04 نوفمبر 2024
اليمن.. كسر إرادة أم تكسير عظام؟
يدعو الهجوم المفاجئ الذي تعرضت له قاعدة الملك خالد الجوية السعودية بصواريخ سكود، إلى ضرورة مراجعة الحسابات الخاصة باستراتيجية عملية "إعادة الأمل"، فبغض النظر عن الأثر الفعلي للهجوم الصاروخي، وقدرة القوات السعودية على صده، فإن هذا التطور في العمليات يعطي إشارات مغايرة لكل التوقعات التي سادت في الفترة الماضية. وما يزيد أهمية الأمر الهدوء النسبي الذي بدأ يسري في أوصال العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف العربي ضد الحوثيين وقوات علي صالح. فمن غير قصد، يبدو المشهد كأن الحراك بشأن البحث عن تسوية سياسية جاء على حساب فعالية العملية العسكرية وزخمها، على الرغم من أن الارتباط بين المسارين يفترض تحقيق تقدم على الأرض، يكون أساساً للحل السياسي. ومن ثم، فإن من شأن انتقال قوات الحوثي وصالح من الدفاع إلى الهجوم تغيير المواقف التفاوضية، حتى وإن كان الهجوم جزئياً، ولم يحقق سوى نتائج محدودة ميدانياً.
وحيث من الطبيعي أن يكون الحل النهائي على مائدة المفاوضات، وليس في ساحة القتال، فإن التنسيق بين المسارين يعد أمراً منطقياً، غير أن الوقائع على الأرض لا تشير إلى حدوث ذلك، فالوقت المثالي لكي يدعو أي طرف إلى التفاوض والانتقال إلى المسار السياسي، عندما يكون الميزان العسكري في صالحه واتجاه العمليات المستقبلي يشي بمزيد من التقدم، إذ يعني ذلك أن استمرار الطرف الآخر في القتال بمثابة انتحار، وعليه أن يقبل البحث عن حل سياسي، يوقف نزيف الخسائر. وكان ذلك الوضع المثالي متحققاً بشكل نسبي، في الأسبوعين الأولين لعملية "عاصفة الحزم"، نتيجة مفاجأة الضربة الأولى وكثافة القصف الجوي، وغموض المرحلة التالية التي كان يحتمل أن تشهد تدخلاً برياً بمشاركة واسعة. فكانت الفرصة مواتية لتوظيف ذلك الوضع سياسياً، لفرض حلول، أو على الأقل أجندة تفاوضية على الحوثيين. وقد تم الدعوة، هنا، إلى فتح الباب أمام الحل السياسي، حيث العمل العسكري كان ضرورياً لتغيير موازين القوة وكسر إرادة الطرف الآخر. بينما لا حل نهائيا إلا بتسوية سياسية، تشارك فيها كل الأطراف المنخرطة في الأزمة، سواء الداخلية المكونة للنسيج اليمني أو الإقليمية المعنية بالملف.
ما حدث أن أياً من الأطراف المتحاربة لم يرفض الحل السياسي، لكن كل تشدد في موقفه ووضع شروط مسبقة للتفاوض، من دون قوة أو رصيد حقيقي على الأرض يكفل تلبية تلك الشروط، فكانت النتيجة أن كلاً تغاضى عن بعض شروطه، نزولاً على مقتضيات الواقع وموازين القوة، فتنقّل المسار السياسي من عُمان إلى الرياض إلى جنيف، وتطورت نسبة المشاركة من جزئية إلى متعددة إلى شبه شاملة. لكن استمرار العمليات العسكرية والقصف الجوي بالوتيرة نفسها، من دون تطور ملموس، لا يعطي إشارات إيجابية لجهة النتائج المرجوة من المسار السياسي. ثم جاء الهجوم الصاروخي، أخيراً، على الأراضي السعودية، ليفتح الباب مجدداً أمام تسريع وتيرة التفاوض، أو بالأحرى قابلية الأطراف للتفاوض. لكن، لأن الهجوم يعد تطوراً إيجابياً لصالح الحوثيين، فإن مردوده السياسي ليس في صالح معسكر الرئيس هادي والتحالف العربي الداعم له. ولا بد هنا من الالتفات إلى أن هادي كان يرفض المشاركة في جنيف، سوى بشروط تعجيزية، لم يكن الحوثيون ليقبلوا بها. ثم عدّل هادي من موقفه وقبل الذهاب إلى جنيف، وكان ذلك قبل هجمة "سكود" داخل الحدود السعودية. الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عمّا يمكن أن يضطر إليه هادي من تنازلات أخرى بعد "سكود". طول أمد العمليات من دون تطوير عسكري واضح، أو تحريك سياسي مواز، يحمل مخاطر مزيد من الهجمات العكسية، فتتحول العملية من طرف يستهدف كسر إرادة الآخر، إلى تكسير عظام للطرفين.