باتت الأوضاع في المحافظات اليمنيّة المحرّرة من سيطرة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، همّاً يشغل العديد من اليمنيين، إذ لم توفّر 75 في المائة من أراضي البلاد المحرّرة، موطئ قدمٍ آمن للقيادة السياسية الموجودة خارج البلاد، بسبب سوء الوضع الأمني وانتشار بعض المجموعات المسلحة التي لا تعترف بعضها بالشرعية على الرغم من وقوفها ضد الحوثيين.
واضطرت الحكومة في محافظة عدن التي أعلنها الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، عاصمة مؤقتة، من مغادرة المدينة، أخيراً، بعد إقامتها أسابيع في أحد الفنادق، من دون أن يترك وجودها أثراً ملموساً على حياة المواطنين. وجاءت مغادرتها إثر الوضع الأمني المتدهور مع انتشار عناصر محسوبة على المجموعات المسلّحة، وخصوصاً إثر هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، على مقر الحكومة ومقرات قوات التحالف العربي، فضلاً عن سلسلة اغتيالات شهدتها المدينة ضد قيادات أمنية وأخرى في "المقاومة الشعبية"، وصولاً إلى تحرّكات علنية، منها اقتحام كلية العلوم الإدارية في المدينة وإغلاقها بحجة منع اختلاط الطلاب والطالبات.
وفي الوقت الذي وصلت فيه قوات سودانية للمشاركة في تأمين عدن، تقلّل مصادر محليّة في عدن، في حديث لـ"العربي الجديد"، من إمكانية نجاح الخطة العسكرية لضبط الموقف، نظراً لكون الوضع بحاجة إلى معالجة سياسية واقتصادية شاملة وإكمال الخطوات الخاصة بضم أفراد "المقاومة" إلى القوات النظامية، وهو الأمر الذي يواجه عوائق تتعلق بحسابات سياسية وبعوامل وحساسيات متعددة الخلفيات.
في محافظة أبين، المدخل الشرقي لعدن، تحدثت تقارير، الأسبوع الماضي، عن تحركات عناصر محسوبة على تنظيم "القاعدة"، تسعى إلى إسقاط بعض مناطق المحافظة تحت سيطرتها. ولا يختلف الوضع كثيراً في محافظة شبوة المحاذية لها، التي لا يزال الحوثيون يسيطرون على جزء قليل منها، وحققوا، أخيراً، تقدّماً في محافظة مكيراس التابعة إدارياً لمحافظة البيضاء، بعدما شهدت مواجهات عدّة، في الأشهر الأخيرة.
في المقابل، تسيطر مجموعات من الحراك الجنوبي على محافظة الضالع ومناطق أخرى، ويمنع بعض المسلحين مرور المواطنين من المحافظات الشمالية باتجاه عدن، علماً أن بعض مجموعات الحراك لا تزال تصف نائب الرئيس الأسبق، علي سالم البيض، أحد أبرز القيادات الجنوبية المقيمة خارج البلاد، ويتزعم أحد فصائل الحراك الجنوبي المنادي بالانفصال، بـ"الرئيس".
ولا يزال يسيطر مسلحو تنظيم "القاعدة"، منذ ما يقارب السبعة أشهر، على مركز محافظة حضرموت النفطية، كبرى المحافظات اليمنية من حيث المساحة، والواقعة شرقي البلاد، ولعلّها من أكثر المحافظات التي تثير انتقادات ضد الحكومة والتحالف العربي لعدم ترتيب أوضاعها ومختلف المحافظات المحررة، إذ إنّ حضرموت لم تشهد مواجهات مسلحة مع الحوثيين ولم تنل من الدمار ما نالته المحافظات الأخرى، إلا أن الحكومة لم تنجح في تأمينها وجعلها مقراً مؤقتاً لتحركاتها.
اقرأ أيضاً الصراع على عدن: اتهامات للمليشيات والمخلوع بتحريك "خلايا نائمة"
على صعيد الأوضاع في عدن وأبين ولحج والضالع وشبوة، يرى مراقبون، أنّ الاختلالات التي تعيشها تلك المحافظات تبدو طبيعية بعض الشيء، نظراً للحرب التي عاشتها، سواء بقصف الحوثيين والقوات المتحالفة معهم، أو بسبب قصف التحالف العربي للمقرات التي كان الحوثيون وحلفاؤهم يسيطرون عليها، وما ترتّب على الحرب من وضع انتشر معه السلاح، وفقد مواطنون مصالحهم وغادرت بعض الشركات.
أما من الناحية السياسية، فقد كانت العبارة السائدة في المحافظات الجنوبية، هي المطالبة بالانفصال، على خلفية سياسات النظام السابق وصولاً إلى الحرب الأخيرة. ومع ذلك، فإن الجنوب ذاته، يشهد فرزاً على إثر صراعات مناطقية، في ظل ضعف القيادة الجنوبية للدولة، باعتبار أنّ صنعاء ومؤسسات الدولة لا تزال تحت سيطرة الانقلابيين، كما أنّ مصالح الدولة في المناطق التي شهدت مواجهات مباشرة، شبه مدمّرة.
وفيما يخص حضرموت، لم تقدّم السلطات تبريراً مقنعاً لإهمال ترتيب أوضاعها، على الرغم مما تشكله سيطرة تنظيم "القاعدة" من عامل قلق ليس لليمن فحسب، بل كجزء من تنظيم دولي. وتتباين التفسيرات لإهمال حضرموت، بين من يرجعه إلى عدم فعالية القرارات التي تم اتخاذها، فيما يذهب آخرون إلى ربطه بأسباب سياسية، تسعى لترتيب وضع حضرموت ضمن خصوصية تمهّد لتكون إقليماً مستقلاً إدارياً عن الأقاليم الأخرى، كما هي حضرموت، بالتقسيم الفيدرالي (الذي لم يقرّ باستفتاء بعد)، تمثّل إقليماً إلى جانب محافظات المهرة وشبوة وسقطرى، ويشغل الإقليم نحو نصف مساحة اليمن.
وأثارت الأوضاع غير المنضبطة في المحافظات المحرّرة، وأبرزها انتشار المجموعات المسلحة وعدم توفير الدعم اللازم للسلطات المحلية، انتقادات تزايدت، أخيراً، بعد مرور ثلاثة أشهر على تحرير مدينة عدن. ويلقي محللون وناشطون في "المقاومة الشعبية" اللوم على السلطة ممثّلة بالرئاسة والحكومة أولاً، وعلى التحالف العربي، باعتباره الجهة التي تملك القرار والقدرة على تنفيذه، بالإضافة إلى أن تدخُّل الأخير، مثّل التحوّل الأهم في مسار الأزمة الأخيرة. كما أنّ التحالف العربي معنيّ بالنصر عسكرياً، لأنّ عدم ترتيب أوضاع المحافظات التي يتم تحريرها، بحسب مصادر "المقاومة"، وعدم جعلها نموذجاً يغري المواطنين في المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، أمر يعيق التقدم في معركة التحرير شمالاً، كما يهدّد المناطق المحررة ذاتها.
ورقة تخدم الحوثيين
وعلى الرغم من كل ما تشهده عدن والمحافظات الأخرى المحرّرة، يبقى الإخفاق مسيطراً، مقارنة بما كان مأمولاً أن يكون بعد الحرب. لكن وفق ناشطين ومصادر محلية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ ما آلت إليه الأوضاع، اليوم، لا يقارن أبداً مع الوضع الذي عاشته تلك المحافظات أثناء الحرب، إذ كان الحصار والتفجيرات وسقوط القتلى أمراً يحدث بصورة يومية. لكن يعتبر هؤلاء الناشطين، أنّ عدم تأمين المحافظات المحررة وعدم عودة الحكومة إليها لممارسة مهامها عملياً بتقديم الخدمات وتأمين المناطق، أمر يخدم الحوثيين، ويكاد يكون من أبرز الأوراق التي يعوّلون عليها بعد الهزائم والخسائر التي لحقت بهم في العديد من المحافظات.
اقرأ أيضاً: الحوثي و"القاعدة" يهددون المدن المحررة جنوب اليمن