وبينما يَعيب كثير من قياديي هذا الحزب و"مناضليه" على لوران فوكييز، الذي انتخب رسميًا زعيمًا لـ"الجمهوريون" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رفضه الدعوة للتصويت لمصلحة المرشح إيمانويل ماكرون في الدورة الثانية من الرئاسيات، ويعتبرونه خطأ لا يغتفر، تلقفت مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، هذا الأمر بكثير من الامتنان والشكر، وهي الآن ترى فيه فرصة لتحالفات ممكنة قادمة بين الطرفين.
وفي ظل انحسار شعبيتها، خاصة بعد سوء أدائها في مواجهة ماكرون، ثم انسحاب نائبها من الحزب، فلوريان فيليبو، وتأسيسه تجمعًا سياسيًا جديدًا، هو "الوطنيون"، لم يعد أمامها من سلاح تعود به للواجهة سوى "تحالف الشعبويين" خلال الانتخابات الأوروبية لسنة 2019.
وتعرف لوبان، جيدًا، أن الظروف صعبة في وجه هذا التحالف، خاصة أن العديد من الأحزاب الشعبوية في أوروبا، ومن بينها اليمين المتطرف في النمسا وفي ألمانيا، لا يتقاسمان معها كثيراً من الأفكار والبرامج، إذ إنهما ليبراليان على المستوى الاقتصادي، ويعارضان الخروج من منطقة اليورو، في الوقت الذي تدافع فيه لوبان عن خط انكفائي وسيادويّ.
ولن يبقى أمام مارين لوبان سوى دفع غزلها الخافت مع فوكييز إلى الواجهة، ما دام أن كثيرًا من برامجهما تتقاطع، خاصة الحذر الشديد من أوروبا، والقلق من "مخاطر" المهاجرين واللاجئين و"أسلمة فرنسا".
ولكن كثيراً من المراقبين يرون أن فوكييز لن يستسلم لـ"إغواء" لوبان، لأن أي تفكير في ذلك سيتسبب في انفجار محتم للحزب، كما أن النتائج لن تكون مضمونة، فالفرنسيون، كما قال مرة جان ماري لوبان، يفضّلون أن يصوّتوا للأصل، وينبذوا النسخ التي تحاكي الأصل. وقد تأكد الأمر، فعلًا، في كثير في الاستحقاقات الانتخابية في فرنسا.
معضلة اليمين الفرنسي
يعزو بعض أنصار اليمين الفرنسي السبب في خسارة الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى إلى عناد المرشح فرانسوا فيون، الذي أغضب وأبعد كثيرًا من شخصيات اليمين عن الحزب. ثم جاء انتصار المرشح إيمانويل ماكرون في الرئاسيات، والانتخابات التشريعية لاحقًا، التي ضمن من خلالها الرئيس الجديد أغلبية مريحة جدًا، انضافت إليها عناصر يمينية؛ لا هي من حزب "الجمهوريون" ولا من حركة الرئيس ماكرون، ولكنها مستعدة لنجدة الحكومة في أيّ طارئ وأي استحقاق.
غير أن الثورة الحقيقية التي أحدثها ماكرون، صاحب كتيّب "الثورة" الانتخابي، لا تكمن في الانتصار الانتخابي فقط، بل وفي تهشيم كل البنيات الحزبية التقليدية، من اليمين ومن اليسار.
فإذا كان اليسار الاشتراكي لا يزال يجاهد من أجل انتخاب قيادة جديدة، بعد أن باع مقره الرئيس في شارع "سولفيرينو" في المقاطعة الباريسية السابعة، بسبب ضائقته المالية غير المسبوقة، فإن اليمين استطاع أن ينتخب قيادته الجديدة، ولكن بعد أن فرّت من سفينته الغارقة معظم الأسماء الكبيرة.
وأصبح لوران فوكييز هو الرئيس الجديد، وربما مرشح سنة 2022 للرئاسيات، ولكن الحزب اليميني الحالي لم يعد سوى ظلّ ما كان عليه في السابق.
وإذا كان اليمين، في تاريخه، لم يحقق كل انتصاراته الانتخابية إلا عبر تحالف وثيق بين قِواه المحافظة والليبرالية، من دون إغفال دور الوسط التاريخي، الذي وصل إلى السلطة أثناء حكم الرئيس فاليري جيسكار ديستان، فإن اليمين الآن يعيش في ظل رئاسة فوكييز، الذي يفتخر بتأليفه قبل سنوات كتيّباً معادياً للاتحاد الأوروبي، لم يعتذر عنه، لحد الآن، على الرغم من انتقادات حادة في معسكره.
وما كان يُنتَظر بعد فوز لوران فوكييز، تلميذ نيكولا ساركوزي، على رأس حزب "الجمهوريون"، حدث بالفعل؛ فقد سارعت معظم القيادات اليمينية للانسحاب من الحزب أو لتجميد مشاركتها وحضورها، وعلى رأسها كزافيي برتران، وفاليري بيكريس، وجان بيير رافاران، وأخيرًا ألان جوبيه، الذي رفض دفع اشتراكه الحزبي لسنة 2018، ثم إعلان القيادي فرانسوا كوبي، أمس الخميس، عن خطوط حمراء لا يجب على فوكييز تجاوزها، وهي الاتحاد الأوروبي والتحالف مع حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، الذي تتزعمه لوبان.
ولم تعد القيادة الحالية لحزب "الجمهوريون" تمثل سوى النواة الصلبة للتشدد اليميني المعادي للمهاجرين واللاجئين وللإسلام، بعد أن قرر حزب "اتحاد الديمقراطيين والمستقلين" الوسطي، قبل أشهر عديدة، وبعد هزيمة ألان جوبيه في انتخابات اليمين الفرعية، فسخ تحالفه مع حزب "الجمهوريون"، ثم التحالف مع شخصيات يمينية ضاق بها النشاط داخل اليمين الكلاسيكي، ولم تعد تُخفي رغبة في دعم ماكرون وإصلاحاته.