امتحانات الشهادات الرسمية في لبنان: ستجري... لن تجري؟

10 يونيو 2014
لا تزال تحركات هيئة التنسيق مستمرة (حسين بيضون)
+ الخط -
تكافح سالي وريان ومحمد، الحرارة والرطوبة والقلق، في الحافلة بعد آخر يوم من الامتحانات المدرسية. تذبل ورقة امتحان اللغة العربية في بحر من العرق بين أيدي التلاميذ. أنهى رفاق الدراسة في الصف الثالث الثانوي امتحاني التنشئة واللغة العربية، وصعدوا إلى الحافلة الممتلئة في طريق العودة إلى المنزل. يتقاطع مسار الحافلة البيضاء مع اعتصام هيئة التنسيق النقابية في لبنان.
ويتساءل التلاميذ في ما بينهم عن مصير الامتحانات الرسمية هذا العام في ضوء الإضراب. يتملكهم القلق عند ذكر ساعات الدرس الطويلة، واحتمال تأجيل الامتحانات أو إلغائها.
وزير التربية والتعليم إلياس أبو صعب قرر تأجيل الامتحانات الرسمية التي كان من المفترض إجراؤها في 7 يونيو/حزيران الجاري لخمسة أيام. وهو يُصر على هذا الموعد رغم إعلان المعلمين الاعتصام المفتوح في مبنى وزارة التربية.
ويأتي القرار الذي يطال حوالى 108 آلاف تلميذ بحسب وزارة التربية، على أمل حل إضراب هيئة التنسيق النقابية (أكبر تجمع نقابي لموظفي القطاع العام في لبنان). فقد ترك الأساتذة وموظفو القطاع العام مكاتبهم واحتلوا الشوارع الرئيسية، وأعلنوا مقاطعة وضع الامتحانات الرسمية وتصحيحها، حتى إقرار سلسلة الرتب والرواتب في مجلس النواب.
ويقول التلاميذ إنهم باتوا يتابعون أخبار جلسات البرلمان لمعرفة مصير الامتحانات، وباتوا منحازين لصالح الأساتذة، بحسب سالي: "أنا مع إقرار حق الأساتذة في سلسلة الرتب والرواتب". تقاطعها ضحكات زميلتها ريان: "بتنا نفتح التلفزيون لنتابع الأخبار، أكثر مما نتفتح الكتب لندرس، وصار لنا رأينا السياسي!".

ولا يشكل الموضوع أولوية لدى الطبقة السياسية المشغولة بانتخابات رئاسة الجمهورية. من جهة مقابلة، خرج وزير التربية في مؤتمر صحافي ليستعرض الخيارات المطروحة: "إجراء الامتحانات في موعدها، أو التأجيل لمدة خمسة أيام على أمل إقرار السلسلة في جلسة مجلس النواب في 10 يونيو، وفي حال عدم التوصل لاتفاق سيتم إجراء الامتحانات بصورة غير مسبوقة". لم يوضح الوزير معنى "بصورة غير مسبوقة"، ليقولها في تصريح لاحق إن "خطة الامتحانات ستكون نووية".

وقد وجّه التفتيش التربوي في لبنان دعوة إلى "مديري التربوي ومعلمي المدارس الرسمية للمشاركة في الامتحانات الرسمية تحت طائلة المساءلة".
في المقابل، أكد عضو هيئة التنسيق النقابية نعمة محفوض في مؤتمر صحافي أن "الامتحانات الرسمية لن تتم في الموعد المؤجل دون موافقة الهيئة"، محذراً من إجرائها من دون موافقة المعلمين.
وفي سياق متصل، أعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة في لبنان "الإضراب عن العمل حتى 19 يونيو الجاري في كافة الوزارات والمؤسسات والإدارات العامة والبلديات والمحافظات، من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب".
وبين نار التصريحات، انتشرت معلومات لا مصدر واضح لها، عن حلول يُفكر بها وزير التربية كمراقبة الامتحانات من قبل قوى الأمن أو الجيش، والاستعانة بالمدارس الخاصة.
يرفض التلاميذ أغلب هذه الحلول. لا يستطيع محمد أن يدخل إلى امتحان يراقبه فيه جندي: "لا أقبل أن يراقبني الجيش أو الأمن العام، لسنا في حملة عسكرية". كما يرفض الطلاب اعتماد النتائج المدرسية كبديل عن الامتحانات الرسمية.
"لقد درسنا وتعبنا، واليوم يجبرنا أهلنا على المراجعة مراراً وتكراراً، ما يعرضنا للضغط النفسي، نحن ندرس ولا ندري إن كنا سنخوض الامتحانات أم لا". يدلي التلاميذ بدلوهم ثم ينصرفون إلى المراجعة. أخّرت القضية تقديم التلاميذ لطلبات الانتساب إلى الجامعات اللبنانية، ويزيد الوضع صعوبة مع التلاميذ الراغبين بمتابعة التعليم الجامعي خارج لبنان.


وعلى صعيد طلاب الشهادة المتوسطة، تبدو الأمور أكثر صعوبة. إذ تشرح أم محمد طريقة تعاطيها مع ابنها الصغير، قائلة: "يخوض طالب الشهادة المتوسطة جو الامتحانات الرسمية للمرة الأولى، بعكس تلميذ الثانوي، وبالتالي يزداد الضغط عليه". وتعدد أم محمد الأحداث التي تؤثر سلباً على أداء التلاميذ: "لم تكفِنا التفجيرات والاشتباكات والإضرابات خلال العام الدراسي، ليأتي قرار هيئة التنسيق ويزيد من توتر ابني ورفاقه". ولا تعني مطالب هيئة التنسيق أم محمد، فمصير ولدها الأكاديمي خط أحمر. أما محمد فيبدو مرعوباً حتى من فكرة الحديث عن تجربته الأولى في الامتحانات الرسمية. يعتصم بكتابه في غرفته، مترقباً موعد الامتحان المؤجل.
ولا يقتصر تأثير التأجيل على منازل التلاميذ فقط، فقد بدأت عدة مدارس خاصة تبحث في فتح دوام صيفي للأساتذة. وبحسب ما يوضح يحيى عميرات، مدير مدرسة الإيمان في عرمون، جنوبي بيروت: "ينتهي عمل الأساتذة منتصف الشهر المقبل، وفي حال لم يتم حل مسألة الامتحانات، فنحن بحاجة لاستدعاء المعلمين حتى يبقى التلاميذ في جو مراجعة المواد حتى تحديد موعد أكيد للامتحانات".
وتنظر المدارس في خياراتها المادية على هذا الصعيد، مكتفية حالياً بإبلاغ التلاميذ بالتطورات الرسمية، وتأمين دعم نفسي لهم بالتعاون مع الأهل.

دلالات
المساهمون