتشرت حالة "هستيريا" جماعية بين الناس. كان بالإمكان رصدها في حديث الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لو أن الفيروس يظهر للمرة الأولى، أو كما لو أن أحداً لم يسمع به من قبل.
ولمزيد من الدقة، فإن هذه "الهستيريا" انتشرت قبيل الإعلان الرسمي عن الحالة، إذ سبق التسريب الإعلامي الذي انتشر بين الناس إعلان الوزير عن الإصابة الأولى. وهذه كانت المفارقة الأولى. وما إن أعلن عن الخبر رسمياً، حتى كان "ترند" كورونا وما يرتبط به قد انتشر في البلاد مع ما رافق ذلك من نكات وإشاعات ما زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور.
وبعيداً عن هذا كله، ووسط زحمة "الاستنفار الجماعي"، نسينا الحالة المصابة بالمرض ونسينا عائلتها، واللحظات الصعبة التي تمرّ بها. صحيح أن الوضع الصحي للمصابة ليس خطيراً، لكن حفلة "الضجيج" التي تكفّل بها البعض كافية لإحباط أي شخص في وضع مماثل والتأثير فيه نفسياً.
بل حدث ما هو أكثر أذية وفظاظة من ذلك، إذ خرج من يكشف هوية المصابة من دون أدنى احترام لخصوصيتها، ومن دون أي اعتبار لمعايير مهنية وأخلاقية. ولكي تطمئن محيطها، انشغلت السيدة المصابة نفسها بالتأكيد أن وضعها الصحي جيد بدلاً من تفرّغها للراحة وتلقي المتابعة المناسبة. طبعاً لم نتحدث بعد عمّا يرافق كشف هويتها من تأثير على حياتها الشخصية وحياة عائلتها ومحيطها الضيق.
تحتاج الحالة التي تصيب بعض الناس خلال الأزمات إلى الكثير من التفكير والتحليل قبل الوصول إلى الاستنتاجات. لماذا فجأة يصير المريض متهماً وينقلب المستشفى سجناً ويتحوّل كثير من الناس إلى ديّانين ووعّاظ وفلاسفة ومهرّجين؟ لماذا نفقد إنسانيتنا في اللحظات الدقيقة والحرجة بدلاً من جعلها معبراً نحو الخلاص والنجاة؟
اقــرأ أيضاً
هناك خلل كبير بلا شك في بنيتنا الاجتماعية وما يتفرّع عنها من منظومات وأجهزة، وهو نتيجة حتمية للفساد المستمر وتهلهل الدولة وإداراتها، ما أفقد الناس الثقة بها. لكن هذا لا يبرّر محاصرة البعض للمصاب واستهدافه، ولا سيما أننا لسنا بمنأى عن الإصابة في أي لحظة. ما نمرّ به اليوم هو تحدٍّ جديد من مجموعة تحديات مختلفة نتعرّض لها في يومياتنا مؤخراً. لكنه تحدٍّ لإنسانيتنا، قبل أن يكون تحدياً صحياً تجب السيطرة عليه.
ليس فيروس كورونا خطيراً، وليس أسوأ ما قد يصيبنا. هذا كلام مكرر، ويصح تكراره. فاللوثات المتراكمة في رؤوسنا أسوأ من فيروس عابر بكثير.
ولمزيد من الدقة، فإن هذه "الهستيريا" انتشرت قبيل الإعلان الرسمي عن الحالة، إذ سبق التسريب الإعلامي الذي انتشر بين الناس إعلان الوزير عن الإصابة الأولى. وهذه كانت المفارقة الأولى. وما إن أعلن عن الخبر رسمياً، حتى كان "ترند" كورونا وما يرتبط به قد انتشر في البلاد مع ما رافق ذلك من نكات وإشاعات ما زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور.
وبعيداً عن هذا كله، ووسط زحمة "الاستنفار الجماعي"، نسينا الحالة المصابة بالمرض ونسينا عائلتها، واللحظات الصعبة التي تمرّ بها. صحيح أن الوضع الصحي للمصابة ليس خطيراً، لكن حفلة "الضجيج" التي تكفّل بها البعض كافية لإحباط أي شخص في وضع مماثل والتأثير فيه نفسياً.
بل حدث ما هو أكثر أذية وفظاظة من ذلك، إذ خرج من يكشف هوية المصابة من دون أدنى احترام لخصوصيتها، ومن دون أي اعتبار لمعايير مهنية وأخلاقية. ولكي تطمئن محيطها، انشغلت السيدة المصابة نفسها بالتأكيد أن وضعها الصحي جيد بدلاً من تفرّغها للراحة وتلقي المتابعة المناسبة. طبعاً لم نتحدث بعد عمّا يرافق كشف هويتها من تأثير على حياتها الشخصية وحياة عائلتها ومحيطها الضيق.
تحتاج الحالة التي تصيب بعض الناس خلال الأزمات إلى الكثير من التفكير والتحليل قبل الوصول إلى الاستنتاجات. لماذا فجأة يصير المريض متهماً وينقلب المستشفى سجناً ويتحوّل كثير من الناس إلى ديّانين ووعّاظ وفلاسفة ومهرّجين؟ لماذا نفقد إنسانيتنا في اللحظات الدقيقة والحرجة بدلاً من جعلها معبراً نحو الخلاص والنجاة؟
هناك خلل كبير بلا شك في بنيتنا الاجتماعية وما يتفرّع عنها من منظومات وأجهزة، وهو نتيجة حتمية للفساد المستمر وتهلهل الدولة وإداراتها، ما أفقد الناس الثقة بها. لكن هذا لا يبرّر محاصرة البعض للمصاب واستهدافه، ولا سيما أننا لسنا بمنأى عن الإصابة في أي لحظة. ما نمرّ به اليوم هو تحدٍّ جديد من مجموعة تحديات مختلفة نتعرّض لها في يومياتنا مؤخراً. لكنه تحدٍّ لإنسانيتنا، قبل أن يكون تحدياً صحياً تجب السيطرة عليه.
ليس فيروس كورونا خطيراً، وليس أسوأ ما قد يصيبنا. هذا كلام مكرر، ويصح تكراره. فاللوثات المتراكمة في رؤوسنا أسوأ من فيروس عابر بكثير.